يعتقد متابعون لبنانيون ومن قرب للجمهورية الإسلامية الإيرانية والولايات المتحدة الأميركية في آن واحد ومن زمان أنهما تريدان فعلاً العودة الى علاقة مقبولة. ولديهم على ذلك أدلة كثيرة بعضها من الماضي مثل قول مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية لزائر عربي غير لبناني مهتم بموضوع العراق وإيران الإسلامية رداً على سؤال له عن علاقة واشنطن بطهران: “نحن والإيرانيون نعضّ أصابع بعضنا لكنّ كلاً منا لا يريد أن يشعر الآخر بالألم من جرّاء ذلك. كل منا يعلم حاجته الى الآخر ويخشى أن يتجاوز أحدنا الخطوط الحمر”. وفي حديث لاحق بين الاثنين تطرّق البحث الى الوضع الاقتصادي المتردّي في إيران واحتمال نشوب “ثورة جياع” فيها خلال ستة أشهر الى سنتين. وعندما بحث الزائر العربي هذا الموضوع لاحقاً في بغداد مع صديق نافذ له بعد عودته من واشنطن تلقى جواباً يفيد “أن ثورة الجياع قد تحدث بعد سنة لا خلال ستة أشهر، فهذه مدة قصيرة، ولا خلال سنتين لأنها مدة بعيدة”. في تلك الفترة حصل اتصال هاتفي بين الرئيس الأميركي باراك أوباما ورئيس الجمهورية الإيرانية في حينه الشيخ حسن روحاني الذي كان على متن طائرة في رحلة معيّنة. وكانت نتيجته إجراءات أميركية معيّنة أدّت الى هبوط سعر صرف الدولار الأميركي في إيران وإلى تحسّن سعر “التومان” الإيراني”. في عام 2017 وفي لقاء آخر بين الزائر العربي نفسه لواشنطن والمسؤول الفاعل نفسه في الخارجية الأميركية الذي التقاه سابقاً سأل الأول عن سر الاتصال الهاتفي بين أوباما وروحاني فكان جوابه: “كنا نتوقع “ثورة جياع” في ديسمبر أي كانون الأول وهذا ممنوع أن يحصل في إيران”. طبعاً تساءل الزائر العربي في حينه ولا يزال يتساءل الآن ويسأل الآتي: “كيف تتفق إيران وأميركا على ترتيب العلاقة بينهما؟ وما سرّ الشدّ والجذب بينهما؟ وهل الإخراجات هذه أو التخريجات متفقٌ عليها؟“.
طبعاً لا تكفي هذه المعلومات “القليلة” لإثبات وجود علاقة تعاون وربما تحالف بين واشنطن وطهران رغم عقود من الخلافات بينهما حول قضايا داخلية إيرانية وإقليمية ودولية. فضلاً عن أن الحديث عن تواطؤ بينهما أو تحالف ضمني تكذّبه الوقائع والأحداث والمواقف والاصطدامات بين مشروعات كل منهما سواء في الشرق الأوسط أو في العالم. إلا أن ذلك لا يعني أن مصلحتي إيران وأميركا لم تتلاقيا على ضرورة التفاهم انطلاقاً من الموضوع النووي الإيراني لحصره بأضيق نطاق ممكن، وكان واضحاً أن الدولتين تعملان ببطء وهدوء ومن دون تسرّع لإقامة علاقة تفيد شعبيهما وتخفّف التشنج في المنطقة وتضع أُسُس نظام جديد في الشرق الأوسط يُحلّ السلام والتفاهم مكان الخلافات المحتدمة والاشتباكات غير المباشرة. لكن نتيجة التلاقي المشار إليه تعطّلت بعد سحب ترامب بلاده من الاتفاق النووي الموقّع بينها وبين إيران وعودة التشدّد والتناحر الى علاقتهما. لكن خلفه في الرئاسة أعاد الحياة الى الحوار بين واشنطن وطهران وإن لم يُعد “النووي” الى الحياة بعد. لم تستطع التطورات السلبية الأخيرة في الشرق الأوسط وأقصاها وأهمّها حرب #إسرائيل – “#حماس” وقفه أي الحوار لكن الخوف من عودة العداء والتصادم غير المباشر عبر الوكلاء وربما المباشر يزداد يومياً رغم حرص طهران وواشنطن بايدن على تلافي ذلك.
هل يكون الحرص المذكور مثمراً؟ يتوقف ذلك على أميركا طبعاً وهي قامت ولا تزال تقوم بكل ما تستطيع لتطبيع العلاقات مع إيران وللاعتماد عليها مع حلفاء آخرين في المنطقة لجعل السلام يسود فيها. وذلك في مصلحة دولها كلها والعالم لكنه يتوقف أكثر على إيران الإسلامية. فهل قرّرت أنها ستكتفي بأن تكون إحدى ثلاث دول في الشرق الأوسط تتولى قيادة الإقليم عبر نظام جديد تقوده إسرائيل وتركيا وإيران؟ وهذا مقترح أميركي وإن غير رسمي حتى الآن. أم هي لا تزال تحاول توظيف نجاحاتها في المنطقة والحاجة الأميركية بل الدولية إليها فيها لتحقيق طموحاتها الأساسية في الشرق الأوسط المتناقضة مع مصالح دوله وشعوبه ومصالح المجتمع الدولي في شرقه وغربه؟ وهل سيقبل هذا المجتمع ذلك؟ وهل ستواجهه أميركا؟ وهل صحيح كما تقول جهات دولية مهمة وإقليمية أن أحد أهداف إيران هو السيطرة على ضفتي الخليج أي العربية والإيرانية؟ وهل يقبل العرب ذلك وهم يشكّلون 22 دولة ويزيد عدد شعوبهم عن أربعمئة مليون نسمة في مقابل 80 الى 90 مليون إيراني؟ وهل ستقبل أميركا ذلك؟ ثم ما هو المشروع النهائي الاستراتيجي لإيران الإسلامية؟ وهل يمكن أن يقبله العالم بغربه الأميركي – الأوروبي – الآسيوي كما بشرقه الصيني – الروسي؟ طبعاً لا أجوبة عن هذه الأسئلة اليوم لكن على إيران وأميركا وغيرهما البحث عنها. وعلى إيران ربما أن تفكّر في ضرورة الانتقال من حال الثورة الدائمة والمستمرة الإسلامية وغير الإسلامية الى حال الدولة الإسلامية ولكن المستقرة بواسطة نظام ديموقراطي لا يناقض الإسلام لأن الإيرانيين شعب مسلم ومتديّن. فهدف كل ثورة هو إقامة دولة سيّدة وحرة للشعب فيها كلمة أساسية من خلال انتخاباتٍ “نزيهة”، أما دولة الثورة المستمرة فتفتح الباب أمام التسلّط والسيطرة والفساد وغياب الحرّيات واستمرار الحروب داخلاً وخارجاً. علماً بأن شعب إيران متعلّق ببلاده وبإسلامها ومتمسّك بدولة قوية ونووية وبدور إقليمي مهم لها وربما عالمي. ومطلبه الوحيد هو الحرّية لا الفوضى والتديّن الحرّ والعيش بكرامة وبلا خوف من أيّ جهاز كان. أما التوسع الأمبراطوري أو الإسلامي والحروب المستمرة فضررها على النظام والثورة الإسلاميين سيكون كبيراً. والدول الكبرى شرقاً وغرباً تراقب وقد تتصرّف لمواجهة “الأحلام المستحيلة”. فإيران مثل دول المنطقة كلها كما الدول الكبرى في العالم لديها “خواصر رخوة” ظهرت واضحة قبل أيام.
النهار