تجهيل هوية المجموعة التي أطلقت الصواريخ، قبل مدة على المطلة وكريات شمونة في شمال إسرائيل، سوف ينسحب، بطبيعة الحال، على هوية المجموعة التي أحرقت عددًا من اللوحات الإعلانية التي استعاضت عن شعارات “حزب الله” ورموزه بأخرى تبشر بقيام الدولة في لبنان، وذلك على طريق مطار رفيق الحريري الدولي.
وسبب التجهيل معروف، وهو انتماء هذه المجموعات إلى “حزب الله” الذي تبرّأ منها سياسيًا ولكنه غير قادر على التبرؤ منها جنائيًا، نظرا لارتباطها بتيار في الحزب، لا يزال يرفض التوجهات الجديدة التي أملاها اتفاق وقف إطلاق النار “غير المتكافئ” وإعادة تأسيس السلطة التنفيذية وفق قواعد لم تكن ممكنة قبل الهزيمة التي انتهت اليها حرب “المساندة والمؤازرة”.
وعلى الرغم من الأضرار المادية والمعنوية التي يمكن ان يتسبب بها هذا التيار، إلّا أنّه لا يشكل خطورة حقيقية على المسار الجديد في البلاد، نظرًا لرفع الغطاء السياسي والديني والشعبي عنه، اذ إنّ أعتى المستائين من المعادلات الجديدة، محليًا وإقليميًا ودوليًا، يدرجون هذه السلوكيات في خانة “التهور” و”الارتجال” و”الانفعال”، على اعتبار ان فوائدها معدومة وأضرارها ضخمة.
ويبدو واضحا انّ السلطة اللبنانية، وبتنسيق مع “حزب الله”، توافق على إبقاء هوية هذه المجموعات طي الكتمان، حتى لا تسبب له الإحراج، في مقابل أن يعمل هو على معالجة الخلل الحاصل في أمساكه بالأرض.
المشكلة التي تعاني منها السلطة حيال هذا “التواطؤ” تكمن في أنّ البعض في الداخل والخارج، يرفض أن يصدق مقولة الخلل التنظيمي في الحزب، ويتعاطون معه على قاعدة أنّه توزيع أدوار، تماما كما هو حاصل على المستوى السياسي، بحيث تتضارب المواقف بين “منبريّيه”، فمواقف النواب مثلًا تأتي مختلفة، بأكثريتها، عن مواقف القياديين فيه، بحيث يهدئ البرلمانيون في مقابل تصعيد القياديين.
في الواقع، هذه حالة غير مسبوقة في تلقي رسائل “حزب الله” المنبرية. اذ كان سابقًا ينسق كل كلمة تصدر عن المحسوبين عليه، ويترك أمر “الم ناورات” لأشخاص مستقلين عنه، ولو كانوا يعملون، لقاء بدل، في جهازه الدعائي الضخم.
وتعطي هذه المجموعات، بغض النظر عن انفصالها او ارتباطها بالحزب، صورة “ركيكة” عن السلطة الجديدة، الأمر الذي تستغله إسرائيل لتبقي احتلالها للمواقع الاستراتيجية في جنوب لبنان، ولمواصلة نشاطها العسكري على امتداد لبنان، انطلاقا من مقولة مستمرة، منذ دخول اتفاق وقف إطلاق النار، حيّز التنفيذ في ٢٧ تشرين الثاني الماضي، بأنّ الجيش اللبناني، على الرغم من مساعيه الجدية لتنفيذ تعهدات لبنان، الّا أنه أضعف من ان يفرض معادلاته، وفق ما هو مطلوب، على “حزب الله”.
وفي الحوار الذي بدأه رئيس الجمهورية العماد جوزف عون، عبر قنوات عسكرية لبنانية، مع “حزب الله” يضع هذا الواقع على جدول الأعمال، لافتًا إلى أنّ عدم الانضباط الذي يفسره البعض مناورة سوف يمنع الوصول إلى المبتغى، أي إلزام إسرائيل بتنفيذ ما هو متصل بها من موجبات في القرار ١٧٠١، كما سوف يحول دون وصول الأموال الضرورية لإعادة إعمار ما هدمته الحرب، في ظل فقر حال الدولة.
وتشتبه الدوائر الغربية المعنية بتنفيذ القرار ١٧٠١، بأنّ هناك مجموعات في “حزب الله” تعمل على تخبئة السلاح، بحيث يصعب على الجيش اللبناني الوصول اليه، الأمر الذي تستغله إسرائيل لتحريض الو لايات المتحدة الأميركية ضد السلطة اللبنانية.
وسوف تحفل الأيام المقبلة، بالكشف عن ملفات كثيرة، تحمل طابع الخطورة، مرتبطة بحزب الله، وتستدعي معالجة سريعة.
واثارة هذه الملفات قد تؤدي في حال عدم وضع حد لما يسمى النقص في الانضباط، إلى مزيد من التمرد، الأمر الذي سيؤخر أكثر فأكثر معالجة تداعيات الحرب على لبنان عموما والبيئة الشيعية خصوصا.