“إذا أخفقت الإستراتيجية العسكرية الحالية لإسرائيل في إقامة Buffer Zone قابلة للتطبيق بينها وبين لبنان” يقول الباحث الجدي نفسه في مركز الأبحاث الأميركي القادر على الوصول الى مراكز القرار في البلاد “ان إسرائيل ستدفع الوضع العسكري مع لبنان الى مزيد من التدهور بشن هجمات واسعة على البنية العسكرية التحتية لـ”حزب الله” بهدف زيادة الضغط عليه، ولا بد من أن ترافق ذلك هجمات أرضية وضربات في عمق الأرض اللبنانية، أي وراء المنطقة الجنوبية الحدودية مع إسرائيل. يعني سيناريو كهذا مزيداً من القصف الموضعي تقوم به الدبابات وسلاح المدفعية والطيران الحربي، كما يعني قيام مجموعات عسكرية نظامية وقوات خاصة إسرائيلية بعمليات على قوات “الحزب”، ولكن مع حرص على عدم التورّط بإرسال قوات عسكرية كبيرة العدد الى الجنوب اللبناني. الهدف من ذلك سيكون إعطاء إشارة الى لبنان تفيد بالإستعداد لتدخلات عسكرية جدّية على أرضه. من شأن ذلك إشعال حرب شاملة. ويمكن أن تبدأ هذه الحملة قبل انتهاء العمليات العسكرية في غزة وعودة الجيش الإسرائيلي الى شمال بلاده. سيتم الإعتماد في ذلك كله على السلاح الجوي الإسرائيلي وعلى ألوية الإحتياط المنتشرة أساساً في منطقة الشمال. وستتسبّب إستراتيجية كهذه بقتل الكثيرين من العسكريين والمدنيين في جنوب لبنان لأن مقاتلي “حزب الله” وحلفاءه سيندفعون الى القتال بحماسة كبيرة مستعملين كل ما لديهم من أسلحة، وذلك من أجل إظهار القدرة على الصمود والثبات وتأكيد الشرعية كمدافعين عن لبنان أمام أبنائه”.
ماذا ستكون نتيجة العمليات الإسرائيلية المشار إليها أعلاه؟ يجيب الباحث الجاد نفسه في مركز الأبحاث الأميركي القادر على الوصول الى مراكز القرار في بلاده: “لقد قوّى “حزب الله” جنوب لبنان ومواقعه فيه بخنادق وأنفاق وبنى تحتية تمكّنه من مواجهة هجمات إسرائيلية برية وجوية. لذلك فإنه من غير الواضح معرفة الضرر الذي قد يسبّبه جيش إسرائيل لـ”الحزب” وقواته، علماً أن حملةً مدفعية وجوية ستتسبّب حتماً بوقوع ضحايا مدنيين ومن شأن ذلك عزل إسرائيل ديبلوماسياً ودفع الحكومة اللبنانية الى دعم “حزب الله” بدلاً من الضغط عليه للإنسحاب من الجنوب تنفيذاً للقرار 1701”.
ماذا إذا فشلت الهجمات الإسرائيلية المذكورة أعلاه؟ يجيب الباحث الجاد في مركز الأبحاث الأميركي نفسه: “ستنفّذ إسرائيل إختراقات عسكرية برية في جنوب لبنان وستسيطر على أراضٍ ببشرها وبمقاتلي “حزب الله” فيها، كما ستهدّد باجتياح إسرائيلي واسع بل كبير جداً. وما إحجامها الآن على الأقل عن اجتياح كهذا إلّا لأن اجتياحها غزة ضيّق مواردها المادية. لهذا لن تكون السيطرة على أراضٍ لبنانية والإحتفاظ بها قراراً حكيماً، علماً أنها فعلت ذلك من عام 1982 الى عام 2000. لكن يكفيها الآن على الأقل الإشارة الى أن الخيار المذكور موجود على طاولتها. وستركّز العمليات المذكورة أعلاه على “تنظيف” الأرض من مقاتلي “الحزب” وتدمير بنيته التحتية وإصابته بأقصى ما يمكن من أضرار وخسائر في قدراته العسكرية قبل العودة من تلك الأراضي والمناطق الى إسرائيل. وقد ترافق هذه العمليات حملات جوية على مناطق عدة من لبنان مثل البقاع وبيروت. لكن ذلك قد يدفع “الحزب” الى الصمود في مواقعه والإستعداد لقتال طويل، وخصوصاً إذا تسبّبت الأفعال العسكرية لإسرائيل باحتضان اللبنانيين لـ”حزب الله” مثلما فعلوا عام 2006. بذلك تكون إسرائيل علِقت بحرب حدود مع “الحزب”. لكن ذلك لا يمكن تنفيذه قبل عودة الفرق العسكرية الإسرائيلية من غزة وإعادة تسليحها مع الإستمرار في العمل داخل القطاع من أجل السيطرة عليه. لكن خبرة “حزب الله” العسكرية من قتاله سنوات في سوريا قد تتسبّب بإيقاع ضحايا كثيرة من القوات الإسرائيلية، الأمر الذي لا بد من أن يُضعف الدعم الشعبي لإسرائيل في حملتها العسكرية اللبنانية”.
هل نجاح إسرائيل في الإمساك بغزة على نحو تام وتحوّلها نحو لبنان يمكن أن يثير رد فعل من إيران الإسلامية التي أسّست “حزب الله” ورعته وساعدته في تحقيق إنجازاتها الإقليمية على مدى أربعة عقود إلا بضع سنوات؟ لا يعتقد الباحث في مركز الأبحاث الأميركي نفسه “أن إسرائيل قد تتوجه الى حرب شاملة مع لبنان بعد نجاحها التام في غزة. وهي لا يمكن أن تفكّر في شن حرب كهذه إلا إذا حصلت على دعم ديبلوماسي كامل من الولايات المتحدة وبعد تحقيقها أهدافها في غزة، وإلا إذا سوّت مشكلاتها الداخلية والإنقسام الحاد بين شعبها، كما إذا استمر “حزب الله” في هجماته عليها أو بالأحرى صعّدها بحيث يستهدف المدن الإسرائيلية مباشرةً. لكن تكرار إجتياح إسرائيل للبنان عام 1982 غير ممكن ودونه عقبات كبيرة. أما تسبّب الأعمال الحربية الإسرائيلية المتنوّعة ضد لبنان بأضرار كبيرة، وخصوصاً إذا طالت بتدخل إيران عسكرياً ضد إسرائيل بواسطة سلاحها الصاروخي المتطوّر فمحتمل لكنه سيواجه عقبات كثيرة أهمها إنضمام أميركا الى إسرائيل في مواجهة ذلك مباشرةً ومداورةً. لكن السيناريوات المذكورة كلها لا تبدو سهلة التطبيق لأسباب متنوّعة كثيرة، منها أن عدد مقاتلي “حزب الله” هم ضعفا مقاتلي “حماس” في غزة تقريباً. يعني ذلك أن أي اجتياح إسرائيلي للبنان سيواجه قوة أقوى وأكبر من التي واجهها في غزة. وإذا احتاج “أخذ” غزة الى شهرين ونصف شهر أو أكثر فإن اجتياح لبنان وجنوبه سيحتاج الى وقت أطول. منها أيضاً أن لـ”حزب الله” إتصالاً جغرافياً مباشراً بإيران من خلال سوريا والعراق وذلك يساعده في الحصول المنتظم على السلاح والذخائر… والرجال. ومنها أخيراً أن محاولة إسرائيل سابقاً إخراج “حزب الله” من جنوب لبنان أيام رئاسة إيهود باراك لحكومتها فشلت وأنهت حياته السياسية. في النهاية يقول لبنانيون مؤيّدون لـ”حزب الله” وآخرون غير مؤيدين له: “لا مانع من Buffer Zone على الحدود اللبنانية مع إسرائيل لكن يجب أن تكون هناك Buffer Zone أخرى على حدود إسرائيل الشمالية مع لبنان”.
النهار