"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث

ثورة "وسائل التّواصل الاجتماعي" تنفخ نفساً ديكتاتوريّاً في... الديموقراطيّات!

فارس خشّان
السبت، 8 يوليو 2023

ثورة "وسائل التّواصل الاجتماعي" تنفخ نفساً ديكتاتوريّاً في... الديموقراطيّات!

تحمّل الحكومات وسائل التواصل الاجتماعي مسؤولية ما تواجهه من اضطرابات شعبيّة، فتسارع، إذا كانت في أنظمة ديكتاتورية، إلى قطعها عن المشتركين، وتطلب، إذا كانت ديموقراطية، من المجلس النيابي سنّ تشريعات تعطيها سلطة مراقبتها والتحكم بها.

وينقسم المجتمع حيال هذه النظرة إلى وسائل التواصل الاجتماعي، فيؤيّد البعض إلقاء المسؤولية عليها ويرفض البعض الآخر.

ولكن ماذا تقول المعطيات والوقائع؟

من دون شك، تلعب وسائل التواصل الاجتماعي، منذ سنوات، دوراً رائداً في الترويج لدعوات المحرضين على الاضطرابات ولأفعال المشاركين فيها، وتبقي الجمهور، مؤيّداً كان أو معارضاً، مطّلعاً على التطورات والخطط وأماكن التجمع وأوقاته.

وكل هذا يعطي وسائل التواصل الاجتماعي دوراً مهمّاً في صناعة الحدث وديمومته، ولكن هذا لا يعني أنّها هي المسؤولة عمّا يحصل، إذ إنّ دعوات كثيرة تصدر للتجمع والاعتراض لا تلقى أيّ تجاوب جماهيري، لأنّ موضوع الدعوات لا شعبية له ولا قواعد داعمة له ولا صدقية لقياداته.

إنّ النجاح في اللجوء إلى وسائل التواصل الاجتماعي هنا والفشل هناك يظهران أنّ حدوث الاضطرابات يعود إلى أسباب أخرى. ففي فرنسا، مثلاً، وعلى الرغم من أنّ الحكومة حاولت تحميل هذه الوسائل مسؤوليّة “الحراك التخريبي” الذي اندلع إثر مقتل المراهق “نائل” على يد أحد رجال الشرطة في السابع والعشرين من حزيران (يونيو) الأخير، فإنّ الجميع يدركون أنّ الأسباب الحقيقية والجوهرية موجودة في المجتمع الفرنسي نفسه وفي تكويناته الناجمة عن طريقة التعامل المزمنة مع المهاجرين وأبنائهم، ومع الفقراء وأحيائهم، ومع الأقليّات وحقوقهم.

كما أنّ الوقائع الفرنسية، بيّنت أنّه في زمن وسائل التواصل الاجتماعي كانت الاضطرابات، على قساوتها، أقل ضراوة وأقصر زمناً من تلك التي حصلت قبل ظهور الإنترنت (1978) وقبل نشر هذه الوسائل (2005).

والأهم من ذلك، فإنّ وسائل التواصل الاجتماعي، وإن كانت سهّلت على الغاضبين أمورهم، إلّا أنّها منحت السلطة قدرة هائلة على فهم ما يحصل وعلى معرفة ما يتمّ التخطيط له، بحيث أصبحت أكثر قدرة على التصدّي في مرحلة أولى، وعلى الاحتواء في مرحلة ثانية.

ولا يستطيع الحاكم، كلّما اعترضته مشكلة، أن يلقي التبعة على الوسائل نفسها التي عرّفت الرأي العام عليه وسهّلت له التواصل معهم. ولعلّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون هو المثل الصارخ لهذه الظاهرة، إذ إنّه لا يترك يوماً يمر إلّا ويطل على وسائل التواصل الاجتماعي مروّجاً لشخصه ولأفكاره ولمشاريعه، ولكنّه ما إن يواجه مشكلة شعبية حتى ينقضّ على دور هذه الوسائل وينسب إليها وظائف شيطانية.

لا يجادل عاقل في أنّ وسائل التواصل الاجتماعي تحتاج إلى تنظيم وإلى تشريعات من شأنها حماية الحقائق من التزوير، والمجتمع من التسخيف، والسياسة من النجومية الهوليوودية، ولكن هذا لن يسمح بالعودة بالزمن إلى الوراء، إذ إنّ حقوق الرأي العام بالوصول إلى المعلومات تقدمت تقدماً مذهلاً، وبات لزاماً على السلطات بدل أن تلعن الوسيلة أن تسعى إلى تجفيف مصادر الامتعاض الكامنة في عجزها عن تحقيق ما تعد به وما يفترض بها أن تقوم به!

إنّ الميل الطبيعي إلى احتواء المعلومة والتحكم بها، يدفع الديموقراطيات في هذه المرحلة إلى التفكير بطريقة الديكتاتوريات، ولكنّها، وإن أفلحت ساعة، فلن تكسب الدهر، ومن لا يصدّق فليجرِ بحثاً ويكتشف أن الثورة التي سبق أن صنعها في البشرية والسلطة والأنظمة اختراع بسيط جدّاً بنظر الأجيال الحالية: المطبعة!

المقال السابق
الدناءة!

فارس خشّان

كاتب سياسي

مقالات ذات صلة

لقاح جديد للأنفلونزا يمكن للفرد أخذه بنفسه

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية