رون بن يشاي- يديعوت أحرونوت
خلال احتفال تخريج دورة الضباط في الأول من أمس، وعندما قال رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو إنه “يطالب بالإخلاء الكامل لجنوب سورية من وجود قوات النظام الجديد”، فإنه كشف، عملياً، استراتيجية إسرائيل الجديدة على الحدود. وفعلاً، بدأت هذه الاستراتيجيا تتجلى في نهاية السنة الماضية، في أعقاب اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان، وفي الأول من أمس، كشف نتنياهو الجزء الناقص في البازل، عندما أعلن مطالبته بأن يكون جنوب غرب سورية وجنوبي دمشق منزوعَي السلاح.
تبلورت هذه الاستراتيجيا بصورة أساسية نتيجة دروس الإخفاقات في 7 أكتوبر، وهدفها، قبل كل شيء، ضمان أمن سكان المستوطنات القريبة من الحدود في الجنوب، وفي الشمال، وعلى الحدود مع سورية. وتختلف هذه الاستراتيجيا ما بين الحدود مع دول وقّعنا معها اتفاقات سلام، مثل مصر والأردن، وبين الحدود مع الدول التي تشكل خطراً مباشراً وتهديداً فعلياً للمواطنين الإسرائيليين والمستوطنات المحاذية للحدود وتلك البعيدة عنها مسافة كيلومترات قليلة.
استراتيجية الحدود التي تشكل خطراً: منظومة دفاع برّي متعدد الطبقات
الحدود التي تشهد حرباً ناشطة، أو نصف ناشطة، مثل الحدود مع قطاع غزة والحدود مع لبنان، وفي هضبة الجولان، ستقام فيها منظومة دفاعية برية متعددة الطبقات. ستكون المنظومة الدفاعية الأولى في داخل الأراضي الإسرائيلية، وهي تضم مواقع ثابتة وعوائق برية، بينها سياج، أو جدار، مع مختلف أجهزة الاستشعار لمراقبة الحدود، وكذلك شبكة طرقات للانتقال السريع، وقوات كبيرة، ومكونات دفاع جوي ومدفعي. ومن المفترض أن تفصل منظومة المواقع والعوائق بشكل مادي بين المستوطنات الحدودية وبين القرى الشيعية ومراكز التنظيمات المحتملة التابعة لحزب الله في الجنوب اللبناني.
أمّا في قطاع غزة، فستكون هناك منظومة ذات ميزات مشابهة تفصل بين أراضي القطاع وبين مستوطنات غلاف غزة ، لكن بدلاً من إنشاء معسكرات للقوات على الحدود، ستقام مواقع عسكرية حقيقية قادرة على ضمان الأمن لمحيطها ومحاربة كل مَن يحاول اختراقها، حتى من دون وجود إنذار استخباراتي. بالنسبة إلى الحدود مع سورية، وفي هضبة الجولان السورية، فهناك عوائق ومواقع دفاعية مجهزة بالأفراد، وهذا كله موجود على أراضينا.
منظومة الدفاع الثانية في هذه القطاعات الثلاثة في داخل أراضي العدو، وستشكل ركيزة “دفاع متقدم”، مثل تلك التي كانت موجودة في المنطقة الأمنية في لبنان، من سنة 1984 وحتى انسحاب الجيش الإسرائيلي و”جيش لبنان الجنوبي” في أيار/مايو 2000
ستكون منظومة الدفاع الثانية في هذه القطاعات الثلاثة في داخل أراضي العدو، وستشكل ركيزة “دفاع متقدم”، مثل تلك التي كانت موجودة في المنطقة الأمنية في لبنان، من سنة 1984 وحتى انسحاب الجيش الإسرائيلي و”جيش لبنان الجنوبي” في أيار/مايو 2000. في قطاع غزة، سيكون هناك وجود عسكري، بصورة أو بأُخرى، ضمن نطاق أمني (منطقة فاصلة) في داخل أراضي القطاع. لكن عمق هذه المنطقة وأساليب وجود القوات الإسرائيلية فيها، التي هدفها منع اقتراب الفلسطينيين من السياج، لم يتضحا بعد، وسيكون هذا الموضوع مطروحاً للنقاش في المرحلة الثانية من صفقة المخطوفين الحالية، والتي ستكون بصورة أساسية عبارة عن مفاوضات بشأن الترتيبات الأمنية في هذه المنطقة الأمنية التي تشكل منطقة دفاعية متقدمة. لكن إسرائيل أوضحت أنها تطالب بحقها في العمل في داخل هذه المنطقة الأمنية، سواء على شكل وجود دائم، أو من خلال دوريات برية وجوية، وغيرها.
أمّا على الحدود مع لبنان، فالدفاع المتقدم الآن هو من خلال المواقع الخمسة الموجودة في مناطق مُشرفة على طول الحدود، وتوجد فيها قوات بحجم سرية، والتي من المفترض أن تنسحب منها إسرائيل عندما يصبح الجنوب اللبناني منطقة لا تشكل خطراً على الأراضي الإسرائيلية.
بالنسبة إلى هضبة الجولان، فإن القوات الإسرائيلية التي دخلت إلى المنطقة الفاصلة، وانتشرت فيها لفترة موقتة، لكن مستمرة، تشكل طبقة الدفاع المتقدمة عن مستوطنات الجولان، وعن السيادة الإسرائيلية في هضبة الجولان. لقد أُعلنت هذه المنطقة الفاصلة منطقة خالية من أيّ وجود عسكري إسرائيلي، أو سوري، شرقي الحدود مع إسرائيل، والهدف هو استخدامها كمنطقة فاصلة، جغرافياً وبرياً، سيضطر السوريون، أو نحن، إلى اجتيازها، في حال كان لدى أحد الطرفين نيات هجومية.
هذه المنطقة العازلة حُددت في اتفاقات وقف إطلاق النار مع سورية في سنة 1974، والآن، مع سقوط نظام بشار الأسد في سورية على يد الجهاديين من هيئة تحرير الشام، سارعت إسرائيل إلى الدخول إلى هذه المنطقة الفاصلة والسيطرة عليها من أجل إقامة منظومة دفاع متقدمة لحماية المستوطنات في هضبة الجولان، والتي لم تكن موجودة سابقاً. هذه المنظومة، مثلها مثل تلك الموجودة في لبنان، تضم مواقع مراقبة ومواقع في مناطق مُشرفة ودوريات، لكن بعكس الجنوب اللبناني، فإن للجيش الإسرائيلي علاقات مع السكان، ووجوده في جبل الشيخ السوري له قيمة استخباراتية وعملانية مهمة.
التجديد الحقيقي إزالة التهديدات لإسرائيل من هذه المناطق
إن منظومة الدفاع المتقدمة الثالثة التي تُعتبر التجديد الحقيقي، هي نزع السلاح من هذه المناطق التي تشكل تهديداً لإسرائيل. في قطاع غزة، أُعلن أن أيّ تسوية بشأن إنهاء الحرب، يجب أن تتضمن، ليس فقط إعادة كل المخطوفين وتفكيك سلطة “حماس” المدنية والعسكرية، بل أيضاً نزع سلاح القطاع. قد يكون نزع السلاح مصطلحاً عمومياً، معناه أن المنطقة التي تدخل ضمن إطار ترتيبات نزع السلاح، يجب ألّا تحتوي على أيّ سلاح في المطلق، ومن أيّ نوع كان، وعلى سبيل المثال، سيُسمح بالسلاح الفردي والكلاشينكوفات والمسدسات التي يمكن أن تستخدمها الشرطة من أجل فرض النظام، لكن سيُمنع كل سلاح هجومي، مثل القذائف وصواريخ أرض- أرض والراجمات وصواريخ الآر بي جي والمركبات المدرعة والسفن الحربية والمسيّرات، أي كل الأسلحة التي يمكن أن تُستخدم ضد إسرائيل وتكبّدها خسائر.
منظومة الدفاع المتقدمة الثالثة التي تُعتبر التجديد الحقيقي، هي نزع السلاح من هذه المناطق التي تشكل تهديداً لإسرائيل
في إطار اتفاقات السلام مع مصر، وفي إطار ترتيبات وقف إطلاق النار مع سورية، هناك مناطق جرى تقليص وجود القوات فيها، أي من المسموح الاحتفاظ بعدد معين من الدبابات، وممنوع تحليق الطائرات الحربية ووجود مدافع وراجمات بقُطر معين، وهلم جراً. من هنا، فإن مسألة نزع السلاح مسألة معقدة. وعندما يكون المقصود نزع السلاح، فإن الشيطان يكمن في التفاصيل الصغيرة.
ينطبق هذا على الجنوب اللبناني أيضاً. وفي الواقع، تطالب إسرائيل بأن تكون منطقة الجنوب اللبناني، من جنوب الليطاني وشرقه، منزوعة القذائف والصواريخ بمختلف أنواعها: صواريخ مضادة للدروع، والراجمات والمسيّرات الكبيرة. كذلك، تطالب إسرائيل بعدم السماح لمسلحي الحزب بالتجول في المنطقة بسلاحهم الخفيف. من المفترض أن يفرض الجيش اللبناني ذلك، لكن إذا لم ينجح في القيام بهذه المهمة، فإن إسرائيل هي التي ستفعل ذلك.
من المفترض أن يفرض الجيش اللبناني ذلك، لكن إذا لم ينجح في القيام بهذه المهمة، فإن إسرائيل هي التي ستفعل ذلك
في سورية، أعلن رئيس الحكومة بصورة واضحة أنه يطالب بنزع السلاح من الجولان السوري إلى الحدود مع الأردن، جنوباً وشرقاً، حتى المعبر نحو منطقة السويداء التي نسميها جبل الدروز. في هذه المنطقة، يطالب نتنياهو بعدم وجود للتنظيم الجهادي الذي يسيطر على سورية حالياً، وهو نسخة عصرية من تنظيم القاعدة، وبصورة خاصة، هو لا يريد أيّ وجود لجيش سورية الجديدة، وهو تحالف لتنظيمات إسلامية مسلحة انضمت إلى هيئة تحرير الشام وزعيمها أحمد الشرع (الجولاني).
تحاول هيئة تحرير الشام إقناع العالم بأنه صحيح أنها تنظيم إسلامي، لكنها نصيرة للسلام والعلاقات الطيبة مع دول الجوار، ومع العالم كله. وأحمد الشرع الذي بدّل ملابسه العسكرية ببدلة أنيقة، يحاول الآن إقناع العالم بأن كل اهتمامه منصبّ على إعادة إعمار سورية جرّاء الدمار الذي لحِق بها في الحرب الأهلية والقضاء على فلول نظام عائلة الأسد والأقلية العلوية. ويشدد بصراحة على أنه يريد علاقات جوار غير عنيفة مع إسرائيل، لكنه لا يتحدث عن السلام.
في الخلفية، يوجد الأتراك، المؤيدون الأساسيون للجولاني وأنصاره، لكنهم لا يسيطرون عليه. يتخوفون في إسرائيل من أن يأتي اليوم الذي يتبدل فيه الجهاديون، الذين يرتدون البدلات ويتحدثون بلغة دولة تريد السلام، فيغيّرون جلدهم، ويتحولون إلى إسلاميين جهاديين، تحت غطاء “جيش سو رية الجديدة” على حدودنا.
بالإضافة إلى ذلك، تهدد الهيئة أبناء الطائفة الدرزية في منطقة السويداء، وإخوتهم في إسرائيل يشعرون بالقلق مما سيحدث في المستقبل. حالياً، يحاول أحمد الشرع تهدئة الدروز وإشراكهم في نظامه، لكن الدروز أقلية تختلف عن السلفيين الذين يشكلون هيئة تحرير الشام، لذلك، هم يشعرون بالتهديد، ومن مصلحة إسرئيل الدفاع عنهم. لذلك، أصرّ نتنياهو في خطابه في حفل تخريج دورة الضباط على مطالبة إسرائيل بمنع دخول عناصر من هيئة تحرير الشام، وأيضاً من الجيش السوري الجديد الذي ينتمي إلى التركيبة الجهادية نفسها بلباس جديد، إلى المحافظات الواقعة في جنوبي دمشق، والقنيطرة، ودرعا المحاذية لإسرائيل، ومنطقة السويداء الموجودة شرقاً، والتي تضم بلدات درزية.
عندما سألت عمّا يعني منع دخول الجيش السوري الجديد وعناصر هيئة تحرير الشام إلى المنطقة الواقعة في جنوبي دمشق، شرحت لي شخصية أمنية رفيعة المستوى أن إسرائيل تريد نزع السلاح من هذه المنطقة، وليس فقط السلاح الثقيل، بل أيضاً القذائف والصواريخ والمسيّرات، ولا تريد وجود إسلاميين يمكن أن ينفّذوا من الحدود السورية هجوماً يشبه هجوم 7 أكتوبر.
إن المنظومة الدفاعية المتعددة الطبقات هذه تهدف إلى الدفاع عن إسرائيل في مواجهة الإسلاميين المتطرفين في قطاع غزة، وفي الجنوب اللبناني، وفي سورية أيضاً
وفي الواقع، فإن المنظومة الدفاعية المتعددة الطبقات هذه تهدف إلى الدفاع عن إسرائيل في مواجهة الإسلاميين المتطرفين في قطاع غزة، وفي الجنوب اللبناني، وفي سورية أيضاً. والعناصر التي تشكل خطراً على إسرائيل: الجهاديون الشيعة والسّنة، الذين تعتقد إسرائيل أنهم سيظلون يشكلون خطراً على إسرائيل، حتى في “اليوم التالي” في سورية، وفي لبنان، وفي قطاع غزة. إيران الشيعية ستواصل تأييد الميليشيات التي يمكن أن تصل إلينا فجأة من الأراضي العراقية، وتركيا التي تؤيد ميليشيات جهادية من هيئة تحرير الشام، والتي يمكن أن تأتي من وسط سورية، ومن الشمال. ولا حاجة إلى الحديث عن “حماس” في غزة.
يجب أن تقدم طبقات الدفاع الثالثة لسكان شمال وجنوب إسرائيل وشرقها دفاعاً ضد نوعين من الهجمات: هجوم برّي وتسلّل إلى داخل الأراضي الإسرائيلية وإطلاق نار مباشر، مثلما يجري في الشمال، وإلى حدّ معين، في غلاف غزة. وفعلياً، تعتمد العقيدة الدفاعية عن الحدود على طبقة رابعة، وهي القدرة الاستخباراتية والجوية لدولة إسرائيل. أحد دروس 7 أكتوبر 2023، هو ضرورة وجود سلاح الجو في الميدان، وأن يشكل جزءاً لا يتجزأ من الدفاع الجديد عن الحدود.
في ما يخص لبنان، عملياً، ليس من المفترض أن يستمر الأسلوب الحالي، وقد تسحب إسرائيل منظومة الدفاع المتقدمة، أي المواقع المُشرفة ونقاط المراقبة، إذا تبين أن الجيش اللبناني بسط السيطرة على المنطقة الواقعة في جنوبي الليطاني بصورة فعالة وثابتة وجذرية
تمتاز هذه العقيدة الأمنية بميزات أمنية وعسكرية واضحة، والسؤال هو هل يمكن تحقيقها، وكم تستغرق من الوقت؟
بالنسبة إلى سورية، أوضحت إسرائيل لتركيا، وللحكام الجدد في دمشق، من خلال وسطاء، أنها لا تنوي البقاء بصورة دائمة في المنطقة العازلة وإقامة دفاع متقدم، إذا جرى التوصل إلى ترتيبات أمنية ثابتة، ربما يكون لتركيا دور فيها. وفي ما يخص لبنان، عملياً، ليس من المفترض أن يستمر الأسلوب الحالي، وقد تسحب إسرائيل منظومة الدفاع المتقدمة، أي المواقع المُشرفة ونقاط المراقبة، إذا تبين أن الجيش اللبناني بسط السيطرة على المنطقة الواقعة في جنوبي الليطاني بصورة فعالة وثابتة وجذرية.
تريد إسرائيل نزع سلاح حزب الله بصورة كاملة، على الأقل في جنوب الليطاني. هذه النظرية الدفاعية الشاملة هي التي تريد إسرائيل تحقيقها وثمة فرصة لذلك، هي الإدارة الأميركية في واشنطن، وعلى رأسها دونالد ترامب. فخلال ولاية أوباما، أو بايدن، لم يكن هناك فرصة لإسرا ئيل في أن تهتم الإدارة الأميركية بهذه النظرية التي يجري جزء كبير منها في أراضٍ ليست تابعة للسيادة الإسرائيلية، لكن هذه النظرية لديها فرصة الآن مع ترامب.