"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث

وإذا كان المال يجلب فعلًا السعادة!

كريستين نمر
الأربعاء، 2 أغسطس 2023

وإذا كان المال يجلب فعلًا السعادة!

انتهت بعض الدراسات إلى أنه بعد الفوز في اليانصيب، قد لا يصبح الإنسان أكثر سعادة أليس في الأمر الكثير من المبالغة؟

فلاح مكفي سلطان مخفي، المال لا يصنع السعادة، أصل الصحّة، الأخلاق هي الأساس… تبدو هذه الأمثال كأنها تهدف إلى تعزية آذان الأشخاص الفقراء وجميع من يعيشون في ظروف صعبة أو غير مستقرّة، فعلى الرغم من النقص في مواردهم المالية، يُعتقد أن بإمكانهم أن يستمتعوا ويحقّقوا سعادة بطريقة قد “يُحسدوا” عليها من قبل أصحاب الثروات الكبيرة.

حتى علم النفس الإيجابي ذاته دخل في هذا التأكيد حيث اعتبر أنه بمجرد تلبية الاحتياجات الأساسية من غذاء وسكن ورعاية صحية، فإن الزيادة في الدخل قد لا تساهم في الشعور بالرضا بشكل كبير.

قد يكون من المبالغة الاعتقاد بأن الثراء، مع كل المزايا الذي يوفرّها، لا يمكنه تأمين الاكتفاء، ومع ذلك، فإن بيانات وضعت مياهًا في طاحونة مؤيدي هذا الرأي، إذ نشر البروفسور فيليب بريكمان في العام ١٩٧٨مقالًا لقي شهرة كبيرة حينها، عندما قارن فيه، بين الفائزين الكبار في اليانصيب والأشخاص الذين تعرّضوا لحوادث، فوجد أن المستفيدين من الفوز الكبير في اليانصيب لا تلبث سعادتهم بأنّ تتبدّد بمجرد تلاشي الحماسة الناجمة عن الحدث، وقال: “يبدو أن هؤلاء المليونيريّة الجدد يفقدون القدرة على التمتّع بالحياة اليومية الصغيرة، على عكس الأشخاص المصابين بشلل بعد حادث ما مثلًا، بحيث يعتبرون أن مائة تذكرة “لوتو” فائزة قد لا تعوّض فقدانهم القدرة على المشي”.

وواجهت دراسة بريكمان انتقادات عدّة أهمها الإشارة إلى أنها استندت إلى عدد قليل جدًا من المشاركين، (أقل من ثلاثين في كل مجموعة)، وهو ليس كافيًا للوصول إلى استنتاج صحيح وقابل للتعميم.

وتوالت الدراسات حول هذا الموضوع فكان أهمها دراسة أجراها كلٌ من بينيديكت أبوي وأندرو كلارك، كشفت أن الفائزين الكبار في ألعاب الحظ، يشهدون تناقصًا في مستوى التوتر وزيادة في المشاعر الإيجابية خلال السنتين اللتين تليا الفوز، قد يُترجم بزيادة في الرفاهية الشخصية، وهذا ما عادت وأكدته أطروحة الدكتوراه لعالمة الاجتماع آنا هيدينوس بعد أن راقبت ٤٠٠ فائز سويدي في العام ٢٠١١، وخلصت إلى أنّ الفوز بالجائزة الكبرى لديه كل الفرص لجعل المرء أكثر سعادة بشكل دائم”، مما شكّل ضربة لأسطورة المليونيريّة الجدد الذين يشعرون بالتعاسة، والذين ينبغي أن نشفق عليهم بدلاً من أن نحسدهم.

هذا عن الربح، لكن… ماذا عن تأثير الدخل الذي نكتسبه بجهودنا الشخصية؟

قدّم علم النفس الإيجابي العديد من الأبحاث التي تعتمد على إحصاءات قوية، استندت على عيّنات سكّانية جرى مسحها بالكامل على المستويين الإقليمي والوطني، حيث لاحظوا أن الأشخاص الذين كانت مداخيلهم أعلى، لم يشعروا بزيادة في السعادة اليومية، إلا أنهم سجّلوا مقدارًا أقل من الحزن.

وقالت الدراسة إنّ السعادة قد تزداد مع الدخل، ولكن ليس بشكل عمودي، واعتبرت أنه “من الناحية الاقتصادية، يقال إن معدّلها التحفيزي ينخفض، وهذا يعني أنها تزداد بمعدل أبطأ كلما زاد الدخل، فالرفاهية قد تشهد نموًا ولكن بوتيرة أبطأ، أو بمعنى آخر، إنّ المال قد يُسهم في السعادة، ولكن ليس بقدر ما يعتقد البعض.

هل للأمر علاقة في فهم الآلية التي يؤثر بها زيادة الدخل على الرفاهية الشخصية؟

في العام ٢٠٢١ توصّل فريق البروفيسور جون ياكيموفيتش إلى التمييز بين تكرار السعادة وبين شدتها، فاعتبر “أن الراحة المالية قد تنتج لحظات من الرضا تساهم في الشعور بالسعادة، لكن تأثيرها قد يكون مختلفًا عن لحظات الحماس القوية والنادرة.

وقام الباحثون بتأكيد فرضيتهم هذه من خلال ثلاث دراسات استخدمت المنهجية المتنوّعة، في الدراسة الأولى، التي شملت حوالى٤٠٠ مشارك، طُلب منهم أن يصفوا سعادتهم في فترات من اليوم على مدى شهر كامل.

وقاطع الباحثون في الدراسة الثانية، بيانات عينيّة ل ١٥٠٠ شخص قدّموا إجابات على استبيانات، في حين، طُلب في الأخيرة، من أكثر من ١٣ ألف شخص استخدام طريقة إعادة بناء يومياتهم من خلال مراجعة أحداث اليوم وإعداد تقارير حولها، ليتبيّن أنّ كل فرد يمضي وقت فراغه حسب دخله، أي أنّ ما يميّز الأغنياء عن ذوي الدخل المتواضع هو طبيعة وقت فراغهم، فالأغنياء مثلًا، يشاركون بشكل أكثر تكرارًا في أنشطة الترفيه، كالسفر، الذهاب إلى المسرح والسينما، المشاركة في دورات تدريبية مستمرة، العزف على آلة موسيقية، ركوب الخيل وغيرها من النشاطات المكلفة… بينما تنحصر نشاطات ذوي الدخل المتواضع في أنشطة الترفيه السلبية، كمشاهدة التلفزيون، تصفّح الإنترنت و… الراحة

واعتبروا أنه إذا كانت “أنشطة الأغنياء” قد تصاحبها أيضًا مشاعر إيجابية وأحيانًا قوية، إلا أنها تحدث بشكل أقل تكرارًا، نظرًا لظاهرة تُعرف بـ “التكيّف اللذيذ”، فالدماغ، الذي هو “بطل التكيّف”، يعتاد على الأحداث السارة التي يصعب عليها جعل المرء أكثر سعادة، بنفس الطريقة التي يعتاد فيها على الأصوات أو الروائح المحيطة به، حيث يصل إلى عدم الانتباه إليها.

قد يكون صحيحًا أن “المال لا يجلب السعادة، ولكنه قد يسمح لنا أن نعيش تعاستنا برفاهية” كما تقول أحلام مستغانمي، أي بمعنى آخر قد يساعد المرء على التعامل مع الظروف السلبية، كدفع فواتير المستشفى والكهرباء والماء والتصليحات المنزلية والأقساط المدرسية بقلق أقل.

المقال السابق
عشر نصائح تساعدك على النوم خلال موجات الحرارة
كريستين نمر

كريستين نمر

محرّرة وكاتبة

مقالات ذات صلة

"مفترس في هارودز" وثائقي يتهم محمد الفايد باغتصاب موظفات وابتزازهن

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية