ثمّة شبه إجماع، على أنّ دمية “باربي”، وعلى الرغم من تجاوزها الرابعة والستين من عمرها (طرحت لأول مرّة في الأسواق سنة ١٩٥٩)، تمثّل معايير جمال عالمية، قد يعتقد البعض بأنها صيغت من تاريخ الإنسان التطوّري!
فما سرّ الإجماع على جمال هذه الدّمية العابر للزمن، التي عادت وتصدّرت أخبارها وسائل الإعلام العالميّة، بعدما حطّم الفيلم الكوميدي الرومنسي الأميركي الذي يحمل اسمها الأرقام القياسيّة، إذ بلغت مبيعات التذاكر في الأسبوع الأول من عرضه ١٦٢ مليون دولار في الولايات المتحدة وكندا؟
في محاولة لفك طلاسم هذا اللغز، أجرى العالم ألبرت ماغرو من كلية فايرمونت ستايت في الولايات المتحدة الأميركية دراسة وافية، إذ طلب من ٤٩٥ شخصًا، بعدما عرض عليهم صورًا لأشخاص، تحديد النموذج الأكثر جاذبية لكل جزء من أجزاء الجسم. وقد أجمعوا على كرههم للسيقان القصيرة والمنحنية والفخذين القصيرين والأنياب الكبيرة الحادة واللثة الطويلة والإبهام القصير والكفوف الطويلة والأصابع المنحنية والعنق الصغير والفك الصدغي، إلا أنهم أبدوا إعجابهم بالأشخاص ذوي القامة الطويلة، والساقين الطويلين، والخصر النحيل، والأعناق الطويلة، والشفاه الحمراء المقلوبة، والعيون اللوزيّة، والكتفين العريضين، والأسنان المستقيمة وغير المتباعدة، والأصابع المستقيمة، والبشرة الناعمة الخالية من الوبر، والبطون المسطحة، وأقواس القدم المرنة.
ولاحظ ألبرت ماغرو أن دمية باربي تجمع بين كل هذه السّمات!
لماذا؟
يشير ماغرو إلى أنّ “الأبحاث المجراة على بقايا الإنسان البدائي بيّنت أنّ ثمّة سمات جسدية قد فُقدت على حساب أخرى، بحيث تطوّرت الجديدة خلال عملية تطوّر الواقفين على أقدامهم وزيادة الذكاء والبراعة اليدوية والنظام الغذائي المتنوّع، وأنّ هذه التغييرات الجسدية هي التي حظيت بتقدير أكبر من قبل المشاركين في دراسته”.
ويشرح ماغرو: أدى الوقوف على القدمين، على سبيل المثال، إلى زيادة طول الساقين وطول العنق وتكوين الكتفين العريضين قليلاً إلى الخلف.، كما غيّر النظام الغذائي المتنوّع شكل الفكّ والأسنان، وعدّل زيادة تطور القشرة الدماغية من حجم الجمجمة، كما زاد تطوّر الذكاء من القدرة على استخدام الأدوات والبراعة اليدوية، ما أدى إلى تغيير شكل الأيدي”.
أما في ما يختص الشفاه، يقول ألبرت ماغرو “إن البشر وهم النوع الوحيد الذي يتجّه غشاء شفاههم إلى الخارج”، وهذا هو السبب في أن الشفاه الحمراء لها تقدير عالٍ كونها تشير إلى التطوّر المتقدّم”.
ولحظ ماغرو أيضًا “بأن السّمات التي لا تعجبنا كثيرًا، موجودة لدى أقدم أسلافنا، وعند القرود، لذا، عندما ننظر إلى دمية باربي، نلاحظ أنها تجمع في جسمها ووجهها على السواء السّمات المتطوّرة وبالتالي فهي لا تمتلك أي صفة بدائية”.
فهل هذا هو سبب شهرتها؟
غالبًا ما يختار المرء شركاء يتمتّعون بالسمّات الآنفة الذكر، فالمرأة الجميلة هي الأكثر رغبة من قبل الرجل، ولديها المزيد من الفرص للتكاثر وإنجاب أطفال تورثهم جمالها هذا، وقد يكون هذا أحد الأسباب الرئيسية لاختفاء السّمات الأخرى تدريجياً، فبحسب فرضية داروين: “الجمال دليل على أنّ الأفراد يمتلكون الجينات الصحيحة، وهو مؤشّر لصحة جيدة، وعادة، يسعى البشر للتكاثر مع الأشخاص الجميلين، لمشاركة جيناتهم معهم لأنها قد تنتج إضافة الى الجمال، جهازًا مناعيًا جيّدا”.
ويقول ماغرو: “يمكننا أن نقول إن البشر تكاثروا، وسيستمرون بالتكاثر مع باربي كنموذج، وربما هذا هو السبب الذي يجعل جميع ملكات الجمال في العالم تتشابه في النهاية!”
وباربي، على الرغم من نحافتها، نلاحظ أنّ أردافها محدّدة بشكل جيّد، ومن المعروف أنّ الرجال يفضّلون الخصر الرفيع الذي لا يتجاوز محيطه ٦٠ سم والوركين البارزين وذلك للدلالة على قدرة المرأة على الإنجاب.
وبالإضافة إلى ذلك، تبدو الدمية باربي شابة بشكل عام، فالشباب، الذي يحظى بتقدير عالِ، يمثل معيارًا للجمال، ومؤشّرًا للخصوبة، ففي دراسة أ جريت في عام ١٩٩٦، كشفت أن المراهقين يفضّلون النساء الأكبر سنًّا منهم بخمس سنوات، أي الأكثر خصوبة.
وماذا عن شعر باربي الأشقر؟ وهل يفضل الرجال الشقراوات؟
هناك شيء واحد مؤكد: إن المرء بطبيعته يحبّ الأشخاص الذين يحملون جينات مختلفة عن جيناته، إذ يعتقد أنّ المزج بين الجينات يزيد من حظوظ بقائه على قيد الحياة. من هنا نرى أنه في الكثير من البلدان ذات الغلبة للبشرة السمراء، يتم البحث عن الشقراوات، لأنهنّ نادرات، فالزواج منهن يحافظ على التنوّع الجيني ويعزّز جهاز المناعة.
حتى الأطفال يفضّلون المرأة الجميلة!
في دراسة أجراها العالم النفسي آلان سلاتر، في جامعة إكستر البريطانية، تبيّن أن الأطفال الرضّع حسّاسون أيضًا على الجمال، فقد قام بعرض صور، على أكثر من ١٠٠ رضيع تتراوح أعمارهم بين خمس ساعات ويومين، تمّ وضعها جنبًا إلى جنب على بُعد حوالي ٣٠ سنتيمترًا من وجوههم، وتضمّن كل زوج من الصور، صورة لامرأة جميلة جداً وصورة لأخرى عادية، ويقول سلاتر: “استغرقت أعين الأطفال وقتًا أطول بأربع مرات على التركيز على الوجوه التي اعتبرها البالغون جميلة.
إذاً، فيما يتعلق بالنساء، نحن أطفال كبار”!
وبغضّ النظر عن الجنس أو الجنسيّة أو العمر، فالطبيعة البشريّة بأكملها مفطورة على عشق الجمال، ومن يجسّد سمات جمال الأنوثة غير الدمية باربي؟
ومع ذلك، اطمئنوا، حتى لو كان طفلكم يعشقها، فإن أجمل امرأة في العالم ستبقى أمه!