"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث
تابعونافلاش نيوز

إختار قاضيًا "خدومًا" لهذه المهمّة.."حزب الله" يُنشئ وزارة "التحجّر"!

فارس خشّان
الثلاثاء، 15 أغسطس 2023

إختار قاضيًا "خدومًا" لهذه المهمّة.."حزب الله" يُنشئ  وزارة "التحجّر"!

في المبدأ لا يتم تعيين وزراء في لبنان من بين القضاة العاملين. أسباب كثيرة تقف وراء ذلك، من بينها تلك الدستوريّة، إذ لا بدّ من توفير الحد الأقصى من استقلالية القضاء عن السياسية، وتلك العملانية، إذ إنّ عدد القضاة قليل للغاية بينما عدد السياسيّين والخبراء والمتخصصين وفير!

وعلى الرغم من ذلك، فقد درجت العادة أن يتم خرق هذه القاعدة، في ظروف استثنائية، وذلك لمصلحة حقيبة وزارة العدل، عندما تكون المرحلة تشريعية بامتياز.

ولكن عند تشكيل هذه الحكومة جرى خرق كل المعايير المتعارف عليها، فجيء إليها بثلاثة وزراء: واحد للعدل، ثانٍ للداخلية وثالث للثقافة.

وإذا كان معيار اختيار وزير العدل ( هنري خوري) واضحًا، خصوصًا وأنّه عيّن بعد إحالته إلى التقاعد، إلّا أنّه لم يُفهم المعايير التي اعتُمدت لنزع قاضيين عاملين وتعيينهما وزيرين في حقيبتين لا تستدعيان وجودهما، أي الداخلية التي يشغلها بسام مولوي، وقد سمّاه رئيس الحكومة انجيب ميقاتي لذي يعرفه من منصب كان قد شغله في طرابلس، والثقافة التي يشغلها محمد مرتضى، وقد سمّاه “حزب الله” الذي اختبره، عندما كان يشغل مناصب قضائية في جبل لبنان.

وتجربة الوزراء الثلاثة ليست لامعة أبدًا، فهم حرصوا، منذ وصولهم الى مناصبهم السياسية، على استرضاء الأطراف التي عيّنتهم، لدرجة نسي فيها المتابعون أنّ هنري خوري وبسام مولوي ومحمد مرتضى كانوا يومًا قضاة يفترض بهم أن يحكموا باستقلالية وعدالة ورصانة.

ومع ذلك، تمكّن هنري خوري، حتى في حمأة “شد الحبال” مع مجلس القضاء الأعلى، أن يستّر “المعاصي” التي ارتكبها التزامًا منه بتوجيهات “التيار الوطني الحر”، وكذلك الحال بالنسبة لبسام مولوي، حتى حين وقف في وجه طلبات رفع الحصانة ضد كبار الأمنيين عند استدعائهم الى التحقيق في ملف انفجار مرفأ بيروت.

وحده محمد مرتضى “تأنّق” بالطاعة، بحيث لم يكتفِ بتحويل وزارة الثقافة الى جهاز دعائي عند “حزب الله”، بل ذهب، في الأسبوعين الأخيرين، إلى تنفيذ “اجندة” وضعها الأمين العام ل”حزب الله” حسن نصرالله لمحاربة ما سمّاه “الشذوذ” بصفته مؤامرة أميركية- أوروبية تستهدف المجتمع اللبناني، وفق قوله!

وبهذه الخلفية، طلب مرتضى حظر عرض فيلم “باربي” الذي “يلعلع” في المملكة العربية السعودية، ودخل في سجال “لا ثقافي” مع بعض النوّاب وغالبية المثقفين في لبنان الذين- وهذا تقدير شخصي- لن تشاهد أكثريّتهم الساحقة فيلمًا بمعايير “باربي”.

ولكن في الثقافة تُعطى القيمة للمبدأ وليس للميول، الأمر الذي سبق أن اختزله فولتير، رائد عصر التنوير، في القرن الثامن عشر، بقوله الخالد:” أنا لا أوافق على ما تقوله، ولكني سأدافع حتى الموت عن حقك في قوله”.

فولتير، في حينه، كان يقود معركة تحرير الفكر والإنسان من الطغيان الديني الذي تسبّب بأخذ كثيرين من “المختلفين” في توجهاتهم وعقائدهم وتصوّراتهم إما إلى القبر أو السجن أو المنفى!

ومنذ انتصار عصر التنوير، أصبحت للثقافة تعريفات كثيرة تتمحور حول أنّها كناية عن تلك الأعمال التي تجعل الحياة أكثر جمالًا وأكثر حيوية.

وحتى تكون هناك ثقافة، يجب أن تكون هناك بيئة حاضنة لأعمال تحارب الجهل والتعصب والتخلّف والإضطهاد والحقد، وتحلّل وتناقش فتحقق التغيير والتطور والإنفتاح والتفهّم في الفكر والمجتمع.

وعندما وُجدت وزارات الثقافة في العالم ، قبل لبنان الذي عرفها في العام 1993 ووضع أسسها أوّل وزرائها الراحل ميشال إده، إنّما كانت من أجل توفير البيئة الحاضنة للإبداع والإختلاف والإنتاج، بحيث يكون للمثقفين مرجعية اعتراض ضد “حرّاس التقاليد” الكثر، بدءًا من الأحزاب الدينية والمتطرفة وصولًا الى المرجعيات الدينية المتزمّنة.

وقبل حلول محمد مرتضى في وزارة الثقافة، كانت الأغلبية الساحقة من أسلافه رأس حربة في الدفاع عن فنون الثاقفة على اختلافها، بصفتها ميدان ممارسة الحريّة المطلقة.

مع محمد مرتضى تبدّلت الحال، فهو يريد أن تكون وزارته ضد اسمها، فتصبح وزارة قمع تنفّذ من دون نقاش توجيهات الأمين العام ل”حزب الله” حسن نصرالله الذي يتلاقى في أفكاره مع رجال دين من كل الطوائف بما فيها التي تؤمن بمرجعية الفاتيكان، من دون أن تأخذ في عين الإعتبار توجهاته الحديثة التي أرساها بابا الإنفتاح والتفهّم والمحبة والرحمة، فرنسيس!

ومعروف أنّ حزب الله” يريد عزل لبنان عن الثقافة العالمية التي طالما كان من روّادها وإدخاله في “قمقم” الجمهورية الإسلامية في إيران، حيث يدفع الشباب الإيراني أثمانًا غالية في محاولة تحرير أنفسهم منه.

ولكن محمّد مرتضى لن ينجح، سواء تمّ عرض “باربي” في صالات السينما أو جرى حظره، ليس لأنّ اللبنانيّين، إن رغبوا سوف يجدون ألف وسيلة لمشاهدته، بل لأنّ عصف الثقافة أقوى من كل مبررات القمع.

ومن لا يقتنع، فلينظر إلى الدرس السعودي الذي يفيد بأنّ أيّ دولة تريد أن ترتقي بنفسها الى مصاف الريادة لا يخيفها فيلم!

مشكلة “أصحاب القمقم” أنّهم فيما يتمرجلون بمائة ألف صاروخ ومائة ألف مقاتل ومائة ألف انتصار، يخشون من…صورة وردية!

نشر في “النّهار العربي”

المقال السابق
انفجار في مستودع ذخيرة بمناطق هيمنة "حزب الله" في القلمون السورية

فارس خشّان

كاتب سياسي

مقالات ذات صلة

إسرائيل "واثقة" من مقتل محمد حيدر وتهدد بإرسال نعيم قاسم "الى الجنة"

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية