تتعاطى العواصم الدوليّة المعنيّة بالشأن اللبناني مع فكرة دخول لبنان في أتون حرب مدمّرة كبيرة، كأنّها حاصلة غدًا!
لا ينطلق ذلك ممّا يقوله “حزب الله”، بل من مستوى الضغوط السياسيّة والعسكريّة والشعبيّة التي تتعرّض لها الحكومة الإسرائيليّة التي لا تزال، في محاولة منها لاحتواء هذه الضغوط، تقول إنّ الأولويّة للحرب في قطاع غزّة، ولكنّ تسريب النقاشات التي حصلت أمس في الحكومة الأمنية المضغرة التي شهدت خلافات عميقة بين الجيش وداعميه من جهة وبين وزراء اليمين المتطرّف من جهة أخرى، أظهرت أنّ هناك استعدادات جديّة لتوسيع الحرب، قريبًا، ضد لبنان.
ويبدو واضحًا من حراك الوزير في حكومة الحرب الإسرائيليّة بيني غانتس مع المسؤولين في العواصم الصديقة لإسرائيل أنّ القدرة على احتواء التصعيد على الجبهة الشماليّة لإسرائيل باتت محدودة للغاية، ولا بدّ من أن تُنجر الضغوط الدبلوماسيّة على لبنان حتى تفكك الصاعق الكبير.
وهذا ما تدركه واشنطن وباريس وبرلين ودول أخرى طلبت أو نصحت رعاياها، مجددًا بالخروج فورًا من لبنان.
ولم يكن جميع من التقى بهم مستشار الرئيس الاميركي آموس هوكشتاين في زيارته لإسرائيل متحفظين في الإفصاح عن خطط توسيع الحرب في لبنان، حتى إنّ وزير الدفاع الإسرائيلي ي وآف غالانت ذهب الى مستوى إعطاء “الدبلوماسيّة” فرصتها الأخيرة، معدّدًا “الأسباب الموجبة” لبدء نهاية قدرة إسرائيل على “احتواء الوضع”.
المبرر الإسرائيلي الذي يتم إبلاغه الى الدول المعنية بالشأن اللبناني يقوم على ثلاث ركائر: إسرائيل لا يمكنها أن تُبقي ثمانين ألف مستوطن بعيدًا من بلداتهم ومنازلهم لمدة تتجاوز شباط المقبل، وبالتالي لا بدّ من إيجاد حل يسبق حلول هذا التاريخ، وسكان شمال إسرائيل لن يتمكنوا، بعد تجربة غلاف غزة، من العودة الى منازلهم، فيما القوة العسكريّة ل”حزب الله” على بعد مئات الأمتار منهم، ويستحيل الركون الى ما يمكن أن يبلغه “حزب الله” من تطمينات لأنّه مثله مثل “حركة حماس” يعمل من أجل محو إسرائيل من الوجود، وما قامت به هذه الحركة في غلاف غزة، وعد “حزب الله” بمثله سابقًا، ولأكثر من مرة.
وفي واشنطن تبلّغ وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال اللبنانيّة عبد الله بو حبيب هذا التقييم الدولي للواقع الإسرائيلي الخطر على لبنان، فأفاد بأنّ الحكومة اللبنانيّة لا تستطيع أن تلعب أي دور لدى “حزب الله” يتخطى “النصيحة”، والموفدون الدوليّون الذين يتوافدون إلى لبنان أبلغوا في اتصالاتهم التحضيريّة السلطات اللبنانيّة بوجوب أن تأخذ من “حزب الله” كلمة واضحة بسحب قواته العسكرية عن الحدود مع إسرائيل، وإلّا فالحرب آتية لا محالة.
حزب الله” على لسان أمينه العام السيّد حسن نصرالله يرد على التهديدات بالحرب بالإعراب عن الترحيب بها معتبرًا أنّ ترهيب الشعب الإسرائيلي من الدمار والموت كفيل بتخفيف شروط الحكومة الإسرائيليّة وقبولها بإعادة الحال، فور انتهاء الحرب ضد غزة، الى ما كانت عليه سابقًا.
وترد إسرائيل أنّها تستطيع، إذا اضطرها الأمر، أن تستوعب خسائر الحرب المحسوبة، ودليلها على ذلك أنّها لا تتوانى، كل يوم، عن خرق ما يصفه “حزب الله” بالخطوط الحمراء، بحيث تستهدف من تريد أينما تريد، وبعيدًا من الجبهة، واغتيال القيادي في حماس صالح العاروري ليس سوى مثل صارخ في حين أنّ “حزب الله” يعرف الرسائل التي تضمّنتها هجومات أخرى، أصابته في الصميم!
إنّ الأسبوعين المقبلين سيكونان، بعيدًا من الخطابات والشعارات والمرجلات المتبادلة، أساسيّان في استكشاف ما إذا كان الكلمة العليا هي للحرب أو للتهدئة!