منذ ثلاثينيات القرن الماضي، تشكل حاملات الطائ رات العمود الفقري للجيش الأميركي، لبثّ القوة في العالم، ومنذ حرب الخليج في سنة 2003، لم تعمل حاملتان للطائرات في الوقت نفسه في الشرق الأوسط.
حالياً، توجهت حاملة الطائرات “آيزنهاور” والقوة الهجومية المرافقة لها جنوباً في قناة السويس، وستتجهز هناك خارج البحر الأحمر في بحر العرب، أو المحيط الهندي. معنى وجود قوة كهذه إلى جانب شواطئ دولة عدوة (إيران، أو اليمن، على سبيل المثال) واضح. الرسالة هي: “لدينا عصا كبيرة، ولن نتردد في استعمالها”.
يوجد على ظهر حاملة الطائرات هذه نحو 90 طائرة جاهزة للقتال في مختلف السيناريوهات (في الأساس تفوُّق جوي وقصف دقيق)، وتتجمع حولها عدة فرقاطات ومدمرات تحمل صواريخ موجهة؛ وتحت الماء، تتمركز غواصة نووية هادئة وسرية، تحمل كمية خيالية من الصواريخ الموجهة (أكثر من 150 صاروخاً).
من المفترض أن تعمل حاملة الطائرات في البحر بأمان، وأن ترسل من هناك قوة نيران مذهلة، يمكنها أن تدمر البنى التحتية لدولة بحجم لبنان، وأن تُلحق الضرر، جدياً، بدولة كبيرة ولديها معدات، كإيران.
ليست محصّنة من الضرر
هل هذا هو واقع الوضع فعلاً، وهل المقصود قوة لا يمكن التغلب عليها؟ هذا غير مؤكد قط. كعب أخيل، أو نقطة ضعف حاملة الطائرات هذه هو في قابليتها للإصابة. فحاملة الطائرات الكبيرة والمليئة هذه، يمكن رصدها بسهولة، عبر الرادارات والأقمار الصناعية. وفي صلب عقيدة عملها، يوجد الافتراض القائل إن حاملة الطائرات والطائرات الموجودة عليها والقوة الهجومية التابعة لها، يمكنها إبادة كل تهديد في محيط 75 ميلاً (بُعد يسمح بإطلاق صواريخ بحر - بحر/ جو - بحر).
هذا الافتراض صالح عندما يكون المقصود عدواً بحرياً، أو جوياً، أو حاملة صواريخ (لديها أيضاً دفاع غير سيئ من الغواصات، لكن لا يوجد تهديد كهذا في منطقتنا). وبصفتها “الكلاسيكية”، فإن حاملة الطائرات تعمل ضد قوة بحرية للعدو (كمعركة ميدوي في الحرب العالمية الثانية)، أو على شواطئ دولة عدوة لا تملك أدوات الرد (العراق وفيتنام). تهديدات جديدة
ساحة الحرب البحرية تغيرت. هناك أقمار صناعية ومسيّرات ومنظومات دفاعية ساحلية، وطائرات تجسّس تحمل رادارات ومعدات للرؤية، باتت تملكها دول عديدة. لذلك، فإن حاملات الطائرات فقدت سريتها النسبية.
وفي مناطق بحرية ضيقة نسبياً، كالبحر المتوسط، أو الخليج الفارسي، يمكن رصدها بسهولة. عامل آخر يوجد على الشاطئ ويهدد حاملات الطائرات، هو الصواريخ الدقيقة البعيدة المدى التي تستند إلى منظومات تحديد المواقع، أو تلك التي يتم إطلاقها من الساحل، ويمكنها إيجاد السفن وحدها، وإرسال صورة إلى مقر القيادة.
الصينيون على سبيل المثال، طوروا الـ DF-21D وDF-26، وهي صواريخ بالستية متخصصة في إصابة حاملات الطائرات. هذا بالإضافة إلى أنه يوجد صواريخ موجهة خاصة بالبيئة البحرية، مثل الياخونت الروسي والقذيفة الدقيقة لمدى مئات الكيلومترات التي يمكن إطلاقها من الساحل. ومؤخراً، تمت إضافة صواريخ ما فوق صوتية، يمكن إطلاقها من السفن أو الطائرات. بعضها مخصص ليكون Carrier killers.
أدوات أُخرى تم إدخالها إلى حيز الاستعمال في الأعوام الماضية، وفي الأساس، بعد الحرب الروسية - الأوكرانية، هي أدوات لا يمكنها إغراق حاملة طائرات، لكنها قادرة على إلحاق الضرر الجدي بها (وبالطائرات التي عليها).
المسيّرات الانتحارية، والطائرات من دون طيار، هي أدوات رخيصة ومتوفرة، ولديها القدرة المثبتة على ضرب أهداف كبيرة وبطيئة (اسألوا الأسطول الروسي في البحر الأسود). سيناريو أن تقوم دولة عدوة (لنفترض إيران) بالكشف عن حاملة طائرات في البحر، وتطلق عليها مجموعة صواريخ بر - بحر، وفي الوقت نفسه، تطلق أيضاً أسراباً من المسيّرات الانتحارية - هذا السيناريو ممكن طبعاً.
استراتيجيا المنع
إحدى الاستراتيجيات لتقليص فاعلية حاملة الطائرات هي منعها من الاقتراب إلى مسافة كهذه من الدولة المستهدفة، بشكل يمنع الطائرات الموجودة عليها من الطيران والقصف والعودة بأمان. الصينيون قاموا ببناء استراتيجيا كاملة، تقوم على افتراض أنه من أجل إحباط تفوُّق أميركا بحاملات الطائرات، يجب منعها من الاقتراب إلى مناطقها.
هذه الاستراتيجيا تسمى Anti-access/Area-Denial، بما معناه - نزع قدرة حاملة الطائرات على الاقتراب من الشواطئ الصينية. تم نشر هذه الاستراتيجيا في سنة 2015، وهي تشدد على الدفاع في القطاع البحري القريب من الصين - مياه بحر الصين الجنوبي، ومضيق تايوان، وبحر الصين الشرقي، والبحر الأصفر، وصولاً إلى بحر اليابان شمالاً.
في مقابل كل المنطقة البحرية هذه، توجد جزر وقواعد أميركية (الفلبين، غوام، واليابان) وبالنسبة إلى الصين، فإنها تشكل تهديداً لها. يتم تحقيق المنع عبر نشر صواريخ يمكنها إصابة حاملة الطائرات حتى لو كانت بعيدة عن الشاطئ. ويمكن إطلاق هذه الصواريخ من الساحل، وأيضاً من السفن، أو الطائرات. هذا بالإضافة إلى أن الصين تقوم ببناء جزر من صناعة بشرية في بحر الصين الجنوبي، ويمكنها أن تشكل قاعدة متقدمة لهذه العمليات.
تبنّي هذه الاستراتيجيا في الشرق الأوسط
يمكن أن تتبن ى إيران هذه الاستراتيجيا، حتى إنها يمكن أن تفعّلها قبل الصين التي طورتها في الأساس. لدى إيران القدرة على ضرب حاملة طائرات.
صحيح أن إيران لا تملك سلاح جو مع قدرات جدية، كما أن سفن الأسطول الإيراني لا تهدد حاملة الطائرات، لكن الإيرانيين يطورون منذ أعوام تقنيات وأسلحة يمكنها أن تكون فعالة ضد حاملة الطائرات. وضمنها، سفن صغيرة يمكنها أن تضرب كأسراب، وسفن انتحارية يمكن السيطرة عليها عن بُعد، وصواريخ بر - بحر لمسافات مختلفة، بالإضافة إلى مسيّرات انتحارية. الإيرانيون يتفاخرون منذ الآن في وسائل التواصل الاجتماعي بأنهم أرسلوا طائرة مسيّرة حلّقت فوق حاملة الطائرات الموجودة في الخليج، وصورتها من دون علمها. (لكن الآن، لا توجد حاملة طائرات في الخليج، ومن الواضح أن هذه الأخبار كاذبة).
كيف نعرف أن استراتيجيا المنع تعمل؟ ببساطة. إذا دخلت حاملة الطائرات قريباً إلى الخليج، بعد ثلاثة أعوام من مغادرة آخر حاملة طائرات أميركية الخليج، سنعلم بأن الأميركيين لا يخافون من الاقتراب من الشواطئ الإيرانية.
وإذا لم يفعلوا ذلك، فيمكن أن يكونوا مرتدعين. وإذا كان هذا هو الوضع، فإن هناك احتمالاً أن يكون لدى حزب الله أيضاً أدوات أقل، ويمكنه بواسطتها تطبيق استراتيجيا مشابهة في شرق البحر المتوسط. لقد استمعنا إلى خطاب نصر الله، والذي لمّح فيه إلى استخدام صواريخ “ياخونت” ضد السفن الأميركية.
هل يمكن للدمج بين وسائل الرصد والهجوم الحديثة إلغاء، أو إحباط جزء من التفوق البنيوي لحاملات الطائرات؟ يمكن أن نكتشف ذلك في المدى الزمني القريب.
Israel Defense