يهودا بالنغا- يسرائيل هيوم
ليس لدى إسرائيل عقيدة أمنية مكتوبة. لديها نظرية أمنية، وفي نيسان/ أبريل 2006، قدمت لجنة صوغ النظرية الأمنية لإسرائيل، برئاسة دان مريدور، خلاصاتها وتوصياتها إلى رئيس الحكومة إيهود أولمرت ووزير الدفاع، آنذاك، شاوول موفاز. وجرت الموافقة على التوصيات، لكن التقرير لم يُقرّ بصورة رسمية قط.
في حرب 1948، انتهجت إسرائيل عقيدة قتالية تستند إلى استخدام قوة عسكرية كبيرة وسريعة وهجمات مفاجئة ونقل الحرب إلى أراضي العدو. وطبّقتها بصورة جيدة في حرب سيناء (1956)، وفي حرب الأيام الستة (1967). وكانت الذريعة المركزية لانتهاج هذه النظرية الأمنية الهجومية هي ظروف إسرائيل الصعبة من الناحية الجغرافية، وكونها دولة أقلية يهودية مُطاردة. لذلك، كان المطلوب أن يكون لديها قدرة ردع تحبط نيات جيرانها، من خلال التهديد الدائم بتوجيه ضربة استباقية ضدها. لكن في سنة 1967، وبعد أن احتلت إسرائيل أراضي أكبر من أراضيها بثلاثة أضعاف، اعتقدت القيادتان السياسية والعسكرية أن سيناء والضفة الغربية وهضبة الجولان تشكل معاً عمقاً استراتيجياً كافياً لإسرائيل، وبذلك يمكنها التخلي عن الضربة الاستباقية…
لماذا هذه المسألة ذات دلالة الآن؟ لأنه منذ 8 أكتوبر، يقاتل حزب الله إسرائيل بقوة متصاعدة، ويهاجم أه دافاً إسرائيلية على الحدود الشمالية، ويختار أهدافه بصورة دقيقة. وبالاستناد إلى المنتدى المدني “لوبي 1701”، أطلق الحزب على إسرائيل، في كانون الثاني/يناير، 103 صواريخ دقيقة و520 صاروخاً وقذيفة. كما جرت 39 محاولة تسلُّل وإطلاق مسيّرات من لبنان في اتجاه إسرائيل. ومنذ نشوب الحرب، جرى إجلاء نحو 69 ألفاً من سكان الشمال عن منازلهم.
بما أننا لا نملك عمقاً استراتيجياً وقدرة على خوض حرب طويلة، يجب استعادة الردع في الشمال، ونقل الحرب إلى أراضي العدو
صحيح أن الحرب في غزة تجذب إليها معظم الاهتمام في البلد، لكن التداعيات الأمنية للمواجهات في الشمال لا تقل أهمية. فبالإضافة إلى الهجوم على مواقع وقواعد عسكرية، وإلى جانب التهديد الأمني لسكان المستوطنات القريبة من الحدود، تجري حرب اقتصادية ضد إسرائيل. وفي يوم الخميس الماضي، أصاب صاروخ مضاد للدروع مزرعة دواجن في مرغليوت. وقبل شهر ونصف الشهر، أُصيبت مزرعة دواجن في موشاف دوفيف. وتسبب الهجومان بأضرار مادية ودمار.
يجب المبادرة إلى خلق معادلة موازية، عسكرية واقتصادية، لا يستطيع حزب الله ولبنان تحمُّلها
وتقدم الأرقام صورة مقلقة: بالاستناد إلى تقرير مركز الأبحاث والمعلومات في الكنيست، منذ 30 تشرين الأول/أكتوبر 2023، يتم إنتاج 49.3% من حليب الأبقار، و80% من حليب الأغنام، و70% من البيض الصالح للأكل، في حيفا والشمال. وبالإضافة إلى ذلك، فإن 45% من محاصيل الخضار، و61% من الفاكهة، يأتي من حيفا والشمال. ومعنى هذا ليس فقط خسارة المحصول الزراعي هذا العام، أو ارتفاعاً في الأسعار بسبب النقص، مستقبلاً، في مجال الدواجن والبي ض والخضار والفاكهة، بل أيضاً خسارة محاصيل السنوات المقبلة، بسبب عدم القدرة على الاهتمام بالأرض وبالأشجار وتجهيزها للسنوات المقبلة.
لقد وضع نصر الله في خطابه في الأسبوع الماضي “قواعد… ومعادلات… وردوداً ملائمة”، رداً على عمليات الجيش الإسرائيلي في لبنان. لكن بينما نحن نحصي الهجمات على أهداف عسكرية وجثث “المخربين”، يحصي نصر الله خسائرنا الاقتصادية. هذه النقطة بالذات هي التي يجب علينا أن نطبّق عليها النظرية الأمنية الإسرائيلية. وبما أننا لا نملك عمقاً استراتيجياً وقدرة على خوض حرب طويلة، يجب استعادة الردع في الشمال، ونقل الحرب إلى أراضي العدو. ويجب المبادرة إلى خلق معادلة موازية، عسكرية واقتصادية، لا يستطيع حزب الله ولبنان تحمُّلها. لبنان يعاني جرّاء أزمة اقتصادية حادة، وما من سبب يمنعنا من مفاقمتها، وإعطاء السكان المحليين ذريعة للوقوف ضد حزب الله الذي يجرّهم إلى صراع غير ضروري.