إفرايم غانور- معاريف
الخطر يتعاظم: لا يجوز لإسرائيل تأجيل، أو احتواء تهديد حزب الله
الأجواء الصعبة على الحدود الشمالية في هذه الأيام، ومطالبة سكان الخط الحدودي بإزالة تهديد حزب الله المواجه لبلداتهم فوراً، يذكّر، إلى حد بعيد، بالثامن من حزيران/يونيو 1967 في حرب الأيام الستة. يومها، كان الجيش الإسرائيلي استكمل احتلال شبه جزيرة سيناء، ووزير الدفاع موشيه دايان توقف عن التقاط الصور بالقرب من حائط البُراق، وبعد توحيد القدس واحتلال الضفة الغربية. وحدها الحدود السورية في شمال البلد، التي أقلقت بصورة يومية وحادة ومؤلمة سكان الشمال وسهل الحولة، منذ بداية الستينيات، بقيت من دون تغيير، أو ردّ شامل.
قائد المنطقة الشمالية، آنذاك، اللواء ديفيد إليعيزر انتظر مع أوامر عملية “مكبث” لاحتلال المواقع السورية في هضبة الجولان موافقة دايان. وزير الدفاع خاف من التهديدات التي وصلت من الاتحاد السوفياتي الذي طالب بوقف الحرب فوراً وعدم مهاجمة سورية. وزير الدفاع الذي كان يعاني جرّاء خوف هوسي من الاتحاد السوفياتي، ومن تهديداته، أوقف الهجوم الإسرائيلي على السوريين المتحصّنين في الهضبة. لكن رئيس مستوطنات الشمال وسهل الحولة، الذي رأى في الحرب فرصة لن تتكرر لإنهاء معاناتهم، لم يتنازل. فقام مع قائد المنطقة الشمالية، وبمساعدة وزير العمل، آنذاك، يغآل ألون، وبموافقة رئيس الحكومة ليفي أشكول، بحضور جلسة الحكومة في 8 حزيران/يونيو 1967، وطالب بحدّة من دايان ووزراء المجلس الوزاري الأمني المصغر بعدم إنهاء هذه الحرب من دون احتلال المواقع السورية في هضبة الجولان، وبهذه الطريقة، تنتهي معاناتهم المستمرة منذ وقت طويل.
ترأس وفد رؤساء المستوطنات يعقوب أشكولي، من كيبوتس كفار جلعادي، والذي صرخ في وجه دايان والوزراء بغضب، قائلاً: “اخبروني، هل نحن جزء من هذه الدولة، ومن حقنا أن يدافع الجيش الإسرائيلي عنا كما يدافع عن سائر الدولة كي نفهم”. على الرغم من الغضب والتأييد لمستوطنات الشمال، ظل دايان مصراً على رفضه، لكنه طرح في مرحلة معينة فكرة واهية - نقل جزء من المستوطنات الى غربي الحدود السورية. في نهاية الأمر، جرى الضغط على دايان واقتنع. وفي اليوم التالي، وافق على بدء الهجوم على هضبة الجولان، وما حدث أصبح جزءاً من التاريخ.
بالعودة إلى أيامنا هذه. وبينما يركز الجيش الإسرائيلي على مشكلات غزة، وتحرير المخطوفين، واقتلاع “حماس” والجهاد الإسلامي، تحولت الحدود الشمالية إلى مصدر إزعاج وقلق لعشرات الآلاف من سكان الشمال، الذين يشكل حزب الله تهديداً حقيقياً في مواجهتهم. وللسماح بعودة أغلبية السكان إلى منازلهم، وقبل كل شيء، يجب العمل على تطبيق القرار 1701. هذا القرار الذي أقرّه ووقّعه مجلس الأمن في 12 آب/أغسطس 2006، والذي دعا إلى وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله، ونشر قوات مسلحة تابعة للأمم المتحدة إلى جانب الجيش اللبناني في الجنوب اللبناني، ومنع دخول السلاح ووجود عناصر لحزب الله جنوبي نهر الليطاني. لكن هذا القرار انتهكه الحزب بصورة فجة. ومن الغريب وغير المفهوم لماذا لم تطرح إسرائيل هذه المسألة حتى اليوم على مجلس الأمن في الأمم المتحدة.
المرحلة الثانية من معالجة مشكلة حزب الله، ستؤجَّل إلى موعد آخر، عندما لا يكون هناك أدنى شك في أن دولة إسرائيل والجيش الإسرائيلي سيشهدان تغييراً مهماً في نهاية الحرب الحالية. ووفقاً لأغلبية التوقعات، ستؤلَّف حكومة جديدة بقيادة مختلفة. الدروس المهمة والملحة التي ستُطرح على طاولتها، ستكون دروس السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، دروس مهمة وواضحة بصورة قاطعة: دولة إسرائيل لن تسمح لنفسها بالعيش تحت أي تهديد كان، وبالتأكيد ليس تحت تهديد عشرات الآلاف من الصواريخ والقذائف والمسيّرات من كل الأنواع، بعضها دقيق وفتاك. هذا التهديد يتعاظم يوماً بعد يوم، وفي الأساس، هدفه ضمان استكمال البرنامج النووي الإيراني.
حتى لو أعاد حزب الله عناصره إلى شمالي الليطاني، ولو ساد الشمال هدوء موقت، بهدف تخديرنا، ممنوع على إسرائيل تأجيل، أو احتواء هذا التهديد من الشمال. يجب على الجيش الإسرائيلي أن يكون، بعد هذه الحرب، أقوى وأكبر وأكثر خبرةً، في ضوء الواقع الناشىء حولنا. ويتعين على هذا الجيش المحدث إعداد الخطط لعملية ذكية ومبتكرة ومفاجئة، بهدف القضاء على التهديد الذي يشكله حزب الله على الشمال، وعلى دولة إسرائيل كلها - مع الحد الأدنى من الإصابات والأضرار - وإعادة الهدوء والطمأنينة إلى الحدود مع لبنان، واللذين سادا في السنوات العشرين الأولى للدولة ،عندما كانت هذه الحدود هي الأكثر هدوءاً.