جمعت ويليام وماريا فاجعة مروعة غيرت وجه بيروت وخسرا فيها أعز الناس، ففي انفجار المرفأ الذي هز العاصمة والعالم بضخامته وبما تسببه، خسر ويليام شقيقه جو العنصر في فوج إطفاء بيروت وخسرت ماريا شقيقتها المسعفة سحر. ولكن الفاجعة جمعت بين القلبين، وهما اليوم يستعدان لحفلة زفافهما. يعيشان حالياً حال “انفصام” كما يقول ويليام، فمع انهماكهما بالاستعدادات لتحركات الذكرى الثالثة لانفجار المرفأ، تحضيرات المناسبة السعيدة تجري على قدم وساق. الزفاف موعده الـ10 من سبتمبر (أيلول) المقبل في مسقط رأسه بلدة مشمش في قضاء جبيل، ليكلل قصة الحب الجميلة التي ولدت من رحم انفجار اعتبر من أقوى الانفجارات غير النووية في العالم.
قصة بدأت بحزن
لم يكن ويليام وماريا يتوقعان أن يجد الفرح سبيلاً إلى قلبيهما بعد هذه المأساة التي عاشاها وأفقدتهما أقرب الناس إليهما، لكن شاء القدر أن يجمعهما النضال من أجل تحقيق العدالة لضحايا انفجار المرفأ، لتولد بينهما قصة حب جميلة يتقاسمان فيها الوجع والفرح.
قصة الحب بدأت منذ قرابة عامين حين التقيا في جلسات العلاج النفسي التي كانا يخضعان لها بعد الانفجار كبقية أهالي الضحايا، ويليام كان يشعر بانجذاب نحو ماريا ولم يجرؤ على البوح بمشاعره هذه، خشية أن يتقرب منها وهي من أهالي الضحايا. واعتبر أنه إذا لم تنجح تجربتهما معاً قد تتأثر سلباً المجموعة التي وضعت هدفاً لا مساومة عليه، وهو الدفاع عن القضية وسعياً وراء تحقيق العدالة من أجل الضحايا.
لك ن شاءت الصدف أن يتغيب ويليام مرة واحدة عن اجتماع في إطار التحضير للذكرى الثانية للانفجار، فاتصلت ماريا للاطمئنان عليه مما أكد شكوكه بأنها قد تبادله الاهتمام، وإن لم يكن ذلك واضحاً بعد آنذاك. “لم يمض وقت طويل حتى اجتمعنا في إحدى الجلسات مع الأصدقاء، وأخبرتها في ما كنا نرقص معاً أني معجب بها وأكدت لي أنها تبادلني الشعور ذاته، فكانت هذه بداية قصة الحب التي جمعتنا في السراء والضراء. في تلك الليلة نسينا أنفسنا ونحن نتحدث حتى ساعات الصباح الأولى ولم نشعر بأن الوقت يمر، ولأن مشاعرنا كانت صادقة وحقيقية، في اليوم التالي أخبرنا الأهل بعلاقتنا وقررنا إقامة الخطوبة بعد شهرين، فما نشعر به كان واضحاً وأكيداً، ولم نجد أي داع للانتظار”.
تحقيق العدالة أولوية
مع ولادة كل قصة حب، يتروى أي ثنائي عادة قبل اتخاذ قرار الإقدام على الخطوة الجدية التالية، لكن بالنسبة إلى ويليام وماريا كان الوضع مختلفاً. فالظروف التي ولد فيها حبهما وتطورت فيها علاقتهما كانت خاصة ومختلفة. ويعلم الكل بما مروا به من ظروف صعبة وما خضعوا له من ضغوط، مما كشف لكل منهما عن كل ما يحتاج إلى معرفته حول ردود فعل الآخر وتصرفاته العفوية وسلوكياته في مختلف الأوقات، سواء عند الانفعال أو في لحظات الهدوء. فلم يكن لأي منهما وجه آخر غير مكشوف لأن ما مرا به من ظروف كان كفيلاً بأن يؤكد عمق المشاعر، وما أسهم أيضاً في إزالة الشكوك من طريقهما أنهما معاً في الظروف نفسها ويمران بأصعب المواقف في مواجهة المشكلة ذاتها، فيتشاركان المشاعر نفسها ولا يقف أي منهما بعيداً منها. حتى أن علاقة الأهل أصبحت متينة نظراً إلى الظروف، وكل ما سبق أن مر به أهالي الضحايا عامة، وبشكل خاص ويليام وماريا، وطد العلاقة بين العائلتين.
لا مخططات مسبقة ما بعد الزفاف فهما لا يفكران كثيراً بما قد يحصل، بل يتفقان على مبدأ أن متابعة التحقيق وتحقيق العدالة للضحايا ومنهما جو (شقيقه) وسحر (شقيقتها)، يحتل الأولوية ولا جدال حول ذلك بينهما بما. وهما يتشاركان الحماسة ذاتها والاندفاع ويتقاسمان الأدوار، إذ تتولى ماريا المحادثات نظراً إلى شخصيتها الهادئة، ويتولى ويليام شق المطالبة والتظاهرات ليكملان بعضهما. قصة الحب التي جمعت ويليام وماريا زرعت الأمل في نفسيهما وفي نفوس كل من حولهما بعد كل ما مروا به من تجارب بشعة ومآس، فبعد كل المشاعر السلبية والظروف القاسية شكل تعارفهما وحبهما بارقة أمل لأن قصتهما أكدت أن الحياة تستمر وتقوى على الموت والمآسي بفضل المشاعر الجميلة التي تزينها، فمهما كان الماضي قاتماً تشكل علاقة ويليام وماريا خير مثال على أن الأمل يبقى موجوداً على رغم الصعاب.
وعن التحقيق فإن ويليام متفائل لأن الأمور تتخذ منحى إيجابياً حالياً بتدخل القضاء الأجنبي مثل القضاء البريطاني الذي أصدر حكماً شكل خطوة في غاية الأهمية، لكن الأهم برأيه ترقب النتيجة ومحاسبة المسؤولين عما حصل بعد أن أصبحت الأمور بيد القضاء الأوروبي.
كارين اليان ضاهر (اندبندنت)