"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث

"صراع" الأهل وأبنائهم.. قدرُ الأجيال أو خطأ في فهم الآخر؟

كريستين نمر
الأربعاء، 3 يناير 2024

"صراع" الأهل وأبنائهم.. قدرُ الأجيال أو خطأ في فهم الآخر؟

غالبًا ما تتحوّل اللقاءات والتجمعّات العائلية خلال الأعياد والمناسبات إلى جلسات عتاب ولوم ووعظ من قبل الأهل لأبنائهم، إذ يسعون إلى قول كل ما يختلج في مكنوناتهم من مآخذ عليهم، ما يمنح بالمقابل الأبناء مساحة للتعبير عن نقاط الاختلاف وإبداء الانتقادات تجاه أهلهم، فيتضاءل هامش تبادل الأفكار وتتباين الآراء، وترخي هذه اللقاءات بثقلها على الجانبين بصورة عامة وعلى الأبناء بصورة خاصة.

لماذا تكثر التوترات بين الأهل وأبنائهم وتتغيّر العلاقة بعد بلوغهم سنًّا معيّنة وخصوصًا بعد تركهم المنزل العائلي؟ فهل هو الدعم الزائد أو التقييم أو الانتقاد لمجرّد الانتقاد من قبل الأهل؟ وهل من سبيل للحفاظ على علاقة مستقرة بينهم؟

قد يظن الأهل، أنهم بمحاولتهم التأثير والمَوْنة على أبنائهم، يسعون إلى المحافظة على الثبات في النظام العائلي، فيحاولون فرض آرائهم بطريقة إدارة بيوتهم وتربية أحفادهم وأعمالهم… فيكوّن الأبناء شعورًا بأنهم لا يحظون بالاحترام والتقدير الكافي من أهلهم، وبأنهم خيّبوا آمالهم ولم يأتوا على قدر تطلّعاتهم… فيبدأ الشرخ في العلاقة.

ويربط علم النفس سبب ظهور التوترات بين الأهل والأبناء بشكل خاص في سن البلوغ برغبة الأبناء في إظهار قدرتهم على إدارة حياتهم بمعزل عن أهلهم، ويرافق هذه التوتر تغييرًا جذريًا في نظرتهم تجاه والديهم، فيشكّكون في التربية التي تلقوها، خصوصًا عندما يصبحون بدورهم أولياء لأمور أطفالهم، ويدركون في هذا السياق أخطاء الآباء، فتتباين وجهات النظر وتنشأ التوترات.

Screenshot 2024-01-01 at 16.48.46

               Aline Nativel Id Hammou

إلا أن من إيجابيات “صعوبة التعامل” التي يراها علم النفس، أنّ الأبناء بسلوكهم هذا “يحاولون قتل الأهل المثاليين الذين رسموهم في خيالهم منذ صغرهم” ما يعتبره خطوة مهمة في تطوّر الإنسان.

هل على الوالدين بدورهم “قتل” هذا الطفل المثالي؟

إنّ التصوّر لإنجاب ولد مثالي قد يكون المحفّز الأول للتناسل والاستثمار في تربيته من قبل الأهل طبعًا، وتقول الاختصاصية في علم النفس السريري والمعالجة نفسية ألين ناتيفيل إد همّو: “من الطبيعي والضروري أن يطمح الأهل إلى إنجاب ولد مثالي، ولكن مع مرور الوقت، يجب على الوالدين أن يتكيفوا مع “الطفل الحقيقي” الذي أمامهم، وأن تنحصر مهمتهم في دعمه ومحبّته ورعايته حتى لو لم يتناسب مع تلك “المربّعات المتوقعة”، لكن للأسف، يتشبث بعض الآباء بتصوّرهم المثالي، وعندما يصبح الطفل بالغًا، يدركون أنه لا يتناسب مع التصوّر الذي رسموه في خيالهم فتنشأ النزاعات”.

“مع النمو، يقوم الأطفال بتقديس والديهم ثم يدركون أنهم بشر ضعفاء”

وهذا السعي إلى الكمال غالبًا ما يكون في الاتجاهين، بحيث يترسّخ لدى الأطفال تصوّرًا مثاليًا عن والديهم ويقومون ب”تقديسهم”، لكن مع مرحلة البلوغ يدركون أنهم بشر مثل غيرهم، يرتكبون الأخطاء، فيصعب تحمّلهم، وتتوتر العلاقة وتضعف الصلة بينهم.

إلا أنّ المحطة الأكثر إحراجًا في حياة الأهل والأبناء معًا، تبقى مرحلة شيخوخة الأهل، التي هي “المشوّش الأكبر على طاقة العائلة”، كما تصفها همو، فالأبناء يتجنّبون الاعتراف بتقدّم أهلهم بالعمر، ويواجه الآباء والأمهات هذه المرحلة بصعوبة أيضًا، فكلما تقدّم العمر بأبنائهم شعر الأهل بدنو أجلهم، فيحاولون التقرّب والتواصل وتقاسم النشاطات معهم، فيكثر العتاب من جانب الأهل ويلقي هاجس الالتزام والواجب بثقله على الأبناء ويشعرون بضرورة الاتصال بهم وقضاء وقت أكثر معهم.

هل من تسوية؟

للوصول إلى تسوية معًا حول نوع العلاقة التي يرغب الأهل والأبناء في الحفاظ عليها ينصح علم الاجتماع باتباع النصائح الآتية:

  • إنّ خلق جو من الثقة والألفة والتفاهم من قبل الأهل خلال فترة طفولة ومراهقة الأبناء يساهم في تقليص الفجوة بينهم في مرحلة البلوغ.

  • عدم اقتصار الأحاديث على المواضيع العائلية أو الأسئلة المتعلّقة بالحياة الشخصيّة خلال الاجتماعات العائلية والمناسبات.

  • إثارة الأحاديث المتعلّقة بالأحداث الجارية، تمامًا كما يحدث مع الأصدقاء.

  • إذا كان لدى الأبناء أطفال، من المستحسن مناقشة سلوكهم كما يفعلون مع الأشخاص الغرباء أي من دون فرض آرائهم عليهم.

  • على الأهل معاملة الأبناء بأدب والأخذ برأيهم وطلب المشورة في بعض الأمور، فأسلوب المحادثات ونغمة الصوت ومدى الشعور بالراحة عند الحديث يبقى الزاوية الأهم في إدارة علاقة صحية وسليم.

  • عدم الانزلاق في العلاقة إلى الأخذ والعطاء، فإذا بدا الأبناء دومًا في دور المطالب، على الأهل أن يقترحوا عليهم ما يمكنهم تقديمه بالمقابل.

وتبقى أسمى العلاقات تلك التي لا يشعر الأهل والأبناء بالتقيّد والالتزام تجاه بعضهم البعض، بل بالتحرّر وقبول الآخر، فتُجَنّب الأهل الشعور بالغبن، والأبناء الشعور بالتقصير.

المقال السابق
هكذا تمّت عمليّة اغتيال العاروري في معقل "حزب الله" في الضاحية الجنوبية لبيروت
كريستين نمر

كريستين نمر

محرّرة وكاتبة

مقالات ذات صلة

"مفترس في هارودز" وثائقي يتهم محمد الفايد باغتصاب موظفات وابتزازهن

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية