“إنّ مجاملة لطيفة أتلقاها قد تبث الحياة فيّ لشهرين متتاليَيْن”، هذه العبارة، المنسوبة إلى الكاتب والصحفي الأمريكي مارك توين، قد تلخّص أهمية الثناء للمرء مهما علا شأنه.
وقد أجمع علماء النفس على أنّ الثناء ليكون مؤثّرًا يجب أن يكون صادقًا وخاليًا من أي مصلحة، إذ يفقد قيمته بمجرّد أن يشعر المثنى عليه بأنه يحمل في طيّاته دوافع خفيّة أو يندرج ضمن خطة استراتيجية أو يقال بطريقة ساخرة.
وعلى الرغم مما يمثّله من شعور بالامتنان، فإنّ ثمّة تحفّظ من قبل الأشخاص على إبداء الإعجاب ببعضهم البعض، فالثناء الذي هو ركن أساسي في حماية العلاقات الاجتماعية وتنظيم العواطف، يساهم أيضًا في تعزيز سلوك الإنسان وتطوّره، فالأم مثلًا قد تستسيغ ثناء أولادها على لذاذة طبق أعدته لهم، فيتحوّل إلى حافز لها لمضاعفة جهودها، بالمقابل فقد تتساءل عن جدوى استمرارها بالطهي إذا لم يلاحظ أحد ما قامت به.
لكن لماذا هذا التحفّظ؟
أثبتت الأبحاث في هذا المجال أنّ المرء غالبًا ما يكون ميالًا إلى تصديق الانتقادات، وأنّ أقليّة قد تأخذ الثناء على محمل الجدّ، إذ تحاول تعليله وتفسيره والتفكير بأبعاده، وعزا الباحثون ذلك إلى الطبيعة البشرية المبرمجة على الاعتقاد بالسلبيات أكثر من الإيجابيات، كونها مفطورة على الإفراط في الوعي تحسّبًا لأي طا رئ قد يهدّدها بالخطر.
هذا علاوة على أنّ الإعجاب “فنٌ”، لذا، فقد يتعذّر على البعض اتقانه لأسباب قد يكون لها علاقة بتربيتهم ونشأتهم وتركيبة شخصيتهم، فالشخص الخجول أو الغيور أو المنغلق على نفسه أو الذي لديه احترام متدنٍ لذاته، قد يفضّل عدم البوح بما يساوره من مشاعر تجاه الآخرين، خوفًا من أن يساء فهمه، كما قد يكون بداعي التعالي أو بسبب بعض الآراء والمعتقدات الخاطئة.
التمسّك بالحقائق
في دراسة قامت بها صوفي موران الاختصاصية في علم نفس العمل ومؤلفة كتاب “الإعجاب هو أساس الاعتراف وعامل حماية في العلاقات”، على عدد من الأشخاص من شرائح اجتماعية وثقافية وعمرية مختلفة، لاحظت أنّه عندما طلبت من المشاركين بأن “يقوموا بما يسعد الآخرين”، رأت أنّ لديهم سهولة أكبر في التعبير عن إعجابهم، في المقابل لم تجد أي تجاوب من قبل أولئك الذين طلبت منهم أن يكونوا “مثاليين”.
كيف ومتى يمكن للمرء تلقى و إبداء إعجابه؟
تلقّى الإعجاب
يقول الطبيب المعالج والاختصاصي في علاج السلوك المعرفي جيروم بالاتزولو: ” من الممكن الاعتياد على تلقي الإعجاب من خلال الاعتماد على المراحل الآتية:
أولً ا: ردم الفجوة الموجودة بين رأي الشخص بنفسه ورأي الآخرين به، إذ أنّ المرء غالبا ما يقلّل من مدى إعجاب الغير به.
ثانيًا: تفادي الأفكار السلبية التي تدفع البعض إلى الاعتقاد بأن الآخرين لا يستمتعون بوقتهم معهم.
إبداء الإعجاب
أولًا: الصدق في التعبير عن المشاعر، فالإنسان يتمتّع بذكاء اجتماعي وعاطفي ومشاعر الاعجاب لا يمكن إخفاؤها وإنما تظهر واضحة بلغة الجسد المعجب وتعابير وجهه.
ثانيًا: عدم القسوة مع الذات: فرغبة المرء في أن يكون محبوبًا تجعله يولي أهمية أكبر لأفعاله وأقواله، فبدل أن يبدى سروره مثلًا لرؤية صديق لم يره منذ فترة طويلة، يحاول التركيز على مظهره وعلى الانطباع الذي سيتركه لديه.
وعليه فإن للثناء قوّة وسحر لا يمكن الاستهانة بهما، ليس فقط بالآخرين بل بذواتنا أيضًا فإبداء الإعجاب بأنفسنا وتهنئتها على تحقيق إنجاز ما يبث فينا طاقة إيجابية وحب وتقدير.