يُحيي السوريون، في 21 أغسطس/آب، الذكرى العاشرة للمجزرة التي راح ضحيتها المئات من أبناء الغوطة الشرقية
بدمشق في عام 2013.
كيف بدأت القصة؟
في 21 أغسطس/آب 2013، سقطت عشرات الصواريخ المحملة بغاز الأعصاب السارين على معقل المعارضة افي الغوطة الشرقية.
وأكد ناشطون إنه في الساعة الثالثة إلا ربعاً من فجر ذلك اليوم استخدمت القوات الحكومية الصواريخ المحملة بمواد كيمياوية في قصف ضواحي عين ترما وزملكا وجوبر ومعضمية الشام وإن المئات سقطوا قتلى.
كما أكدت بعثة الأمم المتحدة في سوريا لاحقاً على أنه بالفعل تم استخدام غاز السارين.
وقالت الدول الغربية إن النظام السوري هو الوحيد القادر على تنفيذ مثل هذا الهجوم.
لكن وكالة الأنباء الرسمية السورية “سانا” أصرت على نفي مسؤولية الحكومة السورية عن الهجوم، مشددة على إن “جيش الإسلام” المنضوي في صفوف المعارضة السورية المسلحة والذي كان يسيطر على دوما حينذاك، في حالة انهيار، لذلك “تروج أجهزته الإعلامية اتهامات مفبركة، في محاولة واضحة وفاشلة للحيلولة دون تقدم الجيش العربي السوري”.
القصف الأعنف
بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان المعارض “بدأ الجيش السوري تصعيدا عسكريا واسعا في منطقتي الغوطة الشرقية والغوطة الغربية في ريف دمشق في ساعات الصباح الأولى من 21 أغسطس/آب، استخدم فيه الطيران وراجمات الصواريخ ما أوقع عشرات القتلى والجرحى”.
وقال المرصد إن ” هذا القصف الذي تعرضت له البلدة، هو الأعنف منذ بدء الحملات العسكرية للقوات الحكومية في المنطقة قبل أشهر طويلة”.
ونقلت وكالة رويترز عن نشطاء قولهم إن ” القوات الحكومية استخدمت الصواريخ التي تحمل مواد كيمياوية لقصف ضواحي عين ترما وزملكا وجوبر وأن القتلى بالمئات”.
ونفت الحكومة السورية تلك الأنباء واعتبرتها محاولة لتشتيت انتباه فريق مفتشي الأمم المتحدة الذي كان في زيارة إلى سوريا وقتذاك.
وكان الهجوم بال اسلحة الكيمياوية على الغوطة الشرقية هو الأسوأ على الإطلاق منذ مجزرة مدينة حلبجة بإقليم كردستان العراق عام 1988.
مطالبات بالتحقيق في الهجوم
عربت القوى الغربية الكبرى عن قلقها إزاء ما كان يحدث في سوريا، وأعلنت بريطانيا أنها ستقدم تقريراً عن شن القوات السورية هجوماً بأسلحة كيميائية إلى مجلس الأمن وطالبت دمشق بالسماح لمفتشي الأمم المتحدة بالوصول إلى مكان الهجوم.
سمحت الحكومة السورية لمفتشي الأمم المتحدة بالدخول إلى بعض المواقع بعد أن كانت ترفض ذلك لبعض الوقت.
لكن بعد أقل من ساعتين، أصدرت الحكومة السورية أمراً بعودة المفتشين. لم يتمكن المفتشون حينها من الوصول إلى المواقع الستة الرئيسية.
لكن الهجمات لم تتوقف عند ذلك الحد، بل تكرر الهجوم بالغازات السامة على مناطق سيطرة المعارضة خلال السنوات اللاحقة.
وتمكنت بي بي سي من العثور على أدلة كافية على وقوع ما لا يقل عن 106 هجمات بالأسلحة الكيمياوية في سوريا منذ سبتمبر/أيلول عام 2013، العام الذي وافقت فيه حكومة بشار الأسد على تدمير مخزون بلادها من الأسلحة الكيمياوية.
وكانت الحكومة السورية قد صادقت على اتفاقية “حظر الأسلحة الكيمياوية” بعد شهر من هجوم الغوطة الدامي، وجرى التخلص من مخزونها من هذه الأسلحة ومن بينها غاز الأعصاب “سارين”.
وقالت الدول الغربية إن هذا الهجوم لا يمكن أن ينفذه أي طرف غير الحكومة السورية.
وقد هددت الولايات المتحدة الحكومة السورية بشن هجوم عسكري رداً على ذلك، لكنها تراجعت عن قرارها بعد أن أقنعتها روسيا، حليفة الأسد الرئيسية، بتدمير الترسانة الكيمياوية السورية.
ورغم إعلان منظمة حظر الأسلحة الكيمياوية (UNPCW) والأمم المتحدة عن تدمير 1300 طن من الاسلحة الكيمياوية التي كانت بحوزة سوريا، إلا أن الهجمات بتلك الأسلحة استمرت في البلاد.
وقال أحد أبناء مدينة حلب، الذي عاش في منطقة كانت خاضعة للمعارضة قبل أن تستعيدها القوات الحكومية في عام 2016: “كانت الهجمات الكيمياوية مرعبة، وكان انفجار البراميل أو الصواريخ يودي بحياة الناس على الفور دون أن يشعروا بكثير من الألم، لكن المواد الكيمياوية تخنق وتقتل ببطء، مثل غرق شخص ما يُقطع عنه الأكسجين رويداً رويداً، إنه أمر فظيع”.
ظل الأسد يصر على نفي استخدام قواته للأسلحة الكيمياوية قائلا:” ليست لدينا ترسانة كيميائية منذ أن تخلينا عنها في عام 2013” وأضاف: “لقد أجرت منظمة حظر الأسلحة الكيمياوية تحقيقات حول هذا الأمر، وكان واضحاً أننا لم نعُد نملكها”. تقارير بي بي سي
يحظر القانون الإنساني الدولي استخدام الأسلحة الكيمياوية بغض النظر عن هدفها عسكري، لأن آثار هذه الأسلحة تنتشر على نطاق واسع بشكل عشوائي، وتُحدث أضراراً وإصابات جمة ومعاناة لجميع الكائنات الحية بلا مبرر.
ومنذ عام 2014 ، قامت بعثة تقصي الحقائق التابعة لمنظمة حظر الأسلحة الكيمياوية في سوريا - وهي آلية التحقيق المشتركة بين منظمة الأسلحة والأمم المتحدة (JIM) - بالتحقيق في مزاعم استخدام الحكومة السورية للمواد الكيمياوية السامة لأغراض عسكرية في سوريا.
وقد حددوا 37 واقعة تم فيها استخدام المواد الكيمياوية كأسلحة في الفترة ما بين سبتمبر/ أيلول 2013 وأبريل/ نيسان 2018 .
وخلصت لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة لمجلس حقوق الإنسان (UNI) بشأن سوريا وغيرها من الهيئات التابعة للأمم المتحدة إلى وجود أسباب منطقية للاعتقاد بأن الأسلحة الكيمياوية قد استُخدمت في 18 حالة أخرى.
وراجعت بي بي سي 164 تقريرا عن هجمات كيمياوية، قيل أنها وقعت منذ أن وقّعت سوريا على اتفاقية “حظر الأسلحة الكيمياوية”.
وتوصل فريق بي بي سي إلى أدلة موثوقة تؤكد استخدام الأسلحة الكيمياوية في 106 حالات.
رغم أن عددا قليلاً فقط من هذه الهجمات تصدَر عناوين الصحف، إلا أن البيانات تُشير إلى وجود نمط من الاستخدام المتكرر والمستمر للأسلحة الكيمياوية.
وقال جوليان تانغيري، الرئيس السابق لبعثة منظمة حظر الأسلحة الكيمياوية إلى سوريا: “إن استخدام الأسلحة الكيمياوية قد أعطى بعض النتائج للقوات التي رأت أنها تستحق المخاطرة، وبعد أن نجحت الحكومة السورية في تحقيق النتائج المرجوة، استمرت في استخدامها”.
ووصفت كارين بيرس، الممثلة الدائمة (حينذاك) للمملكة المتحدة لدى الأمم المتحدة في نيويورك، استخدام الأسلحة الكيمياوية في سوريا بأنه “عمل دنيء” وأضافت: “ليس فقط بسبب آثارها المروعة فحسب، بل ولأن هذا السلاح محظور منذ ما يقارب الـ 100 عام أيضا”.
ذكر تقرير JIM ( آلية التحقيق المشتركة) أن غاز السارين الذي تم تحديده في العينات المأخوذة من خان شيخون، من المرجح أنه صنع من مواد كيميائية كانت ضمن مخزون سوريا الأصلي. وهذا يعني أن الحكومة السورية لم تتخلص من كل مخزونها من المواد والاسلحة الكيمياوية كما زعمت.
واتهمت الحكومة السورية وروسيا مقاتلي المعارضة باستخدام تلك الأسلحة في عدة مناسبات وأبلغتا المنظمة بذلك، فحققت في روايتهما.
لكن فصائل المعارضة نفت استخدامها.
وتشير الأدلة المتوفرة، بما في ذلك الأشرطة المصورة والصور الفوتوغرافية وشهادات شهو د العيان، إلى أن ما لا يقل عن 51 من الهجمات الـ 106 التي تم الإبلاغ عنها جرت بواسطة الطيران مما يؤكد مسؤولية الحكومة السورية عنها.
كما قام توبياس شنايدر من المعهد العالمي للسياسات العامة إلى جانب منظمة حظر الاسلحة الكيمياوية بالتحقيق فيما إذا كان بوسع المعارضة المسلحة شن هجمات كيمياوية جوية، لكنهم لم يجدوا أي دليل على قدرتها على شن هجمات جوية في الحالات التي حققت فيها.
وقال شنايدر: “إن نظام الأسد هو الطرف الوحيد الذي يستخدم الأسلحة الكيمياوية في هجمات جوية”.
ويُعتقد أن الكلور استخدم في 79 من أصل 106 من الهجمات التي أبلغ عنها، وفقا لبيانات بي بي سي. وقالت منظمة حظر الأسلحة الكيمياوية والهيئة المشتركة الدولية (JIM) أن هناك احتمالاً في استخدام الكلور كسلاح في 15 حالة من الحالات التي حققت فيها.
ويقول الخبراء إنه من الصعب جداً إثبات استخدام الكلور في هجوم ما، لأنه يتبخر ويتلاشى سريعاً.
وقال تنغاري المفتش السابق للمنظمة: “إذا ذهبت إلى موقع تعرض لهجوم ما بالكلور، يكاد يكون من المستحيل العثور على أدلة مادية من البيئة، ما لم تكن هناك خلال فترة زمنية قصيرة للغاية”.
“وبهذا المعنى، فإن استخدامه لا يترك أي أثر، وحدث هذا عدة مرات”.
وسألت بي بي سي المفتش السابق للمنظمة جوليان تانغيري ما إذا كان المجتمع الدولي قد خذل الشعب السوري فأجاب: “نعم، أعتقد ذلك”.
وأضاف: “بالنسبة لنظام الأسد، كان صراعا من أجل البقاء، ولم يكن هناك أي مجال لخط الرجعة كما تعلمون، لكن الأساليب التي أُستخدمها كانت مريعة”.
وتعتقد كارين بيرس، أن الأسد لن ينفد بجلده من كل هذا. وقالت “هناك أدلة يتم جمعها، وفي يوم ما ستكون هناك عدالة. سنبذل قصارى جهدنا لمحاولة تحقيق ذلك”.
(بي بي سي)