وضع “حزب الله” على منبر التمهيد لإطلالة أمينه العام السيد حسن نصرالله في “الإحتفال التكريمي للقائد الجهادي الشهيد وسام الطويل” طفلًا جنوبيًّا، حيث ألقى كلمة وضع بموجبها دماءه ودماء الشعب اللبناني في خدمة ما يأمر به “سيّد المقاومة”.
بطبيعة الحال، كلمات هذا الطفل تكبره سنًّا ولا علاقة لقلمه بصياغتها ولا صلة بينها وبين أحلام جيله المفترض أن تتمحور حول رفاهية العيش وهاجس العائلة والمساواة المجتمعية.
وفي المجتمعات الطبيعيّة حيث للحياة الإنسانيّة قيمة حقيقيّة تتم إحالة هذا الصنف من الأطفال الذين يسهل التلاعب بعواطفهم وعقولهم، الى المتابعة النفسيّة، من أجل تمكينهم من تنظيف عقولهم من هذا الهوس بالتضحية بالذات من أجل الآخرين، لأنّه يصبحون، والحالة هذه، مجرد وقود في مشاريع لا علاقة لوعيهم بها.
وفي هذه المجتمعات الطبيعيّة، يمنع على منظمي المهرجانات الحزبية والعسكريّة من استغلال الأطفال بالدعاية السياسية والتحشيد، لأنّ ذلك يلحق خللًا خطرًا بالمجتمع!
ولكن، بما أنّ كل الأمور استثنائية في لبنان، فبإمكان هذا الطفل وغيره ممّن تتم تعبئتهم أن يعرب عن رغبته بالتضحية بالذات وبجميع الآخرين من أجل قضية لا يفهم ألفها من يائها، بل جرى تلقينه ما يجب عليه أن يردده ليكون مشروع شهيد في سبيلها!
ويمثّل هذا الطفل الذي وضعه “حزب الله” على المنبر جميع اللبنانيّين الذين عليهم أن يدفعوا، ومن دون نقاش، ثمنًا يحدده “سيّد المقاومة” ومن يقف خلف “سيّد المقاومة” الذي لم ينبس بكلمة لم يسبقها إليه في نطقها المسؤولون الإيرانيون في الساعات التي سبقت إطلالته بدءًا بمرشد الجمهورية الإسلامية في إيران السيد علي خامنئي وصولًا الى الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي. وتكفي مقارنة سريعة بين الخطوط العريضة لكلمة نصرالله وكلمات “أسياد إيران” لإدراك حقيقة التطابق بينها، حتى يحسب المراقب أنّ في الأمر عملية “نسخ ولصق”.
إذن يمثّل هذا الطفل الذي وضعه “حزب الله” على المنبر “الإستشهادي” طموح الحزب في تصوّره لوضعية جميع اللبنانيّين الذين يصارعون من أجل الحياة خلافًا لرغبة نصرالله برميهم في أتون الحرب!
و”حزب الله” غير آبه بهواجس هؤلاء اللبنانيّين وتطلعاتهم، على اعتبار أنّهم في حال لم ينقادوا إليه ك”طفل المنبر” يكونون إمّا أغبياء وإمّا جبناء وإمّا عملاء!
ويريد نصرالله من اللبنانيّين أن يرفعوا قبضاتهم وأن يصرخوا معه في الرد على التهديدات بحرب شاملة على لبنان: يا هلا ومرحب!
يا هلا ومرحب…لماذا؟ من أجل غزة؟ وماذا فعل التدمير والقتل على الجبهة اللبنانيّة- الإسرائيليّة لغزة؟
لا شيء. قلناها ونكررها: لا شيء مطلقًا!
من أجل ماذا، إذن؟
من أجل تأبيد السلاح الذي ينقله “حزب الله” الى الداخل اللبناني، حين يريد ترهيب اللبنانيين، والى سوريا حين يريد تثبيت نظام الأسد وإلى حيث تأمره بذلك المصلحة الإيرانية.
وشرائح واسعة من اللبنانيّين لا يريدون التضحية بوطنهم وما تبقى لهم من عائلات فيه ومن ممتلكات، من أجل هذا الهدف الذي لا يوجد فيه عنصر نبيل واحد، لأنّه مشروع خطر بكل ما للكلمة من معنى!
يا هلا ومرحب بالحرب، قالها نصرالله، من دون أن يرف له جفن، فهو آخر همّه ما يتكبده الشعب الذي يفترض أن ينتمي إليه، لأنّ همّه الوحيد محصور بمصلحة الجمهورية الإسلامية في إيران التي تريد إلحاق أكبر خسائر بإسرائيل لتتمكن من مفاوضة الجميع من موقع القوة.
مسكين الشعب اللبناني فهو إمّا يكون ك”طفل المنبر” وإمّا يبقى في الأسر إلى أن يحرره منه نداء القبور!