"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث

وعي متأخّر للأهداف الفعلية لـ "اتفاق مار مخايل"!

الرصد
الأربعاء، 21 فبراير 2024

وعي متأخّر للأهداف الفعلية لـ "اتفاق مار مخايل"!

سركيس نعّوم- النهار

المواقف الصريحة والواضحة التي أعلنها رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل قبل يومين لاقت استحسان الكثيرين من أخصامه وخصوصاً في الوسط المسيحي ربما لحاجة الأطراف الفاعلين فيه الى وحدة موقف في مواجهة انفراد “حزب الله” بشنّ حرب “مدوزنة” على إسرائيل تنفيذاً لاستراتيجيا إقليمية واسعة وضعتها من زمان الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وكان الهدف الأساس منها ولا يزال التحوّل الرقم الأصعب الإسلامي في الشرق الأوسط في مقابل الرقم الإسرائيلي الأصعب حتى الآن على الأقل فيها. عنى ذلك في حينه ولا يزال يعني اليوم استعداد إيران المذكورة ميدانياً لفرض نفسها جزءاً من نظام إقليمي جديد في الشرق الأوسط بدلاً من العرب وفي مقدمهم مصر، وقبل نجاح المملكة العربية السعودية في تنفيذ خططها الطموحة داخلياً وإقليمياً وعالمياً التي قد تؤهلها للمنافسة على عضوية النظام المشار إليه. اللافت هنا هو أن أميركا و”الغرب” الذي تقود في العالم لا يمانعان احتلال إيران الموقع الإقليمي المميز المشار إليه أعلاه ومعهما حلفاؤهما في المنطقة رغم العداوات المعروفة.

طبعاً لا يعكس الاستحسان “نسيان” أخصام باسيل في الداخل وخصوصاً المسيحيين منهم المسؤولية التي يتحملها هو ومؤسِّس “تياره” يوم انقلب الأخير على تاريخه السياسي في شباط 2006 وأقام تحالفاً مع “حزب الله” استمر 17 سنة حتى اليوم، وهو يمرّ حالياً في حال “نزاع” التي تسبق الموت عادةً عند البشر على الأقل بساعات وأحياناً بأيام، بل يعكس تحوّل القلق خوفاً من تحوّل “حزب الله” بل “الثنائية الشيعية” صاحبة القرار الأول السياسي والحربي في لبنان مهمشةً بذلك باقي المكوّنات اللبنانية الطائفية والمذهبية. وهو خوفٌ في محلّه بعد إقدام “الحزب” على شنّ حربٍ “مدوزنة” على إسرائيل مساعدةً لحركة “حماس” وأهل غزة بعد الحرب المجنونة وغير الإنسانية التي شنّتها عليها إسرائيل رداً على عملية “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر الماضي. وقد أظهرت الأخيرة أي إسرائيل أنها يمكن أن تُفاجأ وأن لديها نقاط ضعف ظهرت للعالم رغم السلاح المتنوّع المتكدّس لديها والدعم الدولي الواسع لها و”جيشها الذي لا يُقهر” وقوتها النووية الجاهزة للاستعمال عند الحشرة. وهو قلق لا يعيشه مسيحيو لبنان وحدهم بل مجموعات لبنانية أخرى ودول عربية عدّة ودول كبرى ولا سيما بعدما نجحت إيران في جعل “وحدة الساحات” حقيقة قائمة ترجمها حلفاؤها وأولهم “حزب الله” ومعه اليمن الحوثي وعراق “الحشد الشعبي” وغيره. قد يكون أحد الأسباب الأساسية لخوف مسيحيي لبنان ومسلمين كثيرين من أبنائه هو أن إيران الإسلامية تعرف أن مشروعها الإقليمي الواسع الذي ظهرت أولى خطواته الجدّية في 7 أكتوبر الماضي في غزة و8 منه في لبنان ولاحقاً في دول عربية أخرى لا يمكن أن ينجح الآن. فهو يحتاج في رأي مسؤولين إيرانيين وحلفاء عربٍ لهم الى سنوات كثيرة قد يبلغ عددها خمساً وعشرين. لا يعني ذلك أن النظام الإقليمي الجديد في المنطقة لن يقوم قبل هذه المدة الطويلة، علماً بأن ذلك غير مستحيل. بل يعني أن قيامه ومع إيران أساسيةً جداً فيه سيوسّع لها طريق الاستحواذ على نفوذ مهم في العالميْن العربي والإسلامي وربما يمكّنها، كما تأمل، من إيجاد حلٍّ جذري للقضية الفلسطينية. يقضي هذا الحل بقيام دولة واحدة على “أرض فلسطين” يعيش فيها شعب الأخيرة ويهودها الأصليون ويغادرها مع الوقت اليهود الذين استوطنوها ثم احتلوها وأقاموا دولتهم فيها عام 1948 بعدما ألحقوا بالدول العربية غير المهيّأة للحرب هزيمة كبرى تبعتها هزائم أخرى عدّة ونصف نصر بـ”حرب العبور” عام 1973، ونصر كامل عام 2006 كان بطله “حزب الله” الذي منع جيش إسرائيل من احتلال لبنان أو بعضه مرةً جديدة رغم دعم أميركا له بل تشجيعها إياه على الاستمرار في القتال.

كيف استطاعت الجمهورية الإسلامية الإيرانية التحوّل إمبراطورية مقاتلة في الشرق الأوسط؟ الجواب عن هذا السؤال قدّمه في الأسبوع الأول من شهر شباط الجاري باحث أميركي مهم في مركز أبحاث جدّي جداً في واشنطن ومطّلع جداً ومؤيّد جداً لإسرائيل في وقت واحد. وقد جاء في مقدمته “أن الجمهورية المذكورة قامت بتنظيم ودعم ميليشيات يهيمن عليها أعضاء من الطوائف الشيعية في الدول العربية. وقد تمّ ذلك تحت عنوان عريض هو مقاومة إسرائيل. لكن اندلاع الانتفاضات العربية عام 2011 التي أُطلق عليها اسم “الربيع العربي” والاضطرابات التي أعقبتها في سوريا والعراق وخارجهما أفسحا في المجال أمام تشويه سمعة الميليشيات المدعومة من إيران مثل “حزب الله” اللبناني، إذ اتُهمت بقتل إخوانها العرب والمسلمين وذلك في أثناء محاولتها دعم حلفاء طهران وأبرزهم رئيس سوريا بشار الأسد. أدّى ذلك في النهاية الى خلق المساحة الاستراتيجية والديبلوماسية للدول العربية وإسرائيل والولايات المتحدة لتوسيع “اتفاقات كامب ديفيد” من خلال “اتفاقات أبراهام” التي رعاها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب. أدّى ذلك الى إعادة ترتيب المصالح العربية والإسرائيلية ضد محاولة إيران توسيع نفوذها في المنطقة بوسائل عنفية. وهجوم “حماس” على إسرائيل في 7 أكتوبر الماضي دليل على ذلك رغم أن التقارير الأولية أشارت الى تفاجؤ إيران بتوقيت الهجوم وبشدّته، وهي تشير دائماً الى أنها وخصمها الولايات المتحدة لا تريدان حرباً إقليمية أوسع نطاقاً. لكنها أشارت أيضاً الى تصعيد مدروس لنتائج “الطوفان” مارسته إيران ولا تزال”.

المقال السابق
تقرير "صواريخ جبيل-كسروان" الإسرائيلي يثير ضجة وسجالًا جبيليًّا مع "حزب الله"

الرصد

مقالات ذات صلة

ماذا يحصل في غزة المنسية؟!

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية