وأضأنا شمعتنا الثانية!

في العاشر من تشرين الثاني 2022، أطلقنا “نيوزاليست.نت”، في خطوة لم نعتبر، ونحن نفكر فيها ونستكشف صعوباتها ونتحضر لها، أنّها مغامرة أو رمية في المجهول أو منافسة على احتلال زاوية في ساحة “مزدحمة جدًّا” تحت الشمس التي أحدثت مواقع التواصل الإجتماعي خرقًا كبيرًا في “الأوزون” الذي يحمينا من تأثيرات أشعتها الحارقة!

كنّا نعرف جيّدًا ماذا نفعل، فنحن نريد أن يكون لوجهة نظرنا في الأحداث موقع مستقل مائة بالمائة. موقع لا يهاب أحدًا،لا يراعي أحدًا ولا “يتبكبك” لأحد. موقع لا يقدح ويذم بهذا تعظيمًا وترويجًا لذاك، ولا يدافع عن ملفات لأنّها تفيد مجموعة من هنا وتؤذي جماعة من هناك.

ولم يكن يخطر على بالي للحظة واحدة أنّه يمكن لمشروع بهذه المواصفات المجنونة أن يُبصِر النور. تجربتي الطويلة في الصحافة والإعلام علّمتني أنّ “الإستقلاليّة” مجرد شعار مستحيل، فلا بدّ من أن يكون للمموّلين أهداف، سواء سياسيّة أو إقتصاديّة أو تجاريّة أو ماليّة. ولكنّ مدرستي هذه بدت ناقصة، إذ تفاجأتُ بأنّ ما أعتبره وهمًا موجود فعلًا، عندما اتفق عدد صغير من الأصدقاء على تخصيص رأسمال “معقول” من أجل إقامة مشروع إعلامي مستقل، فكان “نيوزاليست.نت”!

ولكنّ الإستقلاليّة على أهميّتها ليست كلّها عسلًا، ف”عقصاتها” كثيرة، إذ إنّك، وأنت متحرّر من كل ارتباط، تكتشف أنّه ينقصك “جمهور مؤيّد” يروّج لك، وتجد نفسك تتصارع كل يوم مع مسؤوليّة ما تعتنقه من مبادئ وما تريد كتابته من أفكار وما يتحكّم بك من موروثاتك.

ولأنّ الإستقلاليّة مسؤوليّة، خصوصًا في زمن الإصطفافات الحادة والتخوين السهل والحقائق المتلاعب بها، كانت سنتنا الأولى في “نيوزاليست” صعبة للغاية، من دون أن نعتقد بأنّ سنتنا الثانية التي تبدأ اليوم ستكون سهلة.

ولكن ما يهمّنا في “نيوزاليست” أن نكون على قدر وعدنا لقرّائنا وأنفسنا، بحيث لا نكون جزءًا من تطرّف ديني أو عقائدي أو “مصلحجي” أو سياسي، ولا نكون جزءًا من معادلات التخريب على الحقيقة وفي العقول وفي النفوس، ولا أن ننحرف إلى الإساءة للحق من أجل منفعة أو نراعي الباطل من أجل السلامة.

نحن نُدرك أنّنا في أولى سنة لنا معكم، لم نكن، دائمًا، على قدر الآمال، ولكن سنحاول في سنتنا الثانية أن نصحّح المسار ونسدد الخطى ونقرّب أنفسنا من الهدف، ونشرّف الإستقلاليّة.

ونحن حاليًا، في طور القيام بأقسى عملية نقد ذاتي، ولن نتأخر عن إعطاء انتقاداتكم وملاحظاتكم، بمجرّد ورودها، ما يلزم من تأمّل واحترام وتمحيص وتدقيق، حتى نلتزم بما نقتنع به ونطبّق ما هو ضمن قدراتنا وإمكانياتنا!

كنّا نتطلّع أن يتجسّد احتفالنا بإطفاء الشمعة الأولى من عمر “نيوزاليست.نت” في مؤتمر نقيمه في بيروت ويضم نخبة من المفكرين السياسيّين والإجتماعيّين والأطباء والعلماء، للإضاءة على كل جوانب حياتنا وتلمّس طريقًا أكثر وعيًا وإنتاجيّة وسلامةً، ولكنّ الحرب الدمويّة التي اندلعت ونتابعها بألم كبير هنا ورجاء عظيم هناك، أرجأت كل الخطط.

نشكر جميع من واكبوا “نيوزاليست.نت” في سنتها الأولى، ورجاؤنا أن نشكل معًا جماعة ملتزمة باحترام الحقيقة والصدق مع الآخر وقبل كل شيء مع الذات!