رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، قبل رئيس الحكومة نواف سلام وقبل القوات اللبنانية وحزب الكتائب اللبنانية، هو هدف التصعيد الحالي ل”حزب الله”، دفاعًا عن سلاحه.
ولم تهب المنظومة القيادية في الحزب، يتقدمها أمينها العام الشيخ نعيم قاسم، هبة رجل واحد ضد تسليم السلاح، إلّا بعدما اعلن الرئيس عون عن نيته بأن يشهد العام ٢٠٢٥ نهاية عملية احتكار الدولة للسلاح، وبعدما طرح على الملأ طريقة استيعاب مقاتلي الحزب، بطريقة لا تسيء لا إلى الدولة ولا إلى الجيش، مستذكرا السيناريو الذي شهده لبنان بعد حل المليشيات في أوائل التسعينات من القرن الماضي، رافضا استنساخ تجربة الحشد الشعبي في العراق!
وكلام رئيس الجمهورية، لهذه الجهة واضح وضوح الشمس، فهو عمليا يعلن بدء نهاية الجناح العسكري في حزب الله تماما كما كان لبنان قد اعلن في زمن سابق نهاية الميليشيات.
وهذا الإعلان الرئاسي الذي يُعتبر، في الواقع، تعهدًا للداخل والخارج، هو الذي أثار حفيظة الحزب، وأجبر الشيخ نعيم قاسم على الخروج عن “هدوئه”، ولكن، بهدوء!
وعلى الرغم من صخب عباراته، إلا أنّ التدقيق بمواقف قاسم، تُظهره هادئًا سياسيًّا، فهو اكتفى بتلطيش رئيس الجمهورية والحكومة والجيش، ولكنه حيّدهم، في حين صبّ جام غضبه على “البعض في الداخل”.
ومعرفة المقصود ب”البعض بالداخل” ليست “عويصة”، اذ انّ من يطالب بوضع جدول زمني لتسليم سلاح “حزب الله” موجود ضمن “القوات اللبنانية” و”الكتائب اللبنانية”!
ولكنّ نعيم قاسم، على الرغم من صخبه ووصوله إلى حد التهديد اللفظي بالحرب الاهلية، بقي تحت سقف التصعيد، اذ انه وجه كلماته إلى أولئك الذين يطالبون بنزع سلاح الحزب بالقوة.
وليس بين اللبنانيين من يطالب بذلك، اذ إنّ رئيس الجمهورية ضبط سقف المطالبة هذه بالحوار مع الحزب. حوار سوف يتولاه بشخصه بالتنسيق مع رئيس الحكومة نواف سلام وبمعونة رئيس مجلس النواب نبيه بري!
ويعرف قاسم أنّ مشكلته الحقيقية ليست مع الداخل الذي يطالب بق يام دولة حقيقية، لا سلاح فيها خارج الحصرية المعطاة دستوريا للمؤسسات العسكرية والأمنية، بل مع إسرائيل من جهة ومع المجتمع الدولي من جهة أخرى!
وإسرائيل تقدم كل يوم، في الصباح كما في المساء، صورة العاجز عن “حزب الله” فتقتل ناشطيه كلما تحركوا وتختار من بينهم من يناسبها لاغتياله، كما تقصف أي محاولة للعودة إلى القرى الأمامية في الجنوب، وهي مستعدة للعودة، في كل لحظة إلى الحرب.
والحزب، حيال ذلك، يظهر “تواضعًا” ميدانيا كبيرا فيسلم أمره لدولة أعلن رئيسها، من دون مواربة، أنّ الدبلوماسية هي خياره الوحيد!
وخيار الدبلوماسية هو خيار واقعي، بعد النتيجة التي أسفرت عنها الحرب الأخيرة التي تسبب بها “حزب الله”، بدخوله طرفا فاعلا في “وحدة الجبهات” ورفضه ان ينسحب في الوقت المناسب من “حرب المساندة”!
ويستطيع “حزب الله” ، بما أنّه يهدد بالحرب الاهلية، ان يحتفظ بسلاحه، ولكن مشكلته تكمن في انه سيمنع تدفق الأموال اللازمة لإعادة إعمار ما هدمته حربه وإسرائيل. يمكنه ان يطلب من الحكومة ان تبدأ ورشة الاعمار من الآن حتى قيام الساعة، لكنها لن تستطيع ان تنفذ بندا واحداً من الخطة لأنّها دولة مفلسة ولن يساعدها احد طالما ان سلاح حزب الله لا يزال بعهدته ولم يتم تسليمه!
مشكلة “حزب الله” ليست مع الدولة اللبنانية ولا مع “البعض في لبنان”. مشكلته مع نفسه، فهو، كما كان واضحا من كلمة قاسم الأخيرة، يريده للمحافظة على مكتسباته الداخلية، خوفا من الاستقواء عليه بدعم من الإدارة الأميركية. وهذا تعبير عن قلة ثقة بالبيئة الحاضنة التي لا يبدو أنّها، في قناعة قاسم، ستبقى حاضنة ان ذهب السلاح إلى مخازن الدولة اللبنانية!
وليس مهما ان يرفع حزب الله تهديداته للداخل، فهذه مرحلة “تصلّب” وتمر مع عاصفة المفاوضات الإيرانية مع “الشيطان الأكبر”، الأهم كيف يمكن لهذا الحزب ان يقنع ناسه بأنّ سلاحه أهم من منازلهم وبلداتهم وقراهم وشبابهم ومستقبلهم!
إنّ رحلة نهاية العصر العسكري لحزب الله قد بدأت، والصراخ الصاعد من هنا وهناك، قد يعرقل المسار ولكنه يستحيل ان يوقفه، لأنّه بات… قدرًا!