"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث
تابعونافلاش نيوز

"ذنبي أني مصاب بالتوحّد".. مأساة شاب حبس عشرة أعوام يتطلّع إلى فرصة ثانية

نيوزاليست
الجمعة، 17 نوفمبر 2023

"ذنبي أني مصاب بالتوحّد".. مأساة شاب حبس عشرة أعوام يتطلّع إلى فرصة ثانية

على مدى أكثر من عقد من الزمن، ظل نيكولاس البالغ من العمر 28 سنة، قابعاً في وحدات رعاية المصابين بالخرف وأجنحة الطوارئ في مستشفيات بريطانية، يتحمل إساءة معاملة طاقم التمريض، والاحتجاز في غرف مبطنة الجدران. ولم يتلق طوال تلك المدة الرعاية اللازمة

يقبع نيكولاس ثورنتون في غرفة بلا نوافذ، ويمضي ساعات يومه كلها مستلقياً على سرير لا يمكنه مغادرته. رفيقه الوحيد جهاز كمبيوتر محمول يستعين به للكتابة والتعبير عما يريد قوله، والتواصل مع العالم خارج الإطار الذي يعيش فيه.

هذا الشاب الذي يبلغ من العمر 28 سنة هو طريح الفراش، غير قادر على الحركة أو التكلم، نتيجة بقائه لأكثر من عقد من الزمن في مستشفيات ومرافق غير مجهزة للتعامل مع حاجاته الخاصة، فقد جرى على نحو متكرر نقل نيكولاس - المتوحد الذي يعاني صعوبات في التعلم - منذ أن صدر قرار قانوني بعزله واحتجازه عندما كان في سن الـ16 (يتم ذلك عادة بموجب “قانون السلامة العقلية”، والهدف منه هو إجراء تقييم شامل لوضعه لمعرفة ما إذا كان يشكل خطراً على نفسه أو على الآخرين بسبب حالته العقلية). وقد تم نقله مرات عدة إلى مرافق صحية مختلفة تقع على بعد مئات الأميال من منزل أسرته في مقاطعة إيسيكس في إنجلترا.

وتأتي قصة نيكولاس في وقت خلص فيه تحقيق مستقل - دام نحو أربعة أعوام وأشرفت عليه شيلا هولينز العضو في “مجلس اللوردات” البريطاني - إلى تأثيم الحكومة على فشلها في معالجة الإخفاقات “المنهجية”، التي أدت إلى احتجاز أشخاص يعانون صعوبات في التعلم في مستشفيات داخل غرف العزل الانفرادي، لمدة تصل إلى 20 عاماً.

وينبه تقريرها الدامغ إلى أن تقاعس الحكومة والفشل في اتخاذ التدابير اللازمة، تسبب بـ”زج” متعالجين في أجنحة المستشفيات ضمن بيئة “غير إنسانية”. ويأتي ذلك على رغم التعهدات التي أطلقتها بوقف استخدام مثل هذه المرافق للأشخاص المصابين بالتوحد، والذين يعانون صعوبات في التعلم، وذلك في إطار “مشروع قانون السلامة العقلية” Mental Health Bill الذي تأخر كثيراً، وهو الاقتراح الذي تم حذفه مرة أخرى من “خطاب الملك”.

احتجز نيكولاس في إحدى دور رعاية مصابين بالخرف، حيث كان يمكن لزملائه المتعالجين اقتحام غرفته وإزعاجه. إلى ذلك، تم وضعه في مرافق مخصصة لمتعاطي المخدرات، وفي أجنحة متعالجي السلامة العقلية، حيث تعين عليه تقاسم الغرف مع سجناء أحضروا إليها لتلقي العلاج. ومن المثير للصدمة أنه تعرض لمواقف مهينة، كقيام موظفي الرعاية - المكلفين الاهتمام برفاهيته - بتجريده من ملابسه وتركه عارياً على سرير من دون ملاءات.

طبعاً لم تكن تلك هي الحياة التي يطمح إليها نيكولاس، فقد كان يحلم بمشاهدة فريق كرة القدم “ويست هام” المفضل لديه، والسفر إلى المكسيك لقضاء عطلة، والاحتفال بعيد الأم مع والدته إيما التي تجلس إلى جانبه بينما هو يكتب ما يريد قوله.

لكن الآن، وبعد نحو 10 أعوام من الرعاية غير المناسبة التي أدت إلى تفاقم التحديات التي يواجهها في النطق والحركة، يجد نيكولاس نفسه بين آلاف الأفراد الذين تم إدخالهم إلى مؤسسات صحية، ووضعهم في رعاية غير مناسبة لهم، على رغم الضمانات والوعود الحكومية.

كان شخصاً محباً كثيراً للمغامرة وكان يهوى تجربة أشياء مختلفة — سيباستيان شقيق نيكولاس

يكتب نيكولاس وهو يحاول الوصول إلى حاسوبه المحمول بيده اليسرى - وهي الوحيدة التي يمكنه تحريكها - العبارة الآتية: “لماذا لا يمكنني أن أحظى بحياة لائقة؟“.

ويتابع “جريمتي الوحيدة هي أنني ولدت متوحداً وبصعوبات في التعلم. لماذا عليَّ أن أعيش عقاباً من هذا النوع؟ فقد سلبت مني حريتي بمجرد ولادتي، ونقلي من مكان إلى آخر في مختلف أنحاء البلاد، وتعرضت للإساءة”.

وأضاف “لماذا يتم التعامل مع الأشخاص المصابين بالتوحد وبصعوبات في التعلم، كما لو كنا مجرمين؟ هل من المبالغة أن نطلب الرعاية المناسبة، وأن نحظى بفرصة لحياة ذات معنى؟“.

الآن، يواجه نيكولاس احتمال فقدانه جهاز الكمبيوتر المحمول الخاص به - وهو وسيلته الوحيدة للاتصال بالعالم خارج هذا الجناح الخالي من أي نوافذ - لأن إدارة المستشفى ترى أن من غير الآمن وجود أسلاك في غرفته، لكنه مصمم على مشاركة قصته بينما لا يزال في إمكانه القيام بذلك.

محتجز داخل غرف مبطنة الجدران

تم تشخيص حالة نيكولاس بالتوحد عندما كان طفلاً صغيراً بسبب معاناته من الأضواء الساطعة والأصوات العالية، إلى درجة أنه كان يصاب بانهيار عصبي. وتقول والدته إنه على رغم ذلك، فقد عاش طفولة سعيدة في بلدة مالدون في مقاطعة إيسيكس، حيث كان يلعب البينغو معها، ويستمتع بأنشطة مثل الإبحار والرماية. أما شقيقه سيب، البالغ من العمر 26 سنة، فوصفه بأنه شخص يحب المزاح، ويهوى “المغامرة” كثيراً، ويرغب في تجربة أشياء مختلفة.

لكن في عام 2009، بدأ كابوس نيكولاس عندما كان في الـ14 من عمره، حين التحق بمدرسة داخلية لذوي الحاجات التعليمية الخاصة في مقاطعة هامبشير وتعرض للتنمر. ويقول “رفضت العودة إلى المنزل المشترك، إلى حين أن تتم معالجة مشكلة التنمر، لكن شيئاً لم يحدث. وانتهى بي الأمر بقضاء الليل بطوله في الخارج”.

قيل له إنه سيتم نقله إلى منزل آخر، لكن بدلاً من ذلك أرسل إلى إحدى وحدات السلامة العقلية للأطفال. ويقول في وصف ما حصل: “حزموا أمتعتي وأخذوني في حافلة صغيرة، وقادوها على طول الطريق إلى كامبريدجشير. وهناك أدخلت إلى مستشفى خاص مغلق”.

فضلت البقاء في غرفتي لأنني كنت خائفاً من المتعالجين الآخرين — نيكولاس ثورنتون

ويضيف “عندما كنت هناك، أصبت بمرض شديد، وكنت أتقيأ كثيراً. اخترت البقاء داخل غرفتي لأنني كنت خائفاً من المتعالجين الآخرين”. ويؤكد نيكولاس أنه تعرض لهجوم من طفل آخر، لكنه جرى عزله بموجب “قانون السلامة العقلية” Mental Health Act. وقال “حتى أنهم وصفوا لي (أدوية) مضادة للذهان لعلاج التوحد، على رغم عدم كوني مريضاً عقلياً أو ذهانياً”.

في سن الـ16، كان يتلقى علاجاً مكثفاً بالأدوية المضادة للذهان التي جعلته مخدراً على نحو كبير، وتعرض في كثير من الأحيان لتقييد جسدي من قبل الموظفين. وبعد فترة وجيزة، نقل إلى مستشفى آخر شديد الحراسة، إذ يقول إنه احتجز في غرفة مغلقة ومبطنة الجدران. ويؤكد أنه ما زال يتذكر “الأحداث المزعجة” التي وقعت داخل تلك الوحدة.

في عام 2012، تم إرساله إلى وحدة إعادة التأهيل في كولشيستر، حيث لاحظ أن العاملين هناك بدوا غير مدربين على نحو كاف على التعامل مع حاجاته الخاصة، وكان محاطاً بأفراد بالغين يعانون أمراضاً عقلية حادة.

ويمضي في وصف ما كان يحدث معه قائلاً: “كان بعض المتعالجين هناك مصابين بالفصام، ومنهم من كان يتعاطى المخدرات، أما البعض الآخر فقد أطلق سراحهم للتو من السجن”. وقد أخبره شخص آخر أنهم محتجزون في “مستشفى برودمور”، وهو مؤسسة للأمراض النفسية شديدة الحراسة، معروفة بإيواء مجرمين سيئي السمعة، بمن فيهم “سفاح يوركشير” بيتر ساتكليف (قاتل متسلسل دين بقتل 13 امرأة، ومحاولة قتل سبع أخريات ما بين عامي 1975 و1980).

“لم يكن قادراً على التأقلم”

عندما كان نيكولاس في سن الـ19، قام “المجلس المحلي في مقاطعة إيسيكس” Essex County Council بوضعه في شقة، حيث كان مقدمو الرعاية يزورونه فيها ثلاث مرات فقط في الأسبوع، وهو مستوى أقل بكثير من مستوى “المساعدة المدعومة” (الكافية للعيش على نحو مستقل) التي كان يحتا ج إليها بالفعل. ومع افتقاره إلى الدعم اللازم، ازدادت التحديات بالنسبة إليه وتدهورت حاله أكثر.

وتقول والدته: “لم يكن قادراً على تولي التنظيف أو الطهي بمفرده. كان في حاجة إلى دعم أكثر، لكن لم يوفر له. بدأ يتراجع اللفظ لديه. وكان من الواضح أنه لم يكن قادراً على التأقلم”.

أمضينا يوماً أخيراً معاً في إيسيكس قبل أن أضطر إلى المغادرة — نيكولاس ثورنتون

جرى نقل نيكولاس مرة أخرى، لكن هذه المرة إلى أحد المنازل المخصصة للأفراد الذين يعانون مشكلة تعاطي المخدرات. وفيما كان يجد مصاعب في التحرك، كان يضطر إلى جر نفسه على الأرض لطلب المساعدة. وكان يتردد إلى مسامعه صدى الضجيج والطرق المستمر من الغرف المحيطة به، فيما كانت رائحة حشيشة القنب تفوح في الأجواء. وقال “قررت المكوث في غرفتي هنا تجنباً للاختلاط بهم، لأنه ينبغي ألا أكون قرب أشخاص من هذا القبيل”.

في تلك المرحلة توقف نيكولاس عن النطق على نحو شبه كامل، ولم يكن يتمكن من التواصل إلا من طريق الكتابة، لكن بدلاً من أن يحصل على دعم إضافي، طرد بسبب إهماله مساحة معيشته. ومع عدم وجود مكان لإيوائه، أرسله المجلس المحلي وحده على متن حافلة، للمكوث مع جدته وجده المنفصلين في لينكولنشير.

ويصف تلك المرحلة بالقول: “كنت أبكي كثيراً، وكذلك أمي. أمضينا يوماً أخيراً معاً في إيسيكس قبل أن أضطر إلى المغادرة. لم تكن والدتي قادرة على إيوائي في منزلها، ولم يكن لدي مكان آخر أذهب إليه”.

أقام نيكولاس لنحو ستة أشهر، داخل عربة كارافان كانت مركونة في الحديقة الأمامية لمنزل جديه، قبل أن يقوم اختصاصي اجتماعي بتدبير مكان طارئ له لدى منظمة “جيش الخلاص” Salvation Army الخيرية (مؤسسة كنسية بروتستانتية).

وقد أدى غياب الدعم اللازم لنيكولاس، إلى تناوله جرعة زائدة عن غير قصد من مسكنات الألم، ونقله إلى قسم “الحوادث والطوارئ A&E في “مستشفى بوسطن”. ويقول إنه واجه هناك - تحت رعاية هيئة “خدمات الصحة الوطنية” (أن أتش أس) NHS - أسوأ أنواع الانتهاكات التي تعرض لها خلال عقد من الرعاية السيئة.

“سلبت مني الحياة”

قبع هذا الشاب لمدة ثمانية أشهر في عام 2018، في أحد الأجنحة العامة للمستشفى، حيث كان يتعرض لضوضاء عالية وأضواء ساطعة مستمرة، مما أدى إلى زيادة التحديات الحسية المرتبطة بالتوحد لديه. وفيما كان يكافح في هذه البيئة، ظل طريح الفراش مصاباً بصدمة شديدة بسبب التجربة المؤلمة التي واجهها عندما كان يرى متعالجين آخرين يموتون من حوله.

ونتيجة ملازمته الفراش، أصيب بقروح كبيرة في جسمه. وزعم أيضاً أن ممرضة وضعت في إحدى المرات وسادة على وجهه، مما أدى إلى فتح المستشفى تحقيقاً معها في وقت لاحق، وقامت بعد ذلك بإبلاغ الشرطة بما حصل.

يروي نيكولاس: “دخلت ممرضة إلى غرفتي وانهالت عليَّ بالضرب قائلة إنهم يكرهون الأشخاص ذوي الإعاقة، ثم أمسكت بوسادة وضغطت بها على وجهي. ولحسن الحظ رأتها عاملة التنظيف وتدخلت. وكان كثيراً ما يقف أفراد طاقم المستشفى عند باب غرفتي، ويسخرون مني بإصدار أصوات حيوانات”.

دخلت الممرضة وانهالت عليَّ بالضرب قائلة إنهم يكرهون الأشخاص ذوي الإعاقة — نيكولاس ثورنتون

“مؤسسة مستشفيات يونايتد لينكولنشير” United Lincolnshire Hospitals NHS Trust التابعة لهيئة “خدمات الصحة الوطنية” (وهي المسؤولة عن “مستشفى بوسطن”)، أفادت بأن حادثة الوسادة المزعومة في عام 2018، تم التحقيق فيه وفقاً لسياساتها ذات الصلة، مؤكدة أن القضية أحيلت على وكالات خارجية بما فيها قوى الحماية وأجهزة الشرطة. وأوضحت أن المخاوف الأخرى التي أعرب عنها نيكولاس، قد تمت إحالتها إلى فريق الحماية المحلي للتحقيق فيها، لكن “ما فهمناه هو أنه لم يتم إثبات تلك الادعاءات أو تأييد أي منها”.

شرطة لينكولنشير أوضحت من جانبها أنها أحالت القضية على النيابة العامة، لكن تم “تعليقها” لاحقاً من جانب “النيابة العامة الملكية” Crown Prosecution Service.

نيكولاس أكد لـ”اندبندنت” أن قوى الحماية المحلية لم تجر مقابلة مباشرة معه في ما يتعلق بمزاعمه عن سوء الرعاية والمعاملة في “مستشفى بوسطن”.

بعد ذلك، تم وضع نيكولاس في إحدى دور رعاية مصابين بالخرف المسنين، في مقاطعة “ويست ميدلاندز”، إذ عانى على مدى ستة أشهر من العزل والحبس في غرفته 24 ساعة في اليوم. وكانت البيئة المحيطة به تضج بالضوضاء وبأصوات أجهزة الإنذار المستمرة طوال الوقت، فيما كان متعالجون آخرون يقتحمون غرفته بحرية. وتتذكر شقيقته - التي وصفت أجواء الدار بأنها “مرعبة” - حادثة “دخلت فيها متعالجة شديدة الاختلال، إلى غرفة نيكولاس بشكل متكرر، محاولة لمسه”.

ويقول نيكولاس: “لم يكن من المفترض أن أكون هناك. كنت عالقاً في غرفتي كل الوقت، وقد رفضوا السماح لي بالخروج من السرير. أنا لست شخصاً طاعناً في السن، فلماذا وضعت هناك في الأساس؟“.

في عام 2019، احتجز في وحدة أخرى للسلامة النفسية في كولشيستر. ومنذ ذلك الحين، لم يطرأ أي تحسن في نوعية رعايته. واستمر نيكولاس في مواجهة الإهانات وحتى سوء المعاملة، إضافة إلى عمليات النقل المتكررة إلى أنحاء مختلفة من البلاد، بعيداً من أسرته وأصدقائه.

“عندما بدأوا بوضعي في أماكن غير مناسبة بعد المستشفى، ونقلوني إلى مختلف أرجاء البلاد، شعرت بأن الحياة قد سلبت مني - تلك الحياة الاجتماعية التي كنت أعيشها مع أصدقائي وعائلتي، والتواصل الذي كنت أتمتع به مع أصدقائي والعائلة، والقدرة على معانقة أفراد أسرتي”.

وفي أحد مرافق الرعاية المدعومة من الحكومة في ويلز في عام 2020، تحدث نيكولاس عن سوء معاملة مستمرة تعرض لها من جانب الموظفين، بما في ذلك تجريده من ملابسه وتركه عارياً على سرير خال من أي ملاءات. وفي نهاية المطاف، فقد القدرة على استخدام إحدى ذراعيه. وإضافة إلى ذلك، كان الموظفون هناك يصدرون أصواتاً شبيهة بالحيوانات عندما كان مستلقياً على الأرض ويجد صعوبة في النهوض.

وفي وقت لاحق من عام 2021، تم نقله إلى جناح موقت مجاور لقسم الطوارئ في كارديف، ليجد نفسه محاطاً بالفوضى السائدة في تلك البيئة. واضطر إلى البقاء هناك لمدة 17 شهراً. ووفقاً لوالدته إيما، فإن “الموظفين لم يتمكنوا من تلبية حاجاته. أما بيئة الجناح الذي وضع فيه، فكانت تعم بالصخب والفوضى فيما كانت الإنارة فيها ساطعة للغاية، مما شكل له تحديات كبيرة. ولم يقدموا له وجبات طعام تلائم حاجاته الحسية”.

وواجه اضطرابات أخرى عندما أوصى تقييم لسلامته العقلية بنقله مرة أخرى ووضعه في وحدة السلامة العقلية في مركز “هافان واي كويد” Hafan y Coed العلاجي، حيث جرى تقييده جسدياً لإعطائه الدواء. بعد ذلك، في يونيو (حزيران) من هذه السنة، نقل إلى وحدة السلامة العقلية في روتشفورد، وهي جزء من “مستشفى الشراكة مع جامعة إيسيكس” University Partnership NHS Trust التابع لـ”خدمات الصحة الوطنية”. وقد خضعت تلك الوحدة أخيراً للتدقيق في تقرير أعده برنامج “ديسباتشز” Dispatches الاستقصائي الذي يبث على “القناة الرابعة” البريطانية، في ما يتعلق بسوء معاملة متعالجين والاستخدام غير الضروري للتقييد في علاجهم. ويواجه المستشفى أيضاً تحقيقاً عاماً في وفيات عدد من المتعالجين الداخليين.

ويقول إن “ذلك المستشفى كان الأسوأ على الإطلاق، فقد ذهبت إلى كثير من الأماكن السيئة، لكن هنا، أشعر بقلق حقيقي على حياتي بسبب طريقة المعاملة، والتعرض للحقن والتقييد، كما أن أجهزة الإنذار تنطلق باستمرار، والناس لا يكفون عن الصراخ وتحطيم الأشياء، وإغلاق الأبواب بقوة… إنه فعلاً لأمر مؤلم”.

لدى الاتصال بإدارة المستشفى، أجابت بأنه لا يمكنها التعليق على حالات فردية، لكنها أكدت أن المتعالجين يتم علاجهم بعناية وتعاطف.

هذا الموقف كرره متحدث باسم “مجلس الصحة في جامعة كارديف وفيل” Cardiff and Vale University Health Board، الذي يدير وحدة السلامة العقلية “هافان واي كويد”، قائلاً إنه لا يمكنه التعليق على حالات فردية، لكنه أضاف أن “استخدام التقييد الكيماوي لا يمارس داخل ’مجلس الصحة في جامعة كارديف وفالي‘“.

وقالت المنظمة إنها تعمل “ضمن أقل بيئة تقييدية ممكنة”، مضيفة أنه قد يكون من الضروري في بعض الأحيان أن يتدخل الموظفون إذا كان المريض معرضاً لخطر الأذى. وذكرت أنه يصار إلى استخدام تقنيات “الاحتجاز الآمن” كملاذ أخير في حالات الطوارئ.

“أسوأ من معاملة حيوان داخل قفص”

في المملكة المتحدة، هناك 2005 أفراد وضعهم يشبه وضع نيكولاس، يجدون أنفسهم مجبرين على تلقي رعاية غير مناسبة، ونصفهم محتجز لأكثر من عامين. من هؤلاء 205 أطفال يعانون التوحد ومن صعوبات في التعلم، وهم محتجزون في وحدات المتعالجين الداخليين، تماماً كما حدث مع نيكولاس في السابق. ويعاني عدد لا يحصى من الأشخاص الآخرين أوضاعاً مماثلة بسبب عدم توافر حتى أبسط مستويات الرعاية الجسدية الأساسية.

وتتكشف رواياتهم في وقت دان فيه تحقيق دام أربعة أعوام، تقاعس الحكومة وفشلها في اتخاذ تدابير مناسبة لخفض عدد الأشخاص الذين يعانون صعوبات في التعلم والتوحد، الذين يبلغ عددهم 115 شخصاً، وهم قابعون في الوقت الراهن، في حجز انفرادي في المستشفيات.

وتقول شقيقته أليكس إن “نيكولاس عومل بطريقة وكأن ليس له حق في الحياة، وعلى نحو أسوأ من حيوان محاصر داخل قفص”.

وتضيف أن “هذه التجربة تجعلك تدرك مدى قساوة الناس في تعاملهم مع الآخرين. إن التوحد ليس مرضاً عقلياً، فالأفراد المصابون به يكون سلوكهم مختلفاً فقط. لقد كانت الأعوام الـ10 الأخيرة التي أمضيتها في الدفاع عن هذه القضية، أشبه بضرب الرأس بجدار من الطوب أو بشجرة، لأنه لا يبدو أن أحداً يصغي إليك حقاً. فالمركز العلاجي (إيسيكس) يتجاهلنا، ويصرف انتباهنا عن المشكلة. نحاول إجراء مكالمات والتواصل مع أشخاص، لكن الأمر يكون محبطاً عندما لا تلقى أي تعاون أو ردود، خصوصاً أن نيكولاس ليس الوحيد الذي يمر بهذه التجربة، لكنه يظل شقيقي، ومن المحزن للغاية أن أجد نفسي عاجزة عن مساعدته”.

سلبت مني الحياة الاجتماعية التي كنت أعيشها مع أصدقائي وعائلتي — نيكولاس ثورنتون

“مجلس مقاطعة إيسيكس” أكد أنه يعمل على ضمان تلقي المتعالجين ذوي الحالات المعقدة، المستوى المناسب من المساعدة، وأنه سينظر بعناية في المخاوف التي أثيرت.

في غرفة داخل “مستشفى روتشفورد”، تراقب كاميرا جميع تحركات نيكولاس، مما يجعله يشعر بأنه فاقد لأي خصوصية. وقد اضطر إلى وضع نظارة شمسية لحماية عينيه من الأضواء الساطعة التي تتسرب إلى الغرفة، على رغم الجهود المبذولة لحجبه بغطاء داكن فوق الباب الزجاجي المستصقع والموصد من الخارج. وهو الآن يخشى أن تتم مصادرة جهاز الكمبيوتر المحمول الخاص به.

ويقول لو كان في وسعه الاختيار، فسيفضل أن يخدر إلى حين أن يتمكن من مغادرة الوحدة، على أن يظل واعياً وتحمل الفظائع التي يتعين عليه مواجهتها على نحو يومي. وفيما قالت إدارة “مستشفى الشراكة مع جامعة إيسيكس” إنها لا تستطيع التعليق على حالات فردية، فقد أصرت على تأكيد موقفها المتعلق بحصول المتعالجين على الرعاية والتعاطف.

والدة نيكولاس عبرت عن حزنها قائلة، “لا أود أن أراه في هذه الحالة. إنه يحتاج للرعاية المناسبة ويستحق الحياة”.

الآن - وبعد رفع الأمر القانوني الإلزامي المتعلق بنيكولاس، الذي يستدعي إبقاءه في المستشفى لأسباب تتعلق بالسلامة العقلية - لم يعد هناك من مسوغ لمكوثه في المستشفى لتلقي العلاج، لكن العثرة تكمن في عدم قدرة السلطات على التوصل إلى توافق في الآراء، في تمويل مكان مناسب لإيوائه، حيث يمكنه تلقي الرعاية المناسبة له، ومنحه فرصة عيش الحياة التي يتوق إليها.

The Independent

المقال السابق
ضوء..في نفق تحقيق انفجار المرفأ
نيوزاليست

نيوزاليست

مقالات ذات صلة

في عيد الشكر.. بايدن يعفو عن ديكين روميين

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية