خلال السنوات الماضية تحوّلت موانئ عالمية وإقليمية لمسارح جريمة، بسبب تدفّق مخدرات الكبتاغون القادم من سوريا والتي باتت بحسب تقارير مكتب الأمم المتحدة للمخدرات واحدة من أكبر منتجاتها عالميًا.
حسب مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات، فالكبتاغون عقار بدأ تصنيعه بشكل قانوني في ستينات القرن الماضي، لعلاج اضطرابات نقص الانتباه وفرط الحركة والاكتئاب والنوم القهري، قبل سحبه من الأسواق في الثمانينات بسبب آثاره الجانبيّة.
حظر انتاج الكبتاغون وخضع لرقابة دولية واليوم ينتج بشكل غير مشروع من مادة الأمفيتامين.
وحدة التحقيقات الاستقصائيّة ” الحرّة تتحرّى” تتبعت شبكات الكبتاغون السوري، من واقع تحقيقات رسمية وقواعد بيانات حكومية، ورصدت حجم تلك التجارة وعلاقتها من مقرّبين من رئيس النظام السوري بشار الأسد.
كما كشفت مسارات التهريب عبر لبنان والأردن إلى دول خليجيّة وأوروبيّة، وكيف استخدمت دمشق المخدرات كورقة ضغط سياسية لكسر عزلة عربية دامت لسنوات.
منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، وما تلاها من أحداث، خسرت البلاد الكثير من الموارد الاقتصادية، ومن أهمها النفط، الذي كان يشكل أكثر من ثلث ناتج الدخل القومي السوري، بحسب الخبير الاقتصادي أس امة قاضي.
حققت شبكات الكبتاغون حول العالم، أرباحا طائلة من مبيعات قدرتها الحكومة البريطانية بـ 57 مليار دولار، وكانت سوريا مركزا رئيسا لتلك الصناعة.
مع صعوبة تقدير حجم الأموال التي يجنيها النظام السوري، قدر إحصاء لمعهد نيولاينز للدراسات في واشنطن، قيمة ضبطيات الكبتاغون بنحو 5.7 مليار دولار، لكن كبيرة الباحثين بالمعهد، كارولين روز توضح أن هذا المبلغ لا يرسم الصورة بأكملها، مشيرة إلى وجود الكثير من حبوب الكبتاغون التي لا تزال تتسرب عبر الموانئ والطرق البرية ولم تكتشفها سلطات إنفاذ القانون إضافة إلى شحنات تم ضبطها ولم يعلن عن ذلك.
في الأول من يوليو 2020، صادرت السلطات الإيطالية، في ميناء ساليرنو، بمقاطعة نابولي الإيطالية، على البحر المتوسط، ثاني أكبر شحنة كبتاغون مضبوطة في التاريخ، نحو 14 طنا أو ما يعادل 84 مليون قرص بقيمة سوقية تتخطى المليار يورو.
بحسب بيان وكالة الجمارك الإيطالية، أرسلت المضبوطات شركة سورية، وأنتجها تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، لتمويل الإرهاب.
لكن الرواية الرسمية، لم تكن مقنعة لتشارلز ليستر، الباحث المختص في الشأن السوري بمعهد الشرق الأوسط في واشنطن والذي قال: الشك في قدرة تنظيم داعش على انتاج كميات هائلة من حبوب الكبتاغون، طرح العديد من الأسئلة حول المستفيد الحقيقي، وهل كانت إيطاليا الوجهة النهائية أم مجرّد محطة عبور لدولة ثالثة.
بعد نحو عام ونصف، كشفت جهات التحقيق عن المتهم الرئيسي في الشحنة، رجل أعمال سوري يدعى طاهر الكيالي.
في فبراير/شباط ٢٠٢٣ اتهمت شرطة الأموال الإيطالية طاهر الكيلاني باعتباره مسؤولًا عن تهريب ١٤ طنًا من الكبتاغون إلى ميناء ساليرنو. لم يكن اسم طاهر الكيلاني جديدًا على مسامع سيسيليا أنيسي، مؤسسة مشروع الصحافة الاستقصائية في إيطاليا والتي شاركت في تحقيق صحفي كشف تورّط رجل الأعمال السوري في تهريب شحنة من مخدرات ضبطت قبالة سواحل اليونان عام ٢٠١٨.
بعد عودته إلى سوريا أسس الكيالي شركات نقل بحري من أهمها “نبتونوس” والتي حصلت الحرة على عقد تأسيسها المنشور في الجريدة الرسمية عام ٢٠١٧.
أنشئت “نبتونوس” قدب مرفأ اللاذقية بشراكة بين الكيالي وشاب في العشرين من عمره يدعى مصطفى الحاج حسين. وبعد عام من تأسيس الشركة أوقف خفر السواحل اليوناني سفينة اسمها “نوكا” ترفع علم سوريا كانت تحمل كمية كبيرة من الحشيش والكبتاغون بقيمة ١٠٠ مليون دولار.
بحسب وثائق محكمة استئناف بنغازي، كان في انتظار السفينة “نوكا” في ليبيا شخص سوري يدعى محمود الدَج، على رأس شركة يعمل لحسابها عدد من السوريين والليبيين، وفق اعترافات أحد المتهمين السوريين الذي عرض عليه الدج العمل في تهريب المخدرات مقابل 10 آلاف دولار عن كل عملية فك لأرضية الحاويات وفكّ ما بداخلها من مخدرات.
لسنوات طويلة، استمر نظام دمشق، في نفي علاقته بشبكات المخدرات، مدعيا بحسب بيان رئاسة مجلس الوزراء أن “سوريا تعتبر دولة عبور للمواد المخدرة.”. لكن التقاء خيوط شبكة الكبتاغون المعقدة، عند رجل الأعمال السوري، طاهر الكيالي، وانطلاق تدفقات المخدر المضبوطة من اللاذقية، كشف عن علاقة بين ماهر الأسد قائد الفرقة الرابعة في جيش النظام السوري، و شقيق الرئيس، بحسب سيسيليا أنيسي، مؤسسة مشروع الصحافة الاستقصائية في إيطاليا.
(الحرّة)