رجحت دراسة علمية ارتباط تطور الشعر الأجعد لدى البشر الأوائل الذين عاشوا في القارة الأفريقية قبل آلاف الأعوام بالحفاظ على برودة الرأس وحمايتهم من أشعة الشمس الضارة، ووجد العلماء أن الشعر الكث الملفوف بإحكام يشكل حاجزاً ضد أشعة الشمس لحماية فروة الرأس.
وتبين أن هذا النوع من الشعر يساعد أيضاً جسم الإنسان في الحفاظ على الماء داخله من خلال تقليل التعرق، مما يبقيه بارداً.
ورأى فريق البحث أن النتائج التي تم التوصل إليها ونشرت في مجلة Proceedings of the National Academy of Sciences (Pnas) (تصدرها “الأكاديمية الوطنية للعلوم” في واشنطن وتنشر أبحاثاً يراجعها أقران في العلوم البيولوجية والفيزيائية والاجتماعية) قد تلقي الضوء على مسار هذا التكيف التطوري الذي أدى إلى نمو الأدمغة البشرية من حيث الحجم.
أستاذة الأنثروبولوجيا في “جامعة ولاية بنسلفانيا” في الولايات المتحدة والحاملة وسام “أستاذة جامعة إيفن بيو” Evan Pugh University Professor (أعلى وسام يمكن للجامعة أن تمنحه لعضو في هيئة التدريس) البروفيسورة نينا جابلونسكي، أوضحت أن “البشر تطوروا في أفريقيا الاستوائية حيث تكون الشمس في قرص السماء مسلطة فوق رؤوسهم أطول مدة في اليوم وعاماً بعد آخر”.
وأضافت، “في هذه الحال تتلقى فروة الرأس وأعلاه مستويات أكثر ثباتاً بكثير من الإشعاع الشمسي الشديد على شكل حرارة، وقد أردنا أن نفهم كيف أثر ذلك في تطور شعرنا، فتبين لنا أن الشعر المجعد يسمح للبشر بالحفاظ على برودة أجسامهم ومعدلات الماء داخله”.
ويعتقد في هذا الإطار أن البشر الأوائل تطوروا ليتمكنوا من المشي منتصبي القامة في فترة زمنية تعود في الماضي لنحو 3 ملايين عام، ومع مرور الوقت وحين بدأ البشر يفقدون معظم شعر أجسامهم، تطورت لديهم غدد العرق للحفاظ على برودة أجسادهم.
ويشير الباحثون إلى أن التعرق يتسبب بفقدان الماء والـ “إلكتروليت”، وفي هذه الدراسة استخدم العلماء نموذجاً بشرياً يعمل على الطاقة الكهربائية لمحاكاة حرارة الجسم من أجل اختبار تأثيرات الإشعاع الشمسي على أنواع مختلفة من الشعر البشري المستعار.
وشملت التجارب التي تولاها علماء في “جامعة لافبارا” بإنجلترا تسليط مصابيح ساطعة على رأس النموذج البشري لمحاكاة الإشعاع الشمسي، وقياس فقدان الحرارة في جسمه، كما عمدوا أيضاً إلى احتساب فقدان الحرارة مع تغير السرعات المختلفة للرياح بعد ترطيب فروة الرأس، لمحاكاة حالات التعرق الطبيعي.
ولاحظ العلماء أنه في حين أن جميع أنواع الشعر وملمسه يقلل من وصول أشعة الشمس إلى فروة الرأس، إلا أن الشعر المجعد بكثافة قدم أفضل حماية له من حرارة الشمس، ويعتقد العلماء أن الشعر المجعد ساعد أيضاً في نمو أدمغة البشر الأوائل.
وقالت تينا لاسيسي، الطالبة التي أجرت الدراسة كجزء من أطروحتها لنيل شهادة دكتوراه من “جامعة ولاية بنسلفانيا”، إن “السير بقامة منتصبة كان بمثابة المحطة الأولى للتطور، فيما نمو الدماغ كان بمثابة المكافأة لشعر فروة الرأس”.
وأوضحت أنه “قبل نحو مليوني عام رأينا الإنسان المنتصب الذي كان يمتلك البنية الجسدية نفسها مثلنا، لكن دماغه كان أصغر حجماً”.
وأضافت، “قبل نحو مليون عام كنا في الأساس أمام الحجم الذي هي عليه أدمغة البشرفي العصر الحديث مع اختلافات بسيطة في الحجم”، متوقعة أن يكون “تطور ما قد أطلق قيوداً جسدية سمحت لأدمغتنا بالنمو”.
وختمت بالقول، “نعتقد أن شعر فروة الرأس يوفر آلية سلبية لتقليل كمية الحرارة المكتسبة من الإشعاع الشمسي، وهو أمر تعجز غدد العرق لدينا عن القيام بها”.