تسفي برئيل- هآرتس
وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان هو أحد أكثر الأشخاص الذين ينشطون هذا الشهر في الساحة الدبلوماسية الإقليمية. في الأمس (الأربعاء)، التقى أمير قطر الشيخ تميم بن حمد، وعلى طريقه، عقد اجتماع عمل مع إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس”، وبعد ذلك فوراً، استقل الطائرة إلى أنقرة، حيث التقى نظيره التركي حاكان فيدان، وهذه ليست المرة الأولى هذا الشهر. في غضون ذلك، أجرى عبد اللهيان محادثات سياسية مع نظيره السعودي فيصل بن فرحان، ودرس التحذيرات الأميركية التي وصلته من خلال السعوديين والأتراك، والتي تطلب من إيران عدم التدخل في معركة غزة من خلال فتح جبهة ثانية، وخاض أيضاً حروباً داخلية بين السياسيين الإيرانيين الصقريين الذين يدفعون إلى مواجهة واسعة من أجل إظهار التضامن مع الفلسطينيين و”ضرب غطرسة الصهاينة والولايات المتحدة”، وبين الذين يتخوفون من خطوات يمكن أن تُلحق الضرر بمكانة إيران في الإقليم، أو بأرصدتها الجيوسياسية. الآن، المهمة المعقدة لعبد اللهيان هي إيجاد الظروف السياسية التي تستطيع إيران بواسطتها الإمساك بالعصا من طرفيها، وأن تكون شريكة في النضال الفلسطيني، من دون أن تتورط.
معضلة “اليوم التالي” ليست محصورة بإسرائيل. فإيران وحزب الله يسيران على حافة الهاوية؛ من جهة، تهديدات واشتباكات عسكرية على الأطراف، ومن جهة ثانية، جهود دبلوماسية للتهدئة، لكي يكون “اليوم التالي”، بالنسبة إلى إيران، شبيهاً بـ”اليوم السابق”، بقدر الممكن. الفيديو الترويجي “لخطاب الخطابات” الذي من المنتظر أن يُلقيه حسن نصر الله يوم الجمعة، الساعة الثالثة بعد الظهر، دفع بوسائل الإعلام العربية والإسرائيلية إلى سيل من التنبؤات والتوقعات والتقديرات بشأن ما سيقوله. هل سيعلن بدء الحرب الشاملة ضد إسرائيل، أم سيستعرض انتصارات وإنجازات الحزب حتى الآن، ويعتبرها مساهمة جوهرية ومشاركة مهمة في النضال الفلسطيني؟
بالتأكيد، سيعدّد نصر الله الهجمات التي نفّذها ضد أهداف إسرائيلية، عسكرية ومدنية، وإخلاء عشرات المستوطنات وآلاف المدنيين الإسرائيليين من منازلهم، والجرأة على خرق قواعد الاشتباك مع إسرائيل التي وُضعت بعد حرب لبنان الثانية [حرب تموز/يوليو 2006]. من جهة أُخرى، يسمع حزب الله جيداً الانتقادات الموجهة إليه من زعماء “حماس” الذين يقولون، علناً، إنهم كانوا يتوقعون أكثر من شريك الدرب والعضو البارز في حلف “وحدة الساحات” التي اعتمدت عليها المعركة في غزة، والشريك الكامل في غرفة الع مليات التي أقامها حزب الله و”حماس” والجهاد الإسلامي وإيران.
لكن بالنسبة إلى إيران وحزب الله، المسألة ليست فقط الوفاء بالوعود، أو التعاطف العسكري مع “حماس”. هناك مخزون من الاعتبارات مؤلف من 3 حلقات على الأقل. الحلقة الأقرب، التخوف من أن يؤدي انهيار “حماس” إلى توجيه ضربة شديدة إلى الفكرة والاستراتيجيا اللتين يقوم عليهما مصطلح “محور المقاومة”. هذا المحور مؤلف، إلى جانب حزب الله، من التنظيمات الفلسطينية والميليشيات الشيعية في العراق والحوثيين في اليمن. صحيح أن كلاً من هذه التنظيمات لديه جدول أعمال محلي في الدول التي ينشط فيها، لكنها ملتزمة كلها، نظرياً، العمل ضد الأعداء المشتركين، وعلى رأسهم إسرائيل والولايات المتحدة والأنظمة الموالية للغرب، وتلك التي طبّعت علاقاتها مع إسرائيل.
محور غير متوازٍ
أهمية ومكانة هذه الأذرع ليست متساوية، لا من ناحية قدراتها العسكرية ولا من ناحية أهميتها الاستراتيجية. على سبيل المثال، الحوثيون في اليمن هم إضافة جديدة، نسبياً، إلى المحور، لقد انضموا إلى الدائرة الإيرانية فقط في سنة 2021. والصحيح أنهم أظهروا فائدتهم في الهجوم على أهداف استراتيجية في السعودية والإمارات (إلى حد أن دولة الإمارات أخرجت قواتها من اليمن في نها ية سنة 2019، وتوصلت إلى اتفاق مع إيران)، ومؤخراً، أطلق الحوثيون صواريخ ومسيّرات نحو إسرائيل، لكن إيران وحزب الله (الذي يدرب القوات الحوثية) لم يجندا “محور المقاومة” من أجل إنقاذ الحوثيين في الحرب المستمرة ضدهم منذ سنة 2015، بقيادة السعودية.
الميليشيات الشيعية في العراق ليست مصنوعة من القماشة نفسها. جزء منها يعارض النفوذ الإيراني في العراق، وهو تابع للمرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني. لكن حتى الميليشيات التي تُعتبر تابعة لإيران، فهي لا تعمل كجسم واحد. وهي تابعة، رسمياً، لوزارة الدفاع العراقية، وتتلقى رواتبها من ميزانية وزارة الدفاع، ويتوزع ولاؤها بين رعاة محليين من سياسيين عراقيين مؤيدين لإيران، وقد أظهر قادة هذه الميليشيات استقلالهم عن رؤسائهم في إيران. ومؤخراً، قيل إن هذه الميليشيات لم تقرر بعد ما إذا كانت ستشارك في حرب غزة، وتفتح جبهة في العراق ضمن إطار “محور المقاومة”. وجزء منها اكتفى بإطلاق صواريخ ومسيّرات على أهداف أميركية موجودة في الأراضي العراقية والسورية. ومنذ الحرب في غزة، دار الحديث حول عشرات الهجمات التي جرى الرد عليها بقصف أميركي مدروس. لكن وزير الدفاع الأميركي أوضح هذا الأسبوع في جلسة استماع في الكونغرس الأميركي، أنه إذا استمرت الهجمات، فإن الولايات المتحدة ستردّ بقوة، ومعنى ذلك إلحاق ضرر كبير ومدمر بقواعد هذه الميليشيات، وبمواقع إيرانية في العراق وسورية.
الذي يكمل الدائرة “القريبة” في محور المقاومة هو حزب الله، الرصيد الأهم الذي تملكه إيران في الشرق الأوسط، والعنصر المركزي في استراتيجيا نشر نفوذها في المنطقة. مشكلة إيران أن حزب الله هو زعيم دولة، بمعنى أن أي قرار سياسي، أو اقتصادي، أو عسكري، في لبنان، لا يمكن أن يُتخذ من دون موافقته. صحيح أن الميليشيات الشيعية في العراق لديها قوة كبيرة في إدارة الدولة، وأن الحوثيين يديرون نصف الدولة في اليمن، لكن هذين التنظيمين مكوّنين من طبقة واحدة في داخل تركيبة معقدة. في لبنان، حتى عندما تؤلَّف حكومة فاعلة، مع أن الحكومة هي مصطلح نظري، فإن حزب الله هو الدولة.
المسألة اللبنانية
هنا تكمن الحلقة الثانية في المعضلة الإيرانية، والتي تفرض عليها المحافظة على لبنان كدولة، كي لا يعود حزب الله إلى وضعية تنظيم مضطر إلى التنافس مع تنظيمات وحركات أُخرى في لبنان. فتح جبهة كاملة في لبنان ضد إسرائيل والرد الإسرائيلي، وربما الأميركي الواسع النطاق، قد يعيد لبنان إلى العصر الحجري، حسبما هدد سياسيون إسرائيليون، لكن يمكن أن يشعل من جديد حرباً أهلية، وبدلاً من أن يدير حزب الله الدولة، فسيتحول إلى تنظيم يدافع عن بقائه. بالنسبة إلى إيران، سيكون هذا بمثابة كارثة استراتيجية خطِرة، وسيُحدث اضطراباً أكبر كثيراً من المس بفكرة “محور المقاومة”. في الحلقة الثالثة من خريطة الاعتبارات الإيرانية، يوجد تخوف من مواجهة عسكرية شاملة مع الولايات المتحدة نتيجة تدخّل إيراني مباشر في الحرب بين إسرائيل و”حماس”. تداعيات هذه المواجهة على إيران، لا جدوى من التوسع في الحديث عنها حالياً، لكن يمكن القول، من دون أدنى شك، إنه على الرغم من كون إيران دولة شيعية، فإنها ليست انتحارية. الآن، أوكلت إيران إلى حسن نصر الله تبليغ الجمهور بقرار طهران. ونصر الله لا يحتاج إلى مصباح كي ينير طريقه بين هذه الاعتبارات الاستراتيجية الإيرانية المعقدة، فهو شريك كامل في بناء هذه الاستراتيجيا الإقليمية، وسيكون من المثير أن نسمع كيف سيتنقل بينها.