"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث
تابعونافلاش نيوز

توقّع الأسوأ ليس من قبيل الفطنة… دائمًا!

كريستين نمر
الأربعاء، 6 سبتمبر 2023

توقّع الأسوأ ليس من قبيل الفطنة… دائمًا!

غالبًا ما يميل المرء إلى توقّع الأسوأ، وقد يكون، تفاديًا للصدمة في حال لم يحصل على مبتغاه، أو للمضي قدمًا… أما أن تبدأ تكهّناته هذه، بالتأثير على أدائه الشخصي وعلى الانطباع الذي يحمله عن ذاته، فترخي بظلالها على مسار تفكيره، وتجعله يغرق في دوامة ارتكاب المزيد من الأخطاء بحقّ نفسه ومن حوله، كأن يقتنع على سبيل المثال بأنه سخيف ساذج ومدعاة احتقار من قبل كل من يحيط به، ولو مهما تلقّى من تقدير ومديح، وهنا تكمن الطامة.

أسباب الحالة

قد يحدث عادة ذلك بسبب ما يعرف في علم النفس باسم “المناعة الإدراكية”، بحيث يميل الشخص المصاب بها إلى تفسير تجاربه - مهما كانت إيجابية - بطريقة تناسب الصورة السلبية التي رسمها عن نفسه، كنوع من الحصانة ضد التعليقات الداعمة التي من المفترض أن تدفعه إلى تغيير أفكاره.

فالأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب، على وجه الخصوص، يواجهون صعوبة في خوض غمار تجارب جديدة، أو التعرّف على إنجازاتهم من دون أن يتوقّعوا الأسوأ، وقد يكون ذلك بسبب عوامل كثيرة متجذّرة فيهم، لها علاقة بتربيتهم وثقافتهم وتجارب طفولتهم، كما قد يكون سببها حالة مزاجية راهنة.

ففي حين يقوم الأشخاص الأصحّاء بتعديل حكمهم بسرعة عند تلقيهم تعليقات إيجابية، تبقى آراء هؤلاء الأشخاص مجمّدة حول أنفسهم مهما تلقوا من إطراء أو مديح، فأي حدث إيجابي مهما كان رائعًا، لا يكفي لإلغاء توقعاتهم السلبيّة هذه.

الأفراد الذين يعانون من الاكتئاب يجدون صعوبة بالاعتراف بنجاحاتهم، لأنهم يفسرون بعد الحدث تجاربهم الإيجابية بطريقة تتناسب مع الصورة السلبية التي رسموها عن أنفسهم. هذا ما يُعرف بـ “المناعة الإدراكية”.

فهل من حلّ للتخلّص من “النبوءات” الكارثية؟

العلاج المركّز على التوقعات

كثيرة هي الدراسات التي تطرّقت إلى دور “المناعة الإدراكية” لما تمثّله من مسار مثير للاهتمام في عملية مكافحة الاكتئاب، فدراية المريض بمشكلته والإبلاغ عنها بنفسه قبل تقييمها من قبل أصحاب الاختصاص، قد يساعده على مواجهتها والتخلّص منها، وقد استخدم المعالجون، ما يُعرف بـ “التجارب السلوكية”، إذ قاموا بالاستعانة وتطوير سيناريوهات تتطابق مع مرضاهم من وحي الحياة اليومية.

وفي دراسة مشتركة أجراها كلّ من الألمانيين مارسيل ويلام ووينفزيد ريف قيّما توقعات ٧٠ شخصًا بعد أن طلبا منهم أن يحدّدوا درجة اتفاقهم مع عبارات مثل “بعد العلاج، سأصبح شخصًا أكثر تفاؤلًا” أو “العلاج سيساعدني في أن أكون أكثر تقديراً لنفسي”، ليتضّح أنهم كلما كانوا أكثر ثقة بعلاجهم كلما زاد مستوى رفاهيتهم بعده، كما تبيّن أن نتائج العلاج الإيجابية كانت أقوى على الأشخاص الأصغر سنًا بالمقارنة مع الأشخاص الأكبر سنًا.

ولاحظا أنّ العلاج الذي يعتمد على التفاعل وجودة العلاقة بين المريض والمعالج بدلاً من الأدوية، أو ما يسمّى بـ “التحالف العلاجي”، هو الأنسب، “فالطبيب المتعاطف والكفوء يعطي المريض ثقة أكبر في إمكانية شفائه كطرح سؤال عليه مثلًا: “بماذا ترغب أن تقوم بعد تحسّن حالتك الإكتئابية؟” كما قالا.

ويتمحور هذا النوع من العلاج، إضافة إلى التوقّعات، حول دراسة مخاوف المريض اليومية، وتحضيره للمواقف الصعبة وتحصينه من الأفكار المدمّرة التي تجول في خاطره، كأن يقول مثلًا: “الناس يعاملونني بلطف من باب الشفقة”، أو لا أحد يلاحظ أخطائي لأنهم بالأصل لا يستمعون إليّ عندما أتكلّم، أو “إذا طلبت من عشرة أشخاص في الشارع كم الساعة، لن يقوم أحد بالرد عليّ… ”

وفي تجربة أخرى للباحثين ويلام وريف أيضًا، طلبا من أحد المرضى رمي عشر كرات ورقية في سلة تقع على بعد مترين، وكان المريض قد توقّع تحقيق ثلاثة أهداف منها فقط، إلا أنه في الواقع حقق سبعة، فهل أدرك فعالية مهاراته في كرة السلة؟ “بالطبع لا”، يقول المريض، ويضيف: “كان لدي الحظ فقط”.

فهذا التقليل من قدراته لذاته وفرص نجاحاته الحقيقية، سببه معاناته من تشوّهات واضحة، وللتخلّص منها “يتطلّب العمل على تفكيك الأنماط السلبية للتفكير وإنشاء مساحة للمعتقدات الجديدة الإيجابية، ما قد يعزز بشكل كبير من فعالية العلاج” يؤكد ويلام وريف.

ويطمئن المعالجان بأنّ ثمّة أمل كبير بأفق جديد لأولئك الذين يرزحون تحت سيطرة توقعات كارثية، شرط أن تكون بمؤازرة وإشراف أطباء نفسيين أو متخصصين في علم النفس، وأن تتركّز على علاجات تقوم على تنمية المرونة العقلية عند المصاب ومحاولة تكييف توقعاته بشكل أفضل مع الواقع، والأهم من كل ذلك، الحفاظ على هذه الإنجازات وتطبيقها في الحياة اليومية وإظهار أنّ الرجاء يبقى الدواء الأجدى لكل داء.

المقال السابق
اتحاد الكرة الإسباني يعتذر عن قبلة روبياليس ويستبدل المدرب بسيدة
كريستين نمر

كريستين نمر

محرّرة وكاتبة

مقالات ذات صلة

"هاري الأمير المفقود".. فيلم يفضح ما عاشه دوق ودوقة ساسكس

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية