كشفت وثائق إيرانية رسمية، سربتها “مجموعة قراصنة” معارضة مسودات اتفاقات بين دمشق وطهران بما فيها مسودة “مذكرة تفاهم للتعاون الاستراتيجي” بين البلدين، ممهورة بتوقيع الرئيسين إبراهيم رئيسي وبشار الأسد.
وبحسب ما ترجمته مجلة “المجلة” عن الوثائق فقد أعدت “الإدارة الثانية لشؤون غرب آسيا وشمال أفريقيا” تقريراً من 27 صفحة تمهيداً لزيارة رئيسي إلى دمشق، التي كانت مقررة يومي 27 و28 ديسمبر (كانون الأول) 2022. لكن الزيارة أرجئت آنذاك بسبب رفض الأسد توقيع مسودات اتفاق تتضمن معاملة الإيرانيين في سوريا معاملة السوريين في مجالات محددة.
وبعد مفاوضات عديدة حول مسودة “مذكرة التفاهم”، زار رئيسي دمشق في مايو (أيار) 2023 وتم التوقيع من الأسد ورئيسي على النص النهائي لـ”المذكرة الاستراتيجية”، قبل توجه الرئيس السوري إلى جدة للمشاركة في القمة العربية غداة إعادة دمشق إلى الجامعة العربية بعد تجميد عضويتها لأكثر من عقد.
الوثائق المسربة كشفت لمحة عن جوهر العلاقات بين دمشق وطهران، ومنها استرداد الديون الإيرانية وقضية الإيرانيين المقيمين في سوريا.
الأزمة السورية
في البدء، أشارت الوثائق المسربة إلى أن سوريا دخلت منذ مطلع عام 2011 في أزمة كبيرة لم يتم التوافق بعد على حل مستدام للخروج منها.
وأضافت أن الأزمة الأوكرانية قد تؤثر على مسار التطورات في سوريا في مستويات عدة منها أولاً، انخفاض التركيز العسكري الروسي على التطورات الميدانية في سوريا مما يؤدي إلى زيادة نشاط الجماعات الإرهابية. ثانياً، انخفاض الدعم الروسي لسوريا في ما يتعلق بتوفير المستلزمات الاقتصادية بخاصة القمح والحبوب. ثالثاً، وبحسب الوثائق، تنظيم عناصر متطرفة وإرسال جزء كبير منهم إلى أوكرانيا من قبل الدول الغربية وبتعاون تركي من أجل القتال ضد الجيش الروسي، وفي المقابل حشد القوات في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة السورية من أجل القتال ضد الجيش الأوكراني.
وذكرت الوثائق أن الرئيس السوري بشار الأسد أعلن دعمه ال خطوة العسكرية الروسية في أوكرانيا خلال اتصال هاتفي مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين بعد يوم من بدء العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا.
عمليات عسكرية تركية في سوريا
تقول الوثائق، إن الجيش التركي قام منذ أغسطس (آب) 2016 بثلاث عمليات عسكرية في مناطق مختلفة في شمال سوريا تحت عناوين “درع الفرات” و”غصن الزيتون” و”نبع السلام” بذريعة مكافحة “داعش” وجماعة “ب ك ك” الكردية وذراعها السورية “وحدات حماية الشعب” حيث سيطر على أجزاء كبيرة من الأراضي السورية. يؤكد المسؤولون الأتراك من جهة على أنهم يحاولون تطبيع العلاقات مع سوريا وفي الوقت نفسه يستمرون في إدراج العمليات العسكرية الجديدة في شمال سوريا ضمن خياراتهم وينوون إيجاد منطقة آمنة بعمق 30كم في الشريط الحدودي المشترك مع سوريا.
وأضافت أن إيران أدرجت القيام بجهود لمنع الهجوم العسكري التركي على شمال سوريا وانعقاد مفاوضات أمنية بين دمشق وأنقرة حول الملف الكردي ضمن جدول أعمال سياستها الخارجية. وانعقدت قمة قادة دول مسار أستانا في يوليو (تموز) 2022 في طهران بهذا الصدد وأن إيران وروسيا أقنعتا تركيا خلال هذه القمة بعدم القيام بأي عمل عسكري في شمال سوريا.
الغارات الإسرائيلية
في هذا المحور، تحدثت الوثائق عن استمرار الغارات التي تشنها إسرائيل في المناطق السورية المختلفة بذريعة مكافحة الوجود العسكري الإيراني وإرسال الأسلحة لـ”حزب الله”. وقالت إن مجلس الأمن الدولي يلتزم “صمتاً مشبوهاً” حول هذه الغارات وأن روسيا اضطرت إلى الإعلان عن معارضتها علناً لهذه الغارات بسبب الضغوط الدبلوماسية الإيرانية واحتجاج السوريين من جهة وموقف الحكومة السورية حول أوكرانيا.
الوجود العسكري الأميركي
قالت الوثائق، إن وجود القوات العسكرية الأميركية في منطقتي شرق الفرات والتنف في سوريا مستمر، وقامت هذه القوات بإنشاء قواعد كثيرة في هذه المناطق وتعتبر أن لديها مهمتين رئيستين. أولاً، منع إعادة فتح المعبر الحدودي البري بين العراق وسوريا وحرمان إيران من استخدام هذا المعبر للتجارة مع سوريا ولبنان عبر العراق ومن الوصول إلى البحر المتوسط. ثانياً، تنظيم وتجهيز “داعش” وجماعة “مغاوير الثورة” المسلحة بهدف مواجهة الجيش السوري والقوات المتحالفة معه.
وأشارت إلى أن الوجود العسكري الأميركي في منطقة شرق الفرات ودعمهم أكراد سوريا أدى إلى أن تبقى هذه المنطقة خارجة عن السيطرة المباشرة للحكومة السورية. إضافة إلى سقف مطالبات الأكراد وفقد الأكراد الدافع للوصول إلى اتفاق مع الحكومة السورية. وأيضاً، بحسب الوثائق، فإ ن أكراد سوريا قاموا بتأسيس تشكُلات سياسية وبسطوا سيطرتهم حتى على مدن وقرى عربية في هذه المنطقة، في الوقت الذي يستمر الأميركيون في “سرقة نفط المنطقة ويمنعون دخول النفط والحبوب التي يتم إنتاجها في هذه المنطقة إلى المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة السورية”، بحسب الوثائق.
الأوضاع الاقتصادية في سوريا
أكدت الوثائق أن الاقتصاد السوري يواجه تحديات كثيرة مثل هبوط قيمة الليرة السورية أمام الدولار، وذلك بسبب تشديد العقوبات الأوروبية والأميركية، بخاصة عقوبات قانون القيصر التي تم إقرارها في 2019. وتشير التقديرات الدولية إلى أن سوريا بحاجة لنحو 500 مليار دولار لإعادة الإعمار وإحياء البنى التحتية.
وقالت، إن الشعب السوري يعاني من أزمة القمح وبالتالي الخبز والنقص الحاد للوقود مما سبب استياء شعبياً. وإن الظروف الصعبة تجعل النشاط الاقتصادي في سوريا صعباً للغاية. كما أن الأزمة المالية اللبنانية وسقوط قيمة الليرة التركية كانا لهما آثار سلبية وملموسة على الاقتصاد السوري لأن المواطنين السوريين لديهم نشاط اقتصادي كبير في لبنان وتركيا ويدخرون قسماً من أموالهم في مصارف لبنان وتركيا.
وأشارت إلى أن إيران قامت بتزويد سوريا بخطوط إمداد عديدة تشمل السلع والنفط وتعمل على توقيع عدد من الاتفاقيات والصفقات مع سوريا كغطاء لتسديد جزء من ديون سوريا إذ إن بعض هذه الصفقات والاتفاقات بلغت مرحلتها النهائية وعدداً آخر لم يبلغ المرحلة النهائية بعد.
استرداد جزء من ديون إيران
وتشير الوثائق في إحدى الفقرات المعنونة بـ”عدم التنسيق الداخلي في أرضية اتخاذ السياسات الاقتصادية الموحدة للتعامل مع الحكومة السورية”، إلى وجود 14 منظمة ومؤسسة اقتصادية إيرانية تنشط في سوريا، وأن التنسيق في ما بينها هو أحد أهم البرامج للتعامل مع الوزارات والمنظمات السورية.
ووفقاً للوثائق، يجب على السفارة والسفير الإيراني لدى سوريا التركيز على هذا الموضوع كمحور أساسي وفقاً لقرار الرئيس الإيراني، ويجب إعلان ذلك من قبل الرئيس لجميع المؤسسات.
وذكرت أن إيران سارعت لمساعدة النظام السوري من خلال إرسال مليوني برميل نفط شهرياً خلال السنوات الـ10 الماضية، وارتفعت هذه الكمية إلى ثلاثة ملايين برميل شهرياً مع إقرار الملجس الأعلى للأمن القومي.
وبحسب الملف المسرب، فإنه وفقاً لوثيقة تحديد الديون، “من الضروري أن نطلب من سوريا استرداد جزء من ديون إيران”.
وتشير الوثائق المسربة إلى أن “استرداد الديون الإيرانية المترتبة على النظام السوري أمر صعب نظراً للظروف الاقتصادية السورية، وغير ممكن فعلياً في ظل الظروف الحالية”.
وأضافت أن الخط الائتماني الأول المقدر بمليار دولار، الذي تم دفعه بحسب قرارات المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، لم يتم سداده من قبل النظام السوري حتى الآن.
إضافة إلى ذلك، أكدت الوثائق دفع نحو 270 مليون دولار بهدف تنفيذ الخط الائتماني الثاني المقدر أيضاً بمليار دولار، وأن السبب الرئيس لعدم تكملة تحويل ما تبقى من قيمة الخط الثاني هو نقص السيولة في البنك المركزي الإيراني.
الإيرانيون في سوريا
تقول الوثائق “يقيم نحو 8 إلى 10 آلاف مواطن إيراني في سوريا ويعود تاريخ إقامتهم في سوريا إلى 200 سنة، وتسكن هذه الفئة من الإيرانيين بشكل رئيس في مدينة دمشق وأن الأجيال الثانية والثالثة من مواليد سوريا، ويتمتع قلة منهم بظروف معيشية جيدة بسبب حصولهم على شهادات جامعية عليا، ولكن البقية لا يتمتعون بظروف مالية مناسبة ومنهم النساء الإيرانيات المعيلات لأسرهن واللاتي يواجهن تحديات معيشية عديدة على المستوى الصحي والعلاج والخدمات التعليمية لأبنائهن”.
وأشارت إلى المشاكل والتحديات الرئيسة للإيرانيين المقيمين في سوريا، منها، عدم تكميل وثائق الهوية للإيرانيين المقيمين سوريا.
وتحدثت عن البطالة وعدم إمكانية العمل، حتى للفئة المحدودة من الإيرانيين الذين درسوا في فروع الطب وخدمات الإسعاف، مما أدى فقدان الإيرانيين الدافع للعمل.
وأشارت إلى الكلفة الباهظة للخدمات الصحية وعدم قبول الإيرانيين في المستشفيات الحكومية. وقالت، إن كلفة الحصول على الأدوية والخدمات العلاجية في سوريا باهظة (بناء على القوانين السورية، فإنه يتم التعامل مع الإيرانيين كرعايا أجانب شأنهم شأن سائر الرعايا الأجانب)، ويجب أن يدفع الإيرانيون بالدولار. إضافة إلى غياب خدمات التأمين الصحي وتبعاته السلبية على حياة الإيرانيين.
ومن التحديات أيضاً، عدم إعطاء البطاقة الذكية الخاصة بالوقود والخبز وغيره للإيرانيين وأزمة السكن. وأيضاً، غياب القدرة المالية على دفع تكاليف الخدمات القنصلية بخاصة الحصول على جواز السفر. وعدم إمكانية قبول الإيرانيين في الجامعات الحكومية (غير العدد المحدود المقرر في اتفاقية المنحة الدراسية).
محاور مقترحة إيرانياً
تطرق هذا المحور إلى الإشارة للروابط المتينة بين البلدين وأهميتها بالنسبة لإيران، ويؤكد على تقوية العلاقات الثقافية والسياسية من خلال توسيع العلاقات الاقتصادية ورفع معدلات التبادل التجاري وحل المشكلات والعقبات التي تواجه “رعايا الدول”.
وأشار إلى وجود إرادة قوية لدى إيران لدعم ومتابعة القضايا التي تخص رعاياها في بقية الدول، مؤكداً ضرورة حل المسائل المعيشية والعلاجية والتعليمية لهؤلاء الإيرانيين المقيمين في سوريا لمدة طويلة.
وأكدت الوثائق استعداد إيران للتعاون مع المؤسسات السورية في المجال الطبي والسياحي والاستفادة من الرعايا السوريين من التخصصات الطبية والتجهيزات الطبية الإيرانية.
وأعلنت استعداد الهلال الأحمر الإيراني لتأسيس مركز علاجي بهدف معالجة مشكلات هؤلاء الإيرانيين وتوظيف الأطباء الإيرانيين المقيمين في سوريا فيه.
واعتبرت الوثائق أن صدور التعميم رقم 1437 من قبل وزارة العمل والشؤون الاجتماعية بهدف إعفاء الرعايا الإيرانيين من رسوم تصريح العمل بمثابة إجراء قيم في العلاقات الأخوية والصداقة المتبادلة بين البلدين، ويتوقع منه أن يشمل تنفيذه الرعايا الإيرانيين بشكل جدي وشامل.
“حماس” اكتفت بالتفرج
في شأن الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، قالت الوثائق، إن الأراضي الفلسطينية وقطاع غزة تحولت إلى ساحة للحرب بلغت ذروتها في حرب الأيام الثلاثة في غزة وما يسمى “وحدة الساحات” في أغسطس (آب) 2022 وذلك على خلفية اعتقال قيادي في “الجهاد الإسلامي” في الضفة الغربية مما أدى إلى مقتل 49 فل سطينياً وإصابة 360 آخرين. بناء على الإعلام الإسرائيلي وما روج له فإن حركة “الجهاد الإسلامي” دخلت هذه المعركة بمفردها وامتنعت “حماس” من خلال سياسة براغماتية وحذرة عن الدخول في الصراع واكتفت بالتفرج فقط.
خلافة عباس
وأشارت الوثائق إلى أن قضية خلافة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، الذي قالت إنه يعاني من الشيخوخة والحالة الصحية غير الجيدة، من النقاشات الجارية في الأراضي الفلسطينية. وقالت إن عباس يتولى الرئاسة الفلسطينية ورئاسة منظمة التحرير الفلسطينية ورئاسة حركة “فتح” في الوقت نفسه، لذا هناك قلق وتساؤل بين الداعمين له في الداخل والخارج بين تيار التسوية الفلسطينية بأنه ماذا سيحصل في غيابه ومن سيحل محله؟ وأشارت إلى أن طرح أسماء أربعة مرشحين لخلافته وهم: حسين الشيخ أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وماجد فرح رئيس جهاز المخابرات العامة الفلسطينية ومروان البرغوثي (من حركة فتح ومدان بالسجن المؤبد في سجن إسرائيلي) ومحمد دحلان (من مسؤولي فتح السابقين).
الانتخابات الإسرائيلية
وأضافت، أن الانتخابات العامة الخامسة في إسرائيل جرت في أقل من 4 سنوات في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2022 وحازت فيها الأحزاب اليمينية القومية والدينية بزعامة بنيامين نتنياهو 64 مقعداً من أصل 120 مقعداً وبالتالي تمكنوا من الحصول على أغلبية المقاعد.
وقالت، إن آخر التوقعات أشارت أن نتنياهو يتجه إلى تشكيل حكومة جديدة بمشاركة حلفائه من حركة شاس والصهيونية الدينية، والتي في حال تشكيلها تعتبر أكثر حكومة يمينية في تاريخ الدولة العبرية وأكثرها خطورة. واعتبرت الوثائق أن البرنامج الأهم على جدول أعمال هذه الحكومة القادمة هو زيادة الضغوط وقمع الفلسطينيين وزيادة سياساتها التوسعية في الضفة الغربية ومدينة القدس داخلياً وتوسيع نطاق عمليات إقامة العلاقات مع الدول الإسلامية والتصعيد ضد إيران، بخاصة في الملف النووي خارجياً.
يذكر أن نتنياهو أدى اليمين الدستورية كرئيس للوزراء في إسرائيل في ديسمبر 2022 بعدما منح البرلمان ثقته للحكومة الجديدة التي ينظر إليها على أنها الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل.
وتخوض إسرائيل حالياً حرباً في قطاع غزة ردّاً على هجوم حركة “حماس” على إسرائيل في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
(الوكالات)