"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث
تابعونافلاش نيوز

ثورة العقلاء على طاغية الشام

رئيس التحرير: فارس خشّان
الثلاثاء، 19 سبتمبر 2023

بعد انقضاء شهر كامل، احتار المراقبون باختيار التسمية الدقيقة لما يحصل في السويداء السورية منذ أكثر من شهر: هل هي مجرّد احتجاجات، أو هي انتفاضة حقيقية أو نتاج روح مؤامراتيّة؟

الافتراض الأخير هو الأسهل بالنسبة للنظام السوري ولداعميه ولا سيما ايران وميليشياتها ومن ضمنها “حزب الله”، خصوصًا بعدما اطلق عليها شيخ عقل الموحدين الدروز في سوريا حكمت الهجري صفة الاحتلال داعيًا الى “الجهاد” تحريرًا للبلاد منها ومن “فكرها التخريبي”!

واذا كان النظام السوري وداعموه يطلقون صفة المؤامرة على أي سلوك يعترض طريقهم ويخالف توجهاتهم ويصد مخططاتهم، فأنّه، على الرغم من الاستفاضة في تنظيراتهم التي تجمع ما لا يجمع، لم يقدّموا تفاصيل لا عن فحوى المؤامرة ولا عن سبب اختيار السويداء لها ولا عن القوى الاقليمية التي يمكن ان تقف وراءها، واكتفوا لرفع الصوت في هذا الاتجاه،باهتمام أبداه عواصم غربيّة بأحداث السويداء، بعدما أعطى النظام السوري عبر موالين له في المنطقة اشارة خطرة الى امكان لجوئه الى العنف، لفتح النار على مجموعة متظاهرين وجرح عدد منهم.

ولكن المراقبين الحياديّين تجاوزوا “صراخ المؤامرة” وركزوا على الطريقة المواربة التي توسّلها النظام السوري وكوادره للاعتراف بالنوائب التي يجرها الوضع العام في البلاد على سكان سوريا عموما وعلى هذه المنطقة خصوصًا، ولكنهم يعيدون السبب الى العقوبات الايرانية وقانون قيصر الاميركي، متجاهلين أنّ العرب قبل العجم يطالبون باصلاحات سياسية جذرية لا بدّ للنظام من الاقدام عليها.

ولكن ما لا يتغاضى عنه أهل السويداء، وفق توافق بارز بين اغلبية القواعد والقيادات، أنّهم أُسقطوا في الجحيم لأنّ النظام الذين بدأوا يطالبون بتغييره، يرفض، من جهة اولى، الانضباط تحت مظلة مجلس الامن الدولي، من خلال تنفيذ القرار ٢٢٥٤ الهادف الى احداث تغيير في منهجية حكم البلاد، ويظهر، من جهة ثانية، عاجزًا تمامًا أمام سطوة المافيا السورية-الايرانية- اللبنانيّة، عن وقف تحويل الجنوب السوري الى قاعدة لتهريب المخدرات والمتفجرات الى الخليج عبر البوابة الاردنية ، خصوصًا وأنّ هذه المافيا المدعومة من النظام -أو من عجزه أمامها- تحاول ان تفرض قانون الغابة في الجنوب السوري، الأمر الذي يشكل خطرًا على الجميع ولا سيّما على ابناء السويداء.

ومن يدقق بما يحصل في السويداء يميل، انطلاقًا من الخطب والشعارات التي تحملها التجمعات الدورية في “ساحة الكرامة”، الى الاعتقاد بأنّ هذه المنطقة، وبعدما ضاقت ذرعًا من النظام الذي يرفض أن يتغيّر ويعجز عن استعادة السيادة من حماته، تعتبر انّ الحل يكمن في تغييره، ولهذا ارتفعت وتيرة الاستهدافات في الساحة لتنال من رئيس النظام بشّار الاشد الذي غنّت له نساء السويداء في عيد ميلاده في الحادي عشر من ايلول/ سبتمبر الجاري، وعلى اللحن العالمي لاغنية “هابي برذداي تو يو”: “آخر سنة يلّا باي.. بدنا نشوفك بـ لاهاي”.

وكانت اغنية شبيهة قد هتفها السوريون بعيد انطلاق الثورة في العام ٢٠١١: “يا بشار باي باي… بدنا نشوفك بـ لاهاي”.

وهذه الكلمات المغناة عيّنة بسيطة عن تشابه كبير بين ما يحصل في السويداء منذ اكثر من شهر وما كان قد حصل في سوريا بدءًا من العام ٢٠١١، الأمر الذي يعني ان أبناء السويداء يختارون لتحركاتهم مظلّة الثورة.

وعلى الرغم من أنّ مكونات الثورة باتت حاليًا أكثر حضورًا في السويداء من أيّ وقت مضى، فهل يمكن ان يرمي دروزها الذين حيّدوا أنفسهم، على قدر الامكان، عن صراع النظام والثوار منذ العام ٢٠١١ ، في “فم الوحش”، في وقت عملت فيه دول عربية عدة بينها جارتهم الاردن على تعويم نظام بشّار الأسد؟

لا شك في ان طائفة الموحدين الدروز،كما اظهرت الادلة على مدى تاريخهم في سوريا ولبنان وفلسطين، يتمتعون بشجاعة عالية تخوّلهم تنظيم المواجهات مهما كانت مكلفة، ولكنهم يتمتعون في الوقت نفسه،بحكمة كبيرة تبعدهم، في كثير من الاحيان، عن واجهة الصراعات.

وهذا الزواج الحكمي بين الشجاعة والحكمة، يعني أنّه يستحيل ان يكون أبناءً السويداء قد ارتجلوا ثورتهم الحالية، ولا بد من أن يكونوا قد قرأوا معطيات شجعتهم على محاولة كسر اذلال “نظام الجريمة والاحتلال والمخدرات”، فما هي؟

هل اكتشف الضالعون بالميدان أنّ الخيبة العربية من فاعلية النظام قد أدخلت تعديلات جديدة على النظرة الى نظام الاسد، فأصبح وجوده يساوي عدمه، في حال كان هناك بدائل عاقلة له، بعيدًا عن ثنائية الارهاب الايراني والداعشي؟

وهل أنّ تغييب العنصر الروسي عن شعارات السويداء الثورية يعني، في ضوء مقتل رئيس مجموعة “فاغنر” يفغيني بريغوجين بعدما كان قد جرى “تهميشه”، أنّ الجيش الروسي الذي وحّد كلمته، يريد التخلص من المافيا السورية- الايرانية ليكون عاملًا مساعدًا ل”الاصدقاء الخليجيين”، ضد اغراق اسواقهم بالمخدرات السورية- اللبنانية؟

وهل أنّ اكتشاف السوريين انّ استفحال الكوارث الحياتية والاقتصادية، على الرغم من انفتاح العرب على بشّار الاسد، يعني انّ لا خلاص يمكن ان ينشدونه في ظل سلطة النظام الحالي المحكوم بالتحجّر، وبالتالي فهو يضعهم أمام خيارين: الثورة السلمية أو النزوح الذليل؟

من دون شك إنّ دروز سوريا ، وكما عبّر عن ذلك الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط الذي لم ينقطع يومًا عن التواصل معهم كما مع دروز فلسطين والاردن، ليسوا جزءًا من مؤامرة يمينية اميركية ابوكاليبسية او تقسيمية، بل هم كما بيّنت المعطيات التاريخية يفضلون الموت في ارضهم ثوّارًا على الحياة بعيدًا عنها.

وليس المطلوب من بشار الاسد ونظامه ادراك ذلك، اذ ان التفهم عفا عنه الزمن وحان وقت التغيير الذي من دونه لن تكون امام السوريين الجائعين خيارات كثيرة!

المقال السابق
ما حقيقة صورة «المنزل المعجزة» الذي أثار الجدل في درنة ؟
رئيس التحرير: فارس خشّان

رئيس التحرير: فارس خشّان

مقالات ذات صلة

مستقبل لبنان بعهدة شيعته!

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية