باتت جرائم ومشاهد العنف الأسري إلى حد التعذيب تملأ صفحات التواصل الاجتماعي في العراق. الجميع في حالة ذهول يتساءلون كيف يمكن للبيت والأسرة أن يكونا مصدراً للتعذيب والخوف والقتل بدلاً من أن يصيرا أماناً وطمأنينة؟
لعل أقسى حالات التعنيف التي أدت إلى الموت تلك التي شهدتها منطقة الشعلة في العاصمة بغداد إذ قتل طفل يدعى موسى ولاء على يد زوجة أبيه.
جسده الصغير النحيل المسجى على الأرض كما أظهرته الصور توضح تعرضه من قبل زوجة أبيه للخنق والضرب والكي والطعن بالسكين والصعق بالكهرباء وقلع الأظافر، كما أجبرته على أكل كيلوغرام من الملح بشكل مستمر.
رواية الأب
يذكر والد موسى، ويعمل في أحد الأجهزة الأمنية، أن المشكلات دفعته في 2016 إلى الانفصال عن والدة موسى التي تركت أطفالها بإرادته له، كان عمر موسى آنذاك ستة أشهر. تزوج الأب من زوجة أخرى في 2018 وكان ابناه الاثنان من طليقته مقيمين لدى جدتهما التي كانت ترعاهما.
يضيف الأب، في تصريحاته لإحدى القنوات الفضائية، “أكملت بناء البيت ورغبت في جمع ولدي. بعد وفاة والدتي نقلتهما ليعشيا معي وأكملت لهما إجراءات نقلهما من المدرسة لنبدأ حياتنا معاً”.
تعذيب متكرر
غالباً ما كان يتعرض الطفل ذو السبع سنوات إلى الضرب والتعنيف من قبل زوجة الأب الذي يغيب بحكم عملة فترات طويلة عن البيت، إذ أظهر فيديو نشرته الشرطة المجتمعية للطفل، وهو يقول “إن الأب تركه في أحد الطرق وطالبه بعدم العودة”. وعندما وجه للطفل السؤال عن سبب وجود الكدمات على جسمه قال له إن زوجة أبي من فعلت هذا. بعدها أخذت الشرطة المجتمعية تعهداً موقعاً من الأب وزوجته بعدم التعرض للطفل مجدداً وإلا سيتعرضان للمساءلة القانونية.
موسى يودع الحياة
يذكر الأب في روايته أنه وخلال عمله اتصلت به زوجته لتخبره أن موسى تعرض لوعكة صحية بسبب أكل الملح. لم يستوعب الأب ما تقوله زوجته وطالبها بأن تأخذه إلى المستشفى لكنها رفضت مما اضطره إلى ترك عمله والعودة إلى البيت.
يتابع، “لا يمكن تصديق ما شاهدته زوجتي جالسة بشكل طبيعي وكانت قد أكملت عمل البيت وطبخ الطعام وعندما أخبرتها عن موسى قالت لي نائم هناك، فزعت عندما شاهدت ابني. كان المنظر مرعباً، ولدي تيبس وتتجمع عليه الحشرات عندها قلت لها ما الذي حدث؟ أخبرتني وقع ولم أعلم ماذا حدث له؟ لم يستوعب الأب أن ولده موسى توفي فجلس إلى جواره لكي يستوعب ما حدث للطفل الفقيد.
يقول المقربون من الطفل إن زوجة الأب كانت تجبره على ارتداء ملابس شتوية في ال صيف لكي تغطي على آثار التعذيب، كما تظهر صورة للطفل وهو في المدرسة فهو يرتدى ملابس شتوية أثناء الامتحانات النهائية خلال أشهر الصيف.
إدانات حقوقية
إلى الآن لم تتحدد الأسباب الرئيسة التي أودت بحياة الطفل، يروي الأب “أن الأم التي أنجبته أجرمت بحقه عندما تركته والأم التي رعته أجرمت بحقه عندما قتلته”.
من جانبها، دانت المنظمات المعنية بحقوق الأسرة الأب واعتبرته مسؤولاً بشكل أساس عما حدث للطفل، وتساءلت كيف لم يلاحظ آثار التعذيب على جسده؟ كما أشارت إلى أن الطفل انتزعت حضانته من الأم بقوة العشيرة على رغم أن القانون العراقي يبقي على حضانة الأم لأطفالها حتى مع زواجها من آخر، لكن أفراد العشيرة هم من يحسمون أمر هذه التفاصيل.
فيما يرى الحقوقيون أن إقرار قانون حماية الطفل والعنف الأسري هو السبيل الوحيد لإنهاء حالات العنف التي اتسعت بشكل واضح في العراق من ضرب وتعنيف وقتل، وغالباً ما تسجل حالات انتحار للفتيات لتظهر بعدها التحقيقات بأن هناك شبهات جنائية تدور حول حادثة الانتحار. وهو ما لا يمكن الحد منه إلا بإقرار قانون للعنف الأسري.