"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث
تابعونافلاش نيوز

تشريح "اليقين" لدى "حزب الله"وقائده الأعلى!

رئيس التحرير: فارس خشّان
الجمعة، 3 يناير 2025

فيما كان العالم يتمنى أن تحمل إطلالة العام 2024 السلام والخير والبركة، كان الأمين العام ل”حزب الله” حسن نصرالله على يقين بأنّ العد العكسي لتحقيق أحلامه قد انطلق.

كانت الحرب بكل ويلاتها ترعب الجميع، ولكن نصرالله بدا مزهوًا بها. أينما نظر استبشر خيرًا، فها هي إسرائيل، على الرغم من مرور ما يقارب شهرين على فتح “حزب الله” لجبهة الجنوب، تمتنع عن شن حرب واسعة عليه. كان على يقين بأنّه يرعبها، وبأنّها يستحيل أن تدخل حربًا تدمرها من جهة وتمنعها من تحقيق أهدافها، من جهة أخرى.

قبل أن يفتح منتصف الليل الباب لولادة العام 2024، قال نصرالله لمن أحاطوا به: جهّزوا أنفسكم لنصر عظيم. هذه سنة هزيمة إسرائيل الماحقة. لن تحقق ما تريده في غزة. لن تتجرّأ أن تخرج عن قواعد الإشتباك في لبنان. صورتها في العام أصبحت سوداء مثل الفحم. تركيبتها الديموغرافية تتفتت. قواها السياسية تتضارب. محورنا قوي بنا، وبالحشد الشعبي في العراق وبالحوثيين في اليمن وبصمود سوريا الأسد، حيث كلمتنا تسود. والجمهورية الإسلامية في إيران سوف تتعملق. هذه سنة تحقيق الأحلام. هذه سنة الإنتصار!

لم يكن حسن نصرالله يشك، ولو لوهلة بما ينطق به. كان يسخر بالتهديدات الإسرائيلية. كان يرد الوسطاء الذين يطالبون بإقفال الجبهة اللبنانية، قبل أن يفتحوا فمهم.

المعلومات المجمعة لديه، سواء بجهد حزبه أم بجهود إيران، تثبت بأنّ إسرائيل على باب قوسين أو أدنى من الإستسلام. بالنسبة اليه ولإيران، تريد إسرائيل أن تخفف عن نفسها وطأة الهزيمة، بزعم تحقيقها نتيجة إيجابية هنا أو هناك، ولذلك لا بد من اعتماد “الصبر الإستراتيجي”!

ونام نصرالله على هذا اليقين. حين اغتالت إسرائيل صالح العاروري، بعد ثلاثة أيام، في قلب الضاحية الجنوبية، لم يجد أنّ هناك ما يستدعى الشك باليقين، بل وجد في تفاصيل ما حصل تعزيزًا له، فهي هاجمت هدفًا فلسطينيا، من دون أن تتجرّأ على أن تهدر دم لبناني واحد. لم يكن يؤمن لا بالأمثال الشعبية ولا بالنظريات التجريبية ولا بالحكم الإنسانية. لم يتأمّل مطلقًا بالمقولة العربية الشهيرة:” أٌكلتُ يوم أُكل الثور الأبيض”!

وحين خرج وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، وأشار الى أنّ بلاده سوف تتفرغ للبنان، بمجرد أن تهدأ قليلًا على جبهة غزة، أطلّ نصرالله في مؤتمر صحافي وسخر من قدرات غالانت العقلية “هيدا تاشة معو”، بمعنى أنه أصبح مختلًا عقليًّا.

ومع توالي الأيام وارتفاع فاتورة حزب الله البشرية، كان نصرالله، بمجرد أن يستيقظ، يستعجل إيداعه تقارير عمّا يرد في وسائل الإعلام العبرية. كانت وحدة الرصد توصل يوميا الليل بالنهار، حتى توفر لنصرالله هذا التقرير.

كان كلّما قرأ ما تكتبه الصحافة الإسرائيلية وما يقوله محللوها على الإذاعات وشاشات التلفزة، يكبر قلبه ويتعزز يقينه.

كان يردد على من يحضرون مجالسه ما يقرأ ويقول أمامهم: أنظروا كم هم خائفون. كم هم يائسون. كم هم مرتدعون. تأملوا في ما يقولونه عن قدراتنا البشرية والعسكرية. لسوء الحظ- كان يردد- الإعلاميون اللبنانيون والعرب وكثير من المحللين ينظرون الى الأمور من زاوية حقدهم علينا، لأننا من شيعة علي بن أبي طالب. أعماهم حقدهم. الصحافيون في إسرائيل يرون بعيون موضوعية. لا يحبوننا، ولكنهم يحترمون عدوهم.

وكان يبني على تقييم صحافة العدو حيث يتزاوج الخوف من الأسوأ مع الأهداف السياسية المتضاربة، صورة قوته الساحقة، إلى درجة أنه لم يكن يخرج أحد من جلسة معه، إلّا ويحضر نفسه ليكون ضمن الوفود الأولى التي ستتوجه الى القدس، للصلاة في المسجد الأقصى وتتفقد ركام دولة إسرائيل المرمية في البحر!

وكم كانت إيران فرحة بيقين نصرالله هذا. كان المسؤولون في الحرس الثوري يتناوبون على زيارته، فإذا به يفاجئهم بمعنوياته المرتفعة. كان بعضهم يذهب الى المرشد علي خامنئي ويقول له: أوفدتنا لنرفع معنويات السيّد، فإذا به هو من يرفع معنوياتنا!

وكم كانت ثقة الجماهير عالية بيقين نصرالله هذا. لم يكن بينهم من يشك بأنّ رهبتهم هم من الحزب توازي رهبة الأعداء منه. أصبح رعب إسرائيل من حزبهم، عزاء لهم. كانوا يسهرون الليالي وهم يخبرون أنفسهم كيف سيكون حال خصومهم في الداخل، يوم يرفع نصرالله شارات النصر، ويوم يؤم المصلين في المسجد الأقصى. علّمهم نصر الله أن يسخروا ممن يعارض ما ينطق به، فأفنوا أيامهم في هذا المسار الساخر.

حاول كثيرون في الداخل أن يخففوا من ثقة نصرالله هذه بنفسه وبحزبه وب “محور المقاومة”. عبثًا حاولوا. كان يرسل إليهم من ينهرهم إن خرج حرف واحد من شكوكهم الى خارج الغرف المغلقة. أوصل الجميع الى حافة اليأس. جاراه بعضهم واعتصم بعضهم الآخر بالصمت. تركوه يلعب لعبته كما يشاء. لن يدفعوا، وهم الأدرى بما يمكن أن يفعله بحقهم، ثمن تعقيله، وكان كثير منهم يقول: إنّ الله يهدي من يشاء!

بعد اغتيال الرجل العسكري الأول في حزب الله فؤاد شكر، أدرك نصرالله أن يقينه كان سرابًا، ولكن فات الأوان!

لأول مرة بعد اغتيال شكر اقتنع نصرالله بأن إسرائيل هي إسرائيل، كما يراها الجميع، وليست كيانا “أوهن من بيت العنكبوت” كما تراءت له وللمرشد الإيراني وليحيى السنوار.

أراد أن يفتح المفاوضات، لكنّ عائقين قويين برزا في وجهه: الأول: إصرار إيران على استمرار الحزب في وحدة الساحات حتى تعطيه إشعارا بغير ذلك. كان هذا لزوم المفاوضات مع واشنطن.

والثاني: شرط إسرائيل بانسحاب حزب الله كليا الى ما بعد شمال نهر الليطاني، وإدخال تعديلات جذرية على عمل الجيش اللبناني واليونيفيل، وإقفال الحدود اللبنانية- السورية امام حركة السلاح وإقفال مطار رفيق الحريري أمام نقل القطع التي يتم استخدامها في تركيب الصواريخ والمسيّرات، وتعهد لبنان بتفكيك ترسانة حزب الله العسكرية.

لم يكن نصرالله قادرًا عندما اكتشف مجددا إسرائيل على القبول بخسارتين: الرضى الإيراني، وجنوب نهر الليطاني ووضعيته العسكرية في البلاد!

هنا بدأ يخفض سقف “عنترياته”، ولكن الجميع في لبنان أدركوا أنّ القرار لم يعد لديه. أدخل الرئيسان نبيه بري ونجيب ميقاتي بقوة على الخط الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الذي صدمه التعنت الإيراني من جهة أولى والثقة الإسرائيلية الكبيرة بالنفس، من جهة ثانية. أدرك ماكرون أنه لن يستطيع تحقيق أي شيء. وعده “حزب الله” عبر الوسطاء بأنه، بمجرد أن تتوقف الحرب، هو على استعداد لانتخاب رئيس جديد للجمهورية وتشكيل حكومة فاعلة.

نتنياهو بعدما كان قد اطلع على قدرات مخابراته وجيشه ووهم التهديدات بأسلحة يوم القيامة، أبلغ ماكرون بالحرف: القطار انطلق، ولم يعد أحد قادرًا على أن يقفز إليه!

بداية السنة الواعدة انتهت الى بداية خريف كارثية. ما بدأ بحلم كبير أصبح كابوسًا عظيمًا!

شهد نصرالله بعينيه عمليات اغتيال كبار قادة حزب الله وعملتين غير مسبوقين ضد تنظيمه (تفجير أجهزة بايجر وتوكي ووكي) قبل يقطع الدمار المتراكم فوق حصنه على عميق أربعين مترًا تحت أرض حارة حريك النفس عنه!

مع مقتل نصرالله الجسدي شحب معنى علي خامنئي. حاول المرشد الإيراني التخفيف من محورية هذا الحدث. راح يقدم صورة باهتة عن أهمية قيادة نصرالله. لم يصدّق إلّا نفسه. محبو نصرالله استاءوا منه. كان السيّد قد أوهمهم بأنّه ليس مجرد رجل بل هو “كليم الأنبياء” والرجل الخارق، فإذا بهم يكتشفون بأنّه مجرد رجل عجوز، يكرر، في كل مناسبة، الشعارات نفسها.

وتعاطى بشار الأسد مع مقتل الأمين العام لحزب الله كما لو كان قد قضى بحادثة سير، فقال فيه كلمات تصح لكل شخص ولكل مكان ولكل زمان. لم يأت في بيانه المتأخر على ذكر إسرائيل. هرب من “محور المقاومة” قبل أن يعود فيهرب من سوريا كلّها.

يئس يحيى السنوار، فخرج من نفقه، فواجه مسيرة إسرائيلية بقطعة حديد، وقضت عليه، في عملية موثقة.

انهار “حزب الله” تحت وطأة “سهام الشمال”. وتحت شعار “إنتصرنا” وجد خليفة نصرالله الشيخ نعيم قاسم نفسه يوافق على اتفاق إذعان، سمي باتفاق وقف إطلاق النار. اتفاق تبيّن، في وقت مبكر، أنّه يفرض فقط على “حزب الله” بأن يوقف إطلاق نار فيما أظهر إسرائيل كما لو نالت بالدبلوماسية ما كان يقال إنه يستحيل عليها أن تناله بالحرب العسكرية.

وعلى إيقاع تهديدات كبيرة، انسحب “الحشد الشعبي” العراقي من مساندة غزة التي بقيت وحيدة في ساحة القتل والدمار والمواجهة، في ظل قيادة محكوم عليها بالإعدام، ولا يوجد لديها ما تخسره!

حاليًا، يتحسس قادة حوثيي اليمن رؤوسهم فيما يقبع خامنئي في الزاوية يردد شعاراته فوق جثث من قادهم، وعلى ايقاع كزدرة الجنرال الأميركي جاسبر جيفرز في الخيام، تحت شعار: الموت لأمريكا. الموت لإسرائيل!

المقال السابق
وزير الداخلية اللبنانية عن تفتيش الطائرات الايرانية: نحمي المطار
رئيس التحرير: فارس خشّان

رئيس التحرير: فارس خشّان

مقالات ذات صلة

رئيس بمواصفات "حزب الله"...كارثة وطنية وشيعية!

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية