من دون أدنى شك، يشكل اغتيال القيادي الكبير في “حركة حماس” صالح العاروري، في الضاجية الجنوبية لبيروت، بواسطة صاروخ موجّه أطلقته طائرة حربيّة إسرائيليّة، خرقًا مشهودًا للسيادة اللبنانيّة.
ولكن، كيف يمكن أن يسكت المجتمع الدولي عن هذا الخرق الخطير للسيادة اللبنانيّة، ولا يسارع الى التنديد به، بل يكتفي بدعوة إسرائيل إلى احتواء أي رد قد يُقدم عليه “حزب الله”، مباشرة أو بواسطة الفصائل الفلسطينية العاملة معه، حتى لا تتوسّع الحرب المحصورة حتى تاريخه، بالخط الفاصل بين البلدين؟
الجواب بسيط للغاية: “حزب الله” أسقط عن لبنان الحمايتين المعنوية والمادية اللتين يوفّرهما مبدأ سيادة الدولة، ورمى البلاد في معادلة القوة، بحيث يمكن لمن يعتبر أنّ قوته تعينه على ارتكاب ما يرغب بارتكابه أن يفعل ما يشاء.
وهكذا فإنّ معادلة القوة هي التي تتحكم بلبنان على حساب مبدأ السيادة.
ويدرك اللبنانيّون، قبل أيّ دولة أخرى، هذه الحقيقة، فقرار “حزب الله” بضم الجبهة الحدوديّة الى حرب “طوفان الأقصى”، جاء رغمًا عن الحكومة اللبنانيّة “على علّاتها” وعن سائر القوى السياسيّة في البلاد وخصوصًا رغمًا عن إرادة الشعب اللبناني، عمومًا والبيئة الشيعيّة خصوصًا.
ومنذ أنشأت الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران “وحدة الساحات” بين القوى المنضوية في “محور المقاومة” ورسّخت تفوّق التنظيمات الموالية لها على الدول العاملة فيها، أسقطت مبدأ السيادة، لأنّ ضمّ لبنان الى “وحدة الساحات” لم يمر بالمؤسسات الدستوريّة، وفق ما يقتضيه مبدأ السيادة، ولم يراعِ التزامات لبنان باحترام القرارات الدوليّة ولا سيّما منها القرار الذي أوقف الحرب في العام 2006 مع إسرائيل، أي القرار 1701.
يستطيع “حزب الله” أن يفعل ما يشاء، احتواءً أو تصعيدًا أو تهديدًا، ردًّا على اغتيال العاروري في عقر داره، إذ لن يستطيع أحد، ولو رغب بذلك، أن يقف بوجهه، لكنّه لا يستطيع، كما يحاول أن يفعل منذ اليوم الأوّل لتنفيذ هذه العمليّة، الحديث عن خرق السياد ة اللبنانيّة ووجوب تحصينها!
لا يستطيع “حزب الله” التحجج بالسيادة اللبنانيّة، لسبب بسيط جدًّا، إذ إنّه قبل اغتيال العاروري وقبل إلحاق لبنان بحرب “طوفان الأقصى” وحتى قبل ضم لبنان الى “وحدة الساحات”، عمل، بلا هوادة، على وأد السيادة اللبنانيّة…
ونحن، من صغيرنا الى كبيرنا، نعرف بالتفاصيل، أنّ “حزب الله”، أجاد في دفن السيادة اللبنانيّة وهي حيّة!