تايمز أوف إسرائيل
قال ثلاثة مسؤولين أميركيين ومسؤول إسرائيلي لـ”تايمز أوف إسرائيل” هذا الأسبوع إن تقييمات الاستخبارات الأميركية قبل تصعيد إسرائيل لصراعها ضد جماعة حزب الله اللبنانية في سبتمبر أشارت إلى أن مثل هذه الخطوة قد تؤدي إلى إشعال حرب شاملة قد يقتل فيها مئات – إن لم يكن آلاف – الإسرائيليين.
وقال المسؤولون الأميركيون إن التقييمات اعتمدت بشكل كبير على تقييمات مماثلة أعدتها أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، مقرين بأن تقييمات البلدين أثبتت عدم دقتها بشكل كبير في غضون أيام، حيث قام الجيش الإسرائيلي بشكل منهجي بتدمير الكثير من قدرات حزب الله من الصواريخ والمسيّرات، وتفكيك بنيته التحتية العسكرية في جنوب لبنان، وتصفية كل عضو تقريبا من كبار قادته وقتل أو جرح الآلاف من عناصره – كثير منهم في تفجيرات جريئة لأجهزة اتصالات استخدمتها الجماعة.
ولقد تمكن حزب الله بالفعل من توسيع نطاق إطلاق الصواريخ والمسيّرات، مما أدى إلى تعطيل حياة عشرات الآلاف من المواطنين في أجزاء من إسرائيل كانت خالية من مثل هذه التهديدات على مدار العام الأخير. وقُتل 57 جنديا إسرائيليا و21 مدنيا خلال التصعيد الذي أعقب ذلك وا لذي استمر لمدة شهرين تقريبا.
ولكن الإنجازات العسكرية التي حققتها إسرائيل في لبنان كانت ساحقة، وفي نهاية المطاف دفعت الجماعة الشيعية المدعومة من إيران إلى الموافقة على وقف إطلاق النار في أواخر الشهر الماضي بعد أن تعهدت لأكثر من عام بأنها لن توقف هجماتها – التي بدأت بعد ساعات من هجوم حماس في السابع من أكتوبر – حتى توافق إسرائيل على وقف إطلاق النار الذي لا يزال بعيد المنال في غزة.
ومع تصاعد التوترات بين إسرائيل وحزب الله خلال الصيف، حذرت تقييمات الاستخبارات الأميركية من سيناريو مختلف تماما في الأفق.
وقال أحد المسؤولين الأميركيين “كانت التقييمات… تشير إلى احتمال أن تكون هذه الحرب كارثية ومن شأنها أن تتسبب في سقوط مئات أو آلاف الضحايا الإسرائيليين مع تمكن صواريخ حزب الله من التغلب على الدفاعات الإسرائيلية”.
وقال المسؤولون الأميركيون الثلاثة إن سيناريو الكارثة بدا مرجحا بشكل متزايد مع بدء إسرائيل في ضرب أهداف أعمق في لبنان بينما رفض حزب الله فصل صراعه مع إسرائيل عن الصراع في غزة، وفشلت المفاوضات بشأن إطلاق سراح الرهائن ووقف إطلاق النار في القطاع مرارا وتكرارا في التوصل إلى اختراق.
بعد تلقي التقييمات من مجتمع الاستخبارات الأميركي، عقد كبار مساعدي الرئيس الأميركي جو بايدن في البنتاغون والبيت الأبيض اجتماعات لصياغة رد واشنطن على الحرب الدامية المتوقعة، حسبما قال المسؤول الأميركي الأول.
وأكد المسؤولون الأميركيون أن التقييمات الاستخباراتية التي صدرت عن واشنطن لم تكن مختلفة كثيرا عن تلك التي تم صياغتها في القدس، بل واعتمدوا حتى على تقييمات الأخيرة.
وقال المسؤول الأميركي الأول “هناك سرد مفاده أن [الهجوم الإسرائيلي الرئيسي ضد حزب الله] كان ليحدث في وقت أبكر كثيرا لو لم يضغط الأميركيون على إسرائيل ويمنعوه. لكن هذا لم يحدث. كان الجميع قلقين للغاية على الجانبين بشأن شكل هذا الهجوم ومدى خطورته”.
وقال مسؤول أميركي ثان “لهذا السبب امتنعت إسرائيل لعدة أشهر عن شن هذا النوع من الهجمات التي بدأت في سبتمبر، ولم يكونوا أقل قلقا بشأن ما قد تعنيه حرب شاملة مع حزب الله”.
وأضاف المسؤول الأميركي “في نهاية المطاف، تحركوا قدما على أي حال، ولكن لم يكن ذلك على افتراض أن ذلك لن يأتي بتكلفة باهظة. لقد اعتقد الإسرائيليون ببساطة أن هذه التكلفة ضرورية”.
وفي السابع عشر والثامن عشر من سبتمبر، فجرت إسرائيل آلاف أجهزة الاتصالات المفخخة التي استخدمها حزب الله. وحتى في ذلك الوقت، استمرت الولايات المتحدة سرا في تحذير إسرائيل من توخي الحذر، خشية أن تؤدي عملية الصدمة والترعيب إلى جر إيران إلى الصراع، كما قال المسؤول الأميركي، في حين أكد التقارير التي أفادت بأن إسرائيل سارعت إلى إطلاق عملية أجهزة الاتصال “بيجر” وسط مخاوف من كشف تفاصيلها.
لكن إسرائيل لم تتأثر بكلمات التحذير الصادرة عن واشنطن، ونفذ الجيش الإسرائيلي غارات جوية بعد يومين أدت إلى القضاء على قيادة وحدة “الرضوان” التابعة لحزب الله. وبعد ذلك، في 27 سبتمبر، اغتالت إسرائيل الأمين العام القديم لحزب الله، حسن نصر الله.
ولكن الغارات الجوية الواسعة النطاق التي شنها الجيش الإسرائيلي قبل أيام من ذلك ضد مخازن الصواريخ والأسلحة التابعة لحزب الله في مختلف أنحاء لبنان هي التي غيرت “بشكل أساسي” تقييم الولايات المتحدة لمسار الحرب، كما قال المسؤول الأميركي الأول، الذي أضاف أن واشنطن غيرت موقفها لدعم إسرائيل في توجيه الضربات ضد الجماعة التي تعرضت لضربات شديدة.
هذا لا يفسر لماذا استمرت الولايات المتحدة في السعي إلى التوسط في وقف لإطلاق النار لمدة 21 يوما بين إسرائيل وحزب الله، والإعلان عن المبادرة في 25 سبتمبر. لكنه يفسر لماذا ابتعدت الولايات المتحدة بسرعة عن جهود وقف إطلاق النار المؤقت مع بدء تراكم المكاسب العسكرية الإسرائيلية ض د حزب الله في الأيام والأسابيع التي تلت ذلك.
وقال البيت الأبيض علنا في ذلك الوقت إنه لم يكن ليمضي قدما في الجهود لو لم يبد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو دعمه.
ولقد حظيت الولايات المتحدة بدعم إضافي في موقفها بعد أيام عندما ساعدت إسرائيل في إحباط هجوم صاروخي إيراني ثان، مما يدل على أن طهران كانت عاجزة تقريبا عن مساعدة وكلائها.
وفي معرض تأمله لكيفية تطور الأحداث على مدى الأشهر القليلة الماضية، أشار مسؤول أميركي ثالث إلى أنه من الممكن الدفاع عن تقييمات الاستخبارات خلال فصل الصيف من خلال نسب إنجازات إسرائيل في ساحة المعركة إلى الحظ.
ولكنه لم يكن مقتنعا كثيرا بهذه الحجة، وأكد أن الأمر يتطلب محاسبة أجهزة المخابرات في الولايات المتحدة وإسرائيل.
خلال مقابلة على خشبة المسرح مساء الثلاثاء في شارع 92 في نيويورك، سُئل مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان عن أي الأحداث في الشرق الأوسط على مدى الأشهر القليلة الماضية كانت الأكثر إثارة للدهشة – بدءا من استعادة إسرائيل لهيمنتها التصعيدية، إلى الانهيار الواضح لـ”محور المقاومة” بقيادة إيران، وصولا إلى الإطاحة بنظام بشار الأسد في سوريا.
“نعم”، رد سوليفان مازحا، في إشارة على ما يبدو إلى أن كل تلك الأحداث فاجأت الولايات المتحدة.
وبدأ سوليفان بالقول “لم تكن كل هذه القطع مفاجئة من حيث الاتجاه – بمعنى أنه يمكن للمرء أن يرى الطرق التي كانت بها إسرائيل، بدعم من الولايات المتحدة … تخوض المعركة ضد أعدائها”.
وأضاف “كان بالإمكان رؤية ضعف وتفكك محور المقاومة وإضعاف إيران، وكان بالإمكان رؤية الضغط على الأسد – خاصة لأن رعاته الرئيسيين، إيران وروسيا، كانا مشتتين وضعيفين”.
وتابع سوليفان قائلا “لكن السرعة ونطاق وحجم إعادة تشكيل الشرق الأوسط في هذه الفترة القصيرة من الزمن – أعتقد أنك ستجد عددا قليلا جدا من الأشخاص الذين يمكنهم التنبؤ بكل ذلك وأننا سنجلس هنا في ديسمبر 2024 وأن تكون الصورة بالطريقة التي تبدو عليها”.