كأنّه على رأس الطائفة المارونية بطريركان: واحد يلقي عظة الأحد وثاني يقدم توضيحًا الاثنين.
هذه هي حال بكركي مع الكاردينال الراعي والمسؤول الإعلامي وليد غيّاض.
آخر مناسبة ظهر فيها الواعظ في مكان والمسؤول الإعلامي في مكان آخر، كانت بمناسبة كلام الراعي عن ارهاب “حزب الله” وتوضيح غيّاض بأنه “حاشى” أن يفعلها البطريرك.
غيّاض يلتقي “حزب الله”، مرارًا، على هامش مناسبات توصف بالاجتماعية في بيوت سياسية أبرزها بيت النائب فريد الخازن، والراعي لا يتوقف عن انتقاد هذا الحزب كلّما توافرت فرصة سانحة.
كلام الراعي عن ارهاب حزب الله جرّ عليه هجومًا تحقيريًّا شنّه المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان، وتسبب بمقاطعة شيعية لبكركي أثناء تنظيم استقبال وطني عام لامين سر دولة الفاتيكان الكاردينال بييترو بارولين.
لم يعتذر قبلان عن كلام سخّفه بارولين، من مقر الرئاسة الثانية في لبنان. بارولين كان معنيًّا بهجوم قبلان لأنّه جاء في رسالة وجهها اليه. لم يعدّل حزب الله قيد انملة في سلوكه السياسي والعسكري والإعلامي، ولكن وليد غيّاض ارتأى ان يحدد نيات الراعي في كلامه، فهو لم يقصد “حزب الله”. فعل ذلك، بعدما بُحّت أصوات معارضي الحزب في الدفاع عن الراعي وتأييد موقفه!
عظيم: من قصد الراعي إذن؟ من تراه يسيطر على الجنوب؟ من تراه يرهب اللبنانيين الذين يعارضوه؟ من تراه يفرض اجندته على طائفة بإمها وأبيها؟ من سبق ان هاجم الراعي، ناطقًا بلسان الجنوبيين، فاستحق على ذلك، من اجهزة دعاية حزب الله، صورة بثياب ضابط اسرائيلي؟
يمكن للبطريرك الماروني ان يتوقف نهائيًّا عن مهاجمة “حزب الله”، تلميحًا او تصريحًا. لن يغيّر صمته هذا شيئًا. يمكنه ان ينضم، بذلك إلى ممثلي الطوائف الأخرى، مرجعيات دينية وسياسية. هو حر في أن يفعل. لكن ما لا يمكن السكوت عنه هو ان ينطق البطريرك بشيء اليوم، ويسارع المسؤول الإعلامي عنده، إلى نفيه في اليوم التالي.
ان هذا السلوك البطريركي خطر للغاية. يزرع بين اللبنانيين الخوف والشك والتردد، فإذا كان وريث البطريرك مار نصرالله بطرس صفير يخاف وينسحب ويتردد، فماذا يمكن ان يفعل هؤلاء المساكين الذين لا مظلة روحية ودولية ومعنوية ووطنية فوق رؤوسهم؟!
في العادة، يلجأ الخائفون إلى بكركي ليستظلوا مرجعياتها حتى ينطقوا بما يعتبرونه حقيقة يمكن ان ترتد سلبًا عليهم!
ولكن، إذا أبقت بكركي نفسها بين بطريرك يعظ وآخر يوضح، فإن الشجاعة تكون قد فقدت مظلتها في لبنان، امام حزب يُثبِت أنه قادر على ترهيب من يفترض بهم ألّا يهابوا ابدًا من يقتل الجسد!