يودّع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة منصبه بعد 30 عاماً، تاركاً خلفه اقتصاداً منهاراً لبلد يعيش أسوأ أزمات على مستوى العالم، ويخرج بسلّة اتهامات بالاختلاس والإثراء غير المشروع وغسي ل أموال تُقدّر بأكثر من 300 مليون دولار، إلا أنه واصل تنكّره من كل التهم الموجهة إليه، واستبسل في الدفاع عن مسيرته ، على اعتبار أنه كان “الحصن الحصين” الرادع لصمود لبنان واقتصاده.
قبل أيام من نهاية ولايته الاثنين المقبل، دافع سلامة بقوة عن سياساته طوال 3 عقود، كما عن مصرف لبنان، وتجنّب مهاجمة المنظومة، التي قدم نفسه لها واعتمدت عليه باصدار تعاميم تتناسب مع حاجاتها، فأمّن لها قنوات خارج القانون للتصرف بدولارات المودعين التي استخدمت بتمويل الإنفاق الحكومي وبالتدخل في سوق القطع عبر منصّة “صيرفة”.
فتحت تصريحات سلامة الباب أمام السجالات، وبالتحدي من قبل الرئيس فؤاد السنيورة الذي اتهمه بأنه بهندسة زيادة سلسلة الرتب والرواتب في مجلس النواب، ما استوجب من الأخير الرد عليه ببيان شدد فيه “على أنه هو السياسي الوحيد الذي وقف ضد اقرار سلسلة الرتب والرواتب وأول من حذر من الانفاق المبالغ به وغير المتبصر لكي لا يصل لبنان إلى ما وصل إليه الآن، وهو ما يعرفه اللبنانيون جيداً، ويدركه الحاكم ولكنه يتجاهل الاقرار به”.
حُسم الأمر بعدم التمديد لرجل المنظومة التي اختالات سيناريو بديل عن المتوقع، فمن تحت ستار عدم الإتفاق على تعيين حاكم جديد، سيتسلم الدفة نوابه الأربعة، وبالتحديد نائب الحاك م الأوّل، في خطة قوامها الإستمرار بنهج سلامة اللذي سيبقى “الحاكم” من وراء الكواليس، ولكن من دون أن يتحمل هؤلاء المسؤولية عبر استقالة لوحوا بها، تحميهم خلال تسييرهم المهمة، وشروط تجعلهم خارج الشبهة والمسؤولية المباشرة.
تسير المنظومة، التي قال سلامة بأنها “غسلت إيديها” منه وجعلته “كبش محرقة” عبر “كبّ شعارات” لتضييع الناس وإظهار أنه أزعر سارق أموال المودعين، بسيناريو وضعه بالشراكة معها خلف الكواليس للاستمرار بخطته التي يديرها من خارج المنصب، تحسباً لكارثة انهيار المصرف المركزي التي قد تعني فعلياً ضياع الدولة المشلولة، فسلامة يعتبر “مرشداً مالياً” للنظام اللبناني ، وهو قدم “المشورة” أيضاً للنظام السوري، شكّل على مدى سنوات حكمه صلة الوصل بين كل القوى السياسية في لبنان، كما أنه وكان المحرك الأساسي الداعم لها في كل خططها، ومن ضمنها الهندسات المالية التي اعتمدتها، وهن عمل على إرضاء الجميع، بما فيهم “حزب الله”، ونجح بأن يُترجم ما تريد باتقان وحرفية، وبالتالي فإن الأكيد ما بعد مرحلة سلامة لن يكون كما قبلها، ولكن “طيف” الأخير سيبقى حاضراً لتوفير غطاء الحماية لأركان هذه المنظومة، طالما أنه لا يزالون يحكمون بأمر البلد.