لدى المسيحيّين كتاب يطلق عليه رجال الدين إسم “سنكسار”، وهو يدوّن سير الشهداء والقديسين، ويخص كلًّا منهم، بيوم لإحياء ذكراه!
وبات لبنان يقترب من وضع “سنكسار” وطني، إذ إنّ الأمور إذا ما استمرّت على الوتيرة نفسها، فإنّ أيّام السنة سوف يتم توزيعها على الشهداء الذين يتم اغتيالهم، بسبب إيمانهم بلبنان، حيث السيادة للدستور والسلاح للقوات المسلّحة والكلمة العليا للسلطات المنتخبة.
في هذه الساعات، يُحيي لبنان ذكرى استشهاد رجل الكلمة والفكر لقمان سليم. وبعد أقل من عشرة أيّام يحيي ذكرى استشهاد الرئيس رفيق الحريري.
الجميع على قناعة بأنّ “حزب الله” الذي بيّنت “المحكمة الدولية” تورطه بتنفيذ اغتيال الحريري يقف وراء اغتيال سليم، ولكنّ الجميع أيضًا إما يتواطؤون لمصلحة “حزب الله” أو يتجاوزون الحكم عليه و الشبهات التي تحوم حوله، حبًّا بالسلطة وطمعًا بالمكاسب وتعلّقًا بالحياة.
وهذا النهج الذي تعتمده غالبيّة اللاعبين السياسيين في لبنان، يسمح ل”حزب الله” ليس فقط في اغتصاب قرار الحرب وتوريط لبنان في “المحور الإيراني”، بل في استسهال الإستمرار في قتل من لا يذعن للتهديدات التي طالما أخذت أشكال “الأحكام الميدانيّة” بجرم الخيانة، أيضًا.
لقمان سليم لم يذعن ل”حكم الإعدام” الذي ألصقه “حزب الله” على جدران دارته وفي وسائل التواصل الإجتماعي، فكان اغتياله.
وإذا أخذنا مرجعية صدور القرار 1559 واعتبرنا الأوّل من تشرين الأوّل 2004، تاريخ محاولة اغتيال النائب مروان حمادة، نقطة بدء الإحتساب، فإنّ السيرة الذاتيّة لجميع من تمّ استهدافهم في لبنان تُظهر أنّهم فعلوا مثل ما فعله لقمان سليم، أي رفضوا الإذعان للتهديدات الصريحة والواضحة التي تلقوها من “حزب الله”.
حاليًّا هناك أكثر من لقمان سليم على اللائحة. أحكام التخوين التي يجري إصدارها تتكدّس بحق مجموعة واسعة من رجال الدين والسياسيين والإعلاميين والناشطين.
في ذكرى استشهاد لقمان سليم، تأخذ هذه “الأحكام ال ميدانيّة” مداها. الخطر في الموضوع أنّ الجميع، لبنانيين ودبلوماسيّين، يظهرون عجزًا كبيرًا أمام حقيقة مرّة، تُظهر السلطة القضائية والأجهزة الأمنية في موقع الممتنع عن وضع حد لمسار الإفلات من العقاب.
الضوء الوحيد الذي من شأنه أن يُبقي شعلة الشجاعة مشتعلة، أنّ التخاذل هنا لا يقتل الذاكرة هناك.
ولعلّ هذه الذاكرة الحيّة تقتضي منّا أن نكتب السنكسار الوطني اللبناني، لنتذكر الشهداء ونبقي سيرتهم الذاتية حيّة ولا ننسى أنّ قاتلهم بيننا ويبذل كل جهد ممكن للتحكم بنا وبدولتنا وحتى…بأحلامنا!