عشاق الفن في باريس على موعد ما بين ١٠ كانون الأول/ ديسمبر ٢٠٢٤ و٦ نيسان/ أبريل ٢٠٢٥ في معهد العالم العربي مع العمل الصوتي البصري “شَمَشْ صرخة من أجل السلام”، من تصميم الفنان التشكيلي والمؤلف الموسيقي الفرنسي اللبناني الآتي من زمن المسرح المعاصر زاد ملتقى.
و”شَمَشْ صرخة من أجل السلام”،هو امتداد لتجربة زاد ملتقى الفريدة في مجال الأبحاث الموسيقية، التي بدأها مطلع تسعينيات القرن الماضي، سعياً لردم الهوّة ومدّ الجسور بين الموسيقى الشرقية والغربية، كان قد عرض في الجناح اللبناني التابع لبينالي البندقيّة السابع والخمسين لعام ٢٠١٧ ومن ثمّ في بيروت وفنلندا، قبل أن يحطّ رحاله في باريس.
واستلهم ملتقى عمله شَمَشْ هذا “من اسم إله الشمس لدى البابليين، مصدر القوانين والحضارات، ومن قانون حمورابي المنقوش على مسلّة البازلت الأسود، الشاهدة منذ ٤٠٠٠ سنة، على توق الإنسان وسعيه الحثيث إلى العدالة والحرية.
وينخرط هذا العمل الضخم في حوار زماني /مكاني، سمعي/ بصريّ، بين مواقع النزاع، في محاولة لمراجعة ومناقشة الأحداث الأخيرة في المنطقة، وللتأمل في أحداث التاريخ المتشابكة حيث يتداخل الماضي والحاضر والمستقبل.
و”معبد” زاد ملتقى الذي بناه خارج الزمن قوامه أساسات من الفن والشعر والسياسة، قام بتحضيرها من مزيج من الابتكارات الصوتية والتجارب البصرية، حيث وضع في فنائه قاذفة كبيرة يقوم محرّكها بالتقاط الحرب وتحويلها إلى أغنية، فيطلق صلوات مشتركة على نيّة “إيقاف هذه الوحشية التي تسود مجتمعاتنا في الوقت الراهن والتي تهدّد أيضاً مستقبلنا وتتربّص بعالمنا منذ بداية الزمن”، كما يقول.
رهبة ممزوجة بالخشوع تنتاب رواد المعرض مع دخولهم إلى الصالة المظلمة فيضطرون إلى الاستعانة بأنوار هواتفهم حتى يتمكّنوا من رؤية ما أتوا لأجله، ومع صدح أغنية جنائزية “شَمَشْ إيتيكا” أو (الشمس المظلمة)، باللغة الأكادية التي تعود إلى ٤٠٠٠ سنة ق.م، ترثي السقوط المأساوي لمدينة أور السومرية، يبدأ الظلام بالتلاشي شيئًا فشيئًا، فيظهر هيكلًا بصريًا موسيقيًا ضخمًا، عبارة عن محرّك لطائرة عسكرية نفاثة من طراز رولز رويس إم كي ٢٠٩ بطول ستة أمتار يعود تاريخ صنعه الى خمسينات القرن الماضي، تم تثبيته بشكل عمودي في وسط الصالة، في خلفيته جدار مغطى، بمائة وخمسين ألف قطعة نقدية من فئة ٢٥٠ ليرة لبنانية عاكسة للضوء، تعكس أشكالًا وأحصنة وأصواتًا، في لعبة بصرية تتصارع ضمنها الأضواء والظلال، تصوّر مشهداً جوياً لمدينة مقصوفة، وعلى الأرض ٤٤ مكبّراً للصوت، تصدح منه نصوص من كلماته مستوحاة من النموذج السومري ومن غناء كورالي مؤلف من ٣٢ صوتاً غير بشري، إنما من أصوات معدّلة إلكترونيًا صادرة عن محرك طائرة حربية ممزوجة بعناصر كهروسمعية، تتقابل من خلالها ثنائيات الخير والشر، والحياة الموت، والشرق والغرب، فيحاول ملتقى من خلالها “التصدّي للعنف الأعمى المتكرّر واللا متناهي الذي يشهده الشرق الأوسط”، كما يقول، مستوضحًا عن “معنى العدالة في عالمنا اليوم والغد، في وقت يعود فيه الشرق الأوسط للغرق في موجة عنف شديدة الوطأة تذكر بمأساة “أور” وقصص الأطفال الذين جرفتهم المياه والنيران”، ويتساءل إذا كانت “الحضارة تحمل في داخلها بذور تدميرها؟“.
وبين السلام الذي جسّده ملتقى بالموسيقى والصلاة، والحرب المتمثّلة بالدمار الذي يطلقه المحرّك، يبقى الأمل في أن ينتصر الخير في عالمنا على الشر كما انتصر إله العدل السومري على إله الموت.