لأكثر من ست ساعات، تمّ احتجاز رئيسة اللجنة الفاعلة للأساتذة المتعاقدين في التعليم الرسمي الدكتورة نسرين شاهين في المباحث الجنائية في قصر العدل في بيروت، بإشارة من النائب العام التمييزي غسان عويدات، بعد شكوى قدح وذم من وزير التربية عباس الحلبي ضدّها. والسبب المباشر للشكوى هو تصريح لها على صفحة فيسبوك أزعج الحلبي وهو تصريح كشفت فيه نسرين عن توظيفات أجراها الوزير من خارج الأطر القانونية.
وقد جاء فيه حرفيًا: “جديد الثنائي ميقاتي والحلبي بطلا التعدي على الأنظمة والقوانين والمراسيم في الحكومة… وبلا منازع. الزبائنية السياسية والتوظيف العشوائي يعود من أوسع أبوابه بقرار تعاقد مع 800 أستاذ من خارج جدول الأعمال. من جهة يهددون الأساتذة، ومن جهة يدخل المستزلم بدل الكفوء الذي تهجر أو ترك الوظيفة، ويوظفون من يطيعهم، ويرشونه بفتات من المال العام. الله يلعنهم واحد واحد هني وكل مين بيسكت امام اللي عم يصير”.
بعد ست ساعات، تراجع عويدات عن قرار التوقيف وقرر تركها، وخلال الساعات الستّ، رفضت نسرين توجيه كتاب اعتذار إلى الحلبي كشرط منه لسحب الشكوى، كما رفضت توقيع أيّ تعهّد بعدم التعرّض للأخير وبإزالة المنشور أو تعديله (حذف اللعنة العامة التي وردت في أسفله)، وأصرّت على رفض السكوت على أي فساد تعرف عنه.
وكيل الدفاع عن نسرين المحامي رفيق غريزي وصف التوقيف بـ “غير القانوني”. وأكد أنّ “الإجراء الذي اتّخذ بتوقيف شاهين هو إجراء سياسي، ليس له محل بالقانون”. وأشار إلى أنّه “بعد أن تمّ الاستماع إليها على خلفية البوست وظروفه والعبارات الواردة فيه، أخذ النائب العام إشارة اما إزالة البوست أو التوقيف. رفضت نسرين إزالة البوست، فصدرت الإشارة ونفّذناها، مع العلم أنّ الوزير طلب كتاب اعتذار رسمي وبطبيعة الحال لم تأت إشارة النائب بالاعتذار ولسنا في وارد الاعتذار أساسًا”. هذا حصل قبل أن يتراجع عويدات ويأمر بالإفراج عن نسرين من دون شرط.
الوزير يرفض حكم مجلس الشورى
هذه ليست المرّة الأولى، وربما لن تكون الأخير ة، التي يستهدف فيها الوزير عباس الحلبي، وهو قاض، النقابية نسرين، فقد كان أوقف التعاقد معها، “كعقوبة” على نضالها النقابي. فما كان منها إلّا أن رفعت قضيّتها أمام مجلس شورى الدولة الذي نقض قرار الوزير وطالبه بإعادتها الى العمل. لكن الوزير يرفض حتى الآن تنفيذ قرار المجلس، وعوضًا عن ذلك لا يتوانى عن مطاردتها قضائيًا بتهم القدح والذم والتشهير. وكانت شاهين ردّت على ذلك بالقول: “سأمثل أمام القضاء لأنني تحت سقف القانون وإذا بيطلع بإيدك توقفني وقفني ورح ضلّ قلّك إنّك مخالف للقانون ورح ضلّ إحكي بكلّ الفساد اللي عم يصير ووقفني وبلط البحر”.
وبالتالي يمكن اختصار القضية بكل بساطة ووضوح كما يلي: مناضلة نقابية تواجه تعسّف وزير التربية الذي يريد معاقبتها على نضالها وعلى جرأتها في انتقاد مواقفه وسياساته، وسوء إدارته وقلّة الشفافية في إنفاق المساعدات الخارجية للتعليم الرسمي.
“إنت فالل وأنا باقية”
بعد استدعائها دخلت نسرين صباح أمس، مكتب المباحث، بهدوء لافت، تسبقها ابتسامتها. وخرجت أيضًا مبتسمة ومرفوعة الرأس وبصوتها الصارخ قالت: “سأواجه عباس الحلبي بالقانون: إنت فالل وأنا باقية وما رح إسكت”.
وخلال وقفة تضامنية تزامنت مع توجّهها إلى مكتب المباحث الجنائية، أكدت شاهين لـ”المفكرة” رفضها لتوقيع أيّ تعهّد بعدم التعرّض للحلبي وكشف الفساد في الوزارة، مؤكّدة رفضها إزالة المنشور في إصرار منها على استمرارها في المواجهة مع الوزير بهدف كشف الفساد في وزارة التربية ورفضها سياسة كمّ الأفواه المعارضة.
وروَت لـ “المفكرة”: “وردني اتصال بعد ظهر الثلاثاء الفائت في 13/6 طلب منّي أن أمثل أمام المباحث الجنائية بين العاشرة والحادية عشرة من قبل ظهر الخميس 15/6، أول سؤال بدر منّي للمتّصل: شو في مين قتلت؟ وكانت الاجابة: عليك دعوى، ورفض إبلاغي بمضمونها أو بهوية مقدّمها. وبعد إصراري على معرفة المدعي، علمت أنه وزير التربية”.
وتتابع شرح النزاع مع الحلبي بالقول: “سبق للوزير أن استهدفني من قبل بصفتي رئيسة لجنة الأساتذة. وما حصل هو أنّه عندما ربحت دعوى مجلس شورى الدولة، لم ينفّذ الوزير القرار. وأنا بقيت متمسّكة بتطبيق القانون. وعندما لمس إصراري على تمسّكي بتطبيق القانون ورفضي لأية تسوية من تحت الطاولة، إذ دخل على هذا الخط عدد من الأشخاص وحاولوا إقناعي بالتسوية وبعدها يتمّ إعادتي إلى مدرستي، رفضت ذلك وأبلغتُهم أنني تحت سقف القانون، والموضوع ليس شخصيًا، بل هو رد الاعتبار لكل أستاذ يطالب بحقه. القضية تتعلق بالتعليم الرسمي وممارسات تهويلية على الأساتذة وتهديدهم بلقمة عيشهم”.
وتشير إلى أنّ “الوزير حاول ممارسة الضغط على مجلس الشورى لوقف قرار إعادتي إلى عملي، ثم استعان بالمحامي داني معكرون وهو محامي جبران باسيل الخاص، ورفع عليّ دعوى ذم وقدح وتشهير. ردّيت عليه بدعوى ما زالت تأخذ مجراها في قصر العدل. أنا تحت سقف القانون وهو يمارس أقصى الضغط والتهديد والترهيب على الأساتذة والروابط، الفكرة يربّيني ليربّي غيري فيّي. هدّد أساتذة بالفصل والطرد، مناقلات، حسم رواتب”.
وصمة عار على جبين وزير التربية وعويدات
الباحث التربوي نعمة نعمة يرى في حديث مع “المفكرة” أنّ ما يحصل مع نسرين اليوم، هو تتمّة لحملة كمّ الأفواه، كما حصل مع المحامي نزار صاغية والنقابي حسن مظلوم والأساتذة الذين تعرّضوا لعقوبات وآخرين. وهذا “يعكس نهجًا موجودًا تحديدًا عند وزارة التربية، كون فيها أكبر كمّ من الأموال التي تأتي من الخارج”. وأشار إلى أنّ “هذه الوزارة حصلت على مليارين و500 مليون دولار، خلال 10 أعوام، بحسب دراسة قام بها مركز الدراسات اللبنانية (الذي ينتمي إليه نعمة) ينفق منها 600 مليون دولار فقط داخل المدارس الرسمية وليس خارجها. وبالتالي فالتلميذ السوري لا يستفيد مباشرة من هذه الأموال بل يستفيد من أموال تأتي من اليونيسف، ومنظمة الغذاء العالمي وغيرها”.
ويشير إلى أنّ “هناك سوء إدارة في وزارة التربية، طلعت ريحته، والناس بدأت تشير إليه، ومنهم صوت صارخ هو صوت نسرين شاهين”.
الباحث غسان صليبي يشير بدوره إلى أنّ “نسرين شاهين أستاذة متعاقدة، أي تمارس مهنتها بشروط صعبة، نسمّيها “هشّة” في علم اجتماع العمل، أي تفتقر إلى مكتسبات العمل الثابت، على مستوى الأجر والتقديمات الاجتماعية وديمومة العمل. لكن هذا الموقع “الهش”، لم يمنعها من الدفاع بصلابة عن حقوقها وحقوق زملائها، رغم ما يمكن أن يترتّب عن ذلك من مخاطر على عملها ومعيشتها”.
المدير التنفيذي لـ “المفكرة القانونية” المحامي نزار صاغية رأى في تغريدة أنّ “وزير التربية فهم التربية على أنّها دروس في مجاملة أصحاب الجاه والنفوذ. نسرين فهمت التربية على أنّها دروس في الدفاع عن الحقوق ضد كلّ ظالم جائر. هو يسقط. هي ترتفع”.
وأشار صاغية إلى أنّ نسرين تواجه منذ أشهر وزير التربية. مواجهة ربحتها لدى مجلس شورى الدولة لكن الوزير رفض تنفيذ الأحكام الصادرة ضده. هي تكافح من أجل تغليب الكفاءة على المحسوبية من أجل تعليم أفضل. أن يتم توقيفها وهي في خضم المواجهة وسام على صدرها ووصمة عار على جبين وزير التربية وعويدات”.
من جهته، سجّل ائتلاف استقلال القضاء في بيان ملاحظات قانونية من بينها أنّ الاستدعاء بواسطة مكتب المباحث الجنائية المركزية التابع مباشرة للنائب العام لدى محكمة التمييز، يشكّل تمييزًا قضائيًا فاضحًا لمصلحة الوزير على حساب المواطن العادي”. كما أنّ “التوقيف في قضايا القدح والذم من قبل النيابة العامة يشكّل ممارسة غير قانونية كونه يتعارض مع المادة 107 من قانون أصول المحاكمات الجزائية التي تمنع التوقيف في الجرائم التي لا تتجاوز العقوبة فيها سنة حبس. كما اعتبر الائتلاف أنّ “النيابة العامة التمييزية جاوزت صلاحياتها من خلال تخيير المدعى عليها بين حرّيتها وبين الإبقاء على المنشور موضوع الشكوى، إذ اشترطت عليها حذفه مقابل تركها، في حين أنّ اتخاذ قرار من قبيل ذلك هو من صلاحية المحاكم حصرًا”. وطالب الائتلاف رئيس التفتيش المركزي بفتح تحقيق فوري في ما أثارته نسرين في تصريحها حول قرب التعاقد مع 800 أستاذ على أساس المحسوبية والزبونية تمهيدًا لاتخاذ المواقف اللازمة.
(المصدر: المفكرة القانونية)