إلى حين قيام الدولة، سيبقى لبنان ضحيّة!
ما يحصل في مخيّم اللاجئين الفلسطينيّين في عين الحلوة لا يعنينا من زاوية الطرف الذي يحاول أن يفرض إرادته بالقوة على الطرف الآخر، بل من زاوية انعدام وجود الدولة التي تفرض شروطها على المقيمين على أرضها، بغض النظر عن جنسيّاتهم وعقائدهم وأهوائهم وظروفهم!
إنّ العلاقة بين “منظمة التحرير الفلسطينيّة” والفصائل الإسلامية وارتباطات هذه مع قوى لبنانية وتلك مع قوى أخرى، لا أهميّة له في أيّ نقاش، لأنّه يشيح النظر عن الموضوع الأهم، وهو جرأة الجميع على التعاطي مع الدولة اللبنانيّة ككيان لا قيمة له في الحد الأدنى أو منعدم الوجود كحدّ أقصى.
وهذه النظرة المستخفة بالد ولة اللبنانيّة التي تعود الى الواجهة مع الإشتباكات الأخيرة التي يشهدها مخيّم عين الحلوة وتنعكس مآس على محيطها، كانت السبب الجوهري في تخصيب الأسباب اللبنانية والإقليمية والدولية التي وقفت وراء مأساة لبنان في العام 1975 المستمرة تداعياتها الى اليوم.
وأدّت جرأة القوى الفلسطينيّة على الدولة اللبنانيّة، في السبعينات من القرن الماضي إلى توليد جرأة أطراف لبنانية عليها، فنشأت الميليلشيات المسلّحة التي تنتمي إليها ميليشيا “حزب الله” التي استعصت على السلم الأهلي وعلى اتفاق الطائف وعلى إرادة شرائح واسعة من اللبنانيّين، وحالت لاحقًا دون السماح بإقامة دولة حقيقيّة في لبنان.
ولا يوجد سبب يسمح ببقاء السلاح في يد أيّ طرف فلسطيني في لبنان، إذ إنّ المبررات التي كانت قد أتاحته، في زمن “الكفاح المسلّح”، أي زمن وهم تحرير فلسطين من الخارح، قد ولّى إلى غير رجعة، إذ أمسك فلسطينيّو الداخل بزمام أمورهم، وحققوا لأنفسهم ما عجز عنه الشتات المسلّح الذي لم يُنتج بالمحصلة سوى كوارث لدول “الإستضافة” تتقدمها بطبيعة الحال الدولة اللبنانيّة التي لم يكن لها نصيب في السيطرة على إقليمها كما كان عليه واقع الأردن وسوريا حين كانت لا تزال دولة.
ولا يوجد سبب واحد يُعفي المراقبين من تحميل الجمهورية الإسلامية في إيران عمومًا و”الحرس الثوري الإيراني” خصوصًا من مسؤوليّة إدامة الفوضى في مخيّم عين الحلوة، إذ إنّ السلاح عاد الى رفع رأسه عاليًا، بالتزامن مع ما سمي ب”وحدة الساحات” وإعادة العبث بالملف الفلسطينين من خلال استعماله في إرسال “رسائل صاروخيّة” الى إسرائيل من خلال الساحة الجنوبية.
وكان “حزب الله” قد استعمل التنظيمات الفلسطينية في وقت سابق، إذ كان ينسب إليهم “رسائل الترهيب” التي يوصلها الى الأطراف اللبنانية كما سبق أن حصل عند قصف مقر تلفزيون “المستقبل” في العام 2003 وحتى في صلب عمليّة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، من خلال “توليفة” أحمد أبو عدس المفبركة والوهميّة.
في الواقع، لقد جرت محاولة واحدة، بعدما أرسى اتفاق الطائف السلم الأهلي في لبنان، لإقامة الدولة . هذه المحاولة تجلّت في إصدار مجلس الأمن الدولي في الثاني من أيلول/ سبتمبر 2004 القرار 1559 الذي نصّ على وجوب إعلاء سلطة الدولة اللبنانية على جميع الأراضي اللبنانيّة بما فيها المخيمات الفلسطينية ونزع سلاح جميع المليشيات تتقدّمها ميليشيا “حزب الله”.
كان المجتمعان اللبناني والدولي مقتنعين ولا يزالان بأنّ بداية نهوض لبنان من الركام شرطها الأوّل والأخير يتمثّل في احتكار السلاح، مهما كانت جنسيّته، لأنّ السلاح المتفلّت من قرار الدولة يلعب في ميدان مصادر نعمته!
وقد تعرّض هذا القرار لعملية اغتيال، إذ إنّ الأطراف اللبنانية الأساسية، وفي ضوء قراءة الخلفية التي أنتجت قرار اغتيال الرئيس رفيق الحريري، قد خافت على نفسها فسارعت الى التبرؤ منه، وكانت النتيجة أنّ الحكومات المتعاقبة رفضت ذكره في بياناتها الوزارية تحت طائلة إغضاب “حزب الله”.
إنّ الحلّ الدائم لمخيّم عين الحلوة لا يكمن في استرضاء القوى المسلّحة فيه أو في الإنحياز لهذه المجموعة ضد تلك، بل يكون في بسط سلطة الدولة عليه، فلا يعود مصدرًا للإضرار بالإستقرار اللبناني ولا مأوى للخارجين عن القانون، وبينهم عتاة المجرمين مثل قتلة القضاة وغيرهم.
وفلسطينيو لبنان ليسوا بحاجة الى قوى مسلّحة، فالسبب الأوّل لذلك، اي تحرير فلسطين، قد ولّى، كما السبب الثاني ثبت بطلانه، أي حماية الشعب الفلسطيني من الآخرين!