من كان ليصدق أن يتحوّل السفير الإيراني في لبنان الى “مؤنَّب”؟ ومن كان ليُفكر لحظة بأنّ هذا السفير سوف يجد نفسه مضطرًا الى تبرير أقواله، في محاولة تذاكي لتبرئة نفسه، من تهمة التدخل بالشؤون اللبنانية الداخلية؟
في وقت مضى، لم يكن أحد ليصدق ذلك.حاليًا، اصبحت هذه الإفتراضات الخيالية حقيقة ساطعة!
الأربعاء، حاول السفير مجتبي أماني أن يكرّس الماضي الإستخفافي بالسيادة اللبنانية، فقرر الذهاب الى قناة “الجديد” لإجراء مقابلة مع الزميلة سمر بو خليل التي فرح الناس باكتشاف معسول لسانها ودبلوماسية مقارباتها، بدل أن يستجيب لاستدعاء وزارة الخارجية. تفاجأ السفير الإيراني بالعاصفة التي هبت في وجهه، وكادت تكون بقوة عصف بايجر حزب الله الذي سبق أن انفجر بين يديه، فسارع الخميس الى تلبية الإستدعاء الذي رفضه الاربعاء، فاستقبله أمين عام وزارة الخارجية، وليس الوزير، وأفهمه بأن تدخله في الشؤون اللبنانية محظور عليه.
ولم يكن أمام السفير إلّا التذاكي، فقال إنّ ما قاله في “التغريدة” المغضوب عليها عن وجوب المحافظ على سلاح “المقاومة” لم يكن مقصودًا به لبنان، بل جميع الدول بما فيها دولته، فهو يعبّر عن رأيه بحاجة كل الدول الى مقاومة لتحميها من الأطماع التوسعية الإسرائيلية.
وعلى الرغم ممّا يقول ميخائيل نعيمة، عن وجوب قبول اعتذار من يجيثئك معتذرًا، ولو بادعاءات كاذبة، لأنّه يهدف الى خطب ودّك، فإنّ تبرير السفير مجتبي أماني كان ليكون مقبولا لو كان معقولا وتنتهي مفاعيله في الماضي ولا تسحب نفسها على المستقبل.
فالسفير الإيراني في لبنان، عندما قال ما قاله في تغريدته واستهجن فيه كل بحث في نزع سلاح “المقاومة”، إنّما فعل ذلك، بتوقيت لبناني بامتياز، وبقصد القول بأنّ بلاده تقف الى جانب “حزب الله” في مواجهة الدولة اللبنانية، وأدخل نفسه طرفا في جدال قائم بين السلطة اللبنانية، من جهة وبين “حزب الله” من جهة أخرى. الدولة اللبنانية تعمل، بموجب تعهداتها للداخل والخارج، على إقناع “حزب الله” بتسليم سلاحه بالحسنى، و”حزب الله” يرفض ذلك، ويصعّد، حتى وصل به الأمر الى استذكار التهديد الشهير لأمينه العام السابق حسن نصرالله: كل يد تمتد الى سلاح المقاومة تقطع.
وبذلك، يكون موقف أماني قد انحرف الى دعم فريق يهدد الدولة اللبنانية بسيناريو شبيه بالسابع من أيار 2008، حين قاد “حزب الله” غزوة عسكرية على بيروت والجبل، بعدما قررت الحكومة اللبنانية إزالة شبكة الإتصالات الخاصة التي أنشأها ومررها في أماكن استراتيجية في لبنان.
المهم أنّ السفير الإيراني، وبعد “تنتيع” عاد وامتثل لإرادة وزارة الخارجية وتسلّم الإنذار الذي يتخطى ضبط أماني في دائرة الأصول الدبلوماسية ليصل الى حدود إفهام دولته الممنوع طيرانها من الوصول الى مطار رفيق الحريري وسلاحها من العبور الى الأراضي اللبنانية، أنّ “زمن أوّل تحوّل” وبات عليها رفع وصايتها عن لبنان.
هذه الوصاية التي تعني محاولة مكررة لإسقاط “بلاد الأرز” بيد “حزب الله” الذي على قدر ما هو ناجح في المقاومة سمح للإسرائيلي بقتل خيرة شبابه وتدمير أجمل مدنه وقراه وبلداته، ووسع دائرة احتلاله نحو تلال استراتيجية تفعل الدولة اللبنانية كل ما يمكنها لتحريرها.
خسائر يعتبرها أماني بلا قيمة، وهو الذي يمثل دولة كادت، لولا اكتشافها موازين القوى المختل، تدخل في حرب مع إسرائيل لأنها استهدفت مجموعة من الحرس الثوري كانت تخطط للحرب، في القنصلية الإيرانية في سوريا. مع أماني كل الخسائر، طالما هي لبنانية وسورية وفلسطينية ويمنية، بلا قيمة، لأنّ الأهم هو خدمة الأجندة الإيرانية. هذه الأجندة التي تلقت في لبنان إنذارا قاسيا، بعدما كانت قد عرفت في سوريا “اقتلاعا”!