أسرار شبارو-”الحرة
ازدادت سخونة الجبهة الم شتعلة بين حزب الله وإسرائيل بصورة غير مسبوقة منذ اندلاع الحرب في غزة، حيث اتسعت رقعتها الجغرافية وقوتها التدميرية، لتزيد معها موجة النزوح من جنوبي لبنان، بحثاً عن مكان آمن من حزام النار.
وقبل يومين، وصلت الصواريخ التي أطلقت من لبنان إلى صفد، مما أدى إلى مقتل جندية إسرائيلية وإصابة جنود آخرين، ليأتي الرد الإسرائيلي بقصف مبنى من 3 طوابق في مدينة النبطية الجنوبية، أسفر عن سقوط عدد كبير من القتلى والجرحى المدنيين، من بينهم 7 أشخاص من عائلة برجاوي.
وحتى الآن، تم انتشال 11 قتيلاً و7 جرحى من مبنى النبطية، كما قال رئيس بلدية المدينة، أحمد كحيل، إلى موقع “الحرة”، فيما أكد الجيش الإسرائيلي، أنه قتل في الغارة، قائد مركزي في “قوة الرضوان” التابعة لحزب الله، علي محمد الدبس مع نائبه حسن إبراهيم عيسى، وعنصر آخر.
وقبل ساعات من استهداف المبنى، سقط 3 قتلى من عائلة المواطن جلال حسين محسن في بلدة الصوانة، بعد استهداف منزلهم بصاروخين، هم ابنه وزوجته (سورية) وطفلهما الرضيع.
ووسط القصف المتبادل، وسقوط أكبر عدد من المدنيين في لبنان في يوم واحد منذ 7 أكتوبر، رفع الطرفان من منسوب تحذيراتهما لبعضهما البعض، مع استمرارهما في التصعيد ميدانياً.
“صمود طوعي”.. ونزوح جماعي
ورغم تعرض النبطية لهجوم قاسٍ وخسائر بشرية كبيرة، فإن “عزيمة الصمود تسود المدينة”، كما يقول كحيل، مشدداً على أنه “اختار السكان البقاء في البلدة واستقبال النازحين من البلدات الأخرى”، متوقعاً أن تعود الحياة إلى طبيعتها خلال يومين، بعد تشييع الضحايا.
وأضاف أنه “يفترض أن تنتهي الخميس عملية البحث عن الضحايا، وبعدها سأتواصل مع المحافظ والمعنيين للعمل على إعادة إعمار ما طاله القصف”.
في مقابل ذلك، أكد ناشط من سكان الضاحية الجنوبية لموقع “الحرة”، أنها شهدت تدفقاً كبيراً من النازحين بعد تصاعد الاشتباكات، الأربعاء، حيث أصبحت بعض البيوت تستضيف عدداً كبيراً من العائلات.
من جانبه، كشف رئيس بلدية عيتا الشعب، محمد سرور، لموقع “الحرة”، عن الواقع الصعب الذي يواجهه سكان المناطق الحدودية، فبعد تأكيده أن البلدة خلت تماماً من سكانها، وأنه نزح مع عائلته إلى منزل أقاربه في العاصمة، عبّر عن حنينه إلى منزله، كونه “المكان الوحيد الذي يشعر فيه الإنسان بالراحة”.
حركة النزوح من جنوب لبنان بدأت منذ أن فتح حزب الله الجبهة مع إسرائيل في الثامن من أكتوبر الماضي، بذريعة “مساندة غزة” كما أعلن، واستمرت بالارتفاع يوماً بعد يوم، مع اتساع رقعة القصف. والأربعاء، أعلنت وزارة الصحة اللبنانية في التقرير التراكمي للطوارئ، أن عدد النازحين وصل إلى 87,161.
وكانت المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة، قد أفادت في الخامس من الشهر الماضي، بأن أكثر من 76 ألف شخص نزحوا في لبنان، جراء التصعيد العسكري، اثنين في المئة فقط منهم يقيمون في 14 مركز إيواء جماعي في جنوب البلاد، لا سيّما في مدينة صور الساحلية (جنوب) وحاصبيا (جنوب شرق).
أما البقية، فقد استأجروا شققاً، أو انتقلوا للعيش في منازل أخرى يملكونها في مناطق أبعد من المناطق الحدودية المتوترة، وفق المنظمة.
كما دفع التصعيد أكثر من 80 ألف إسرائيلي إلى النزوح من منازلهم في المنطقة الشمالية، وفق السلطات.
أبعد من النزوح
لم يفرض على عائلة الشاب علي النزوح من بلدتها عيترون الجنوبية فقط، بل خسرت كذلك منزلها نتيجة القصف، إذ كما يقول “فجأة ومن دون سابق إنذار فقدنا السقف الذي كان يؤوينا في مسقط رأسنا وكذلك أغراضنا وذكرياتنا، فصاروخ واحد كان كفيلاً بتدمير سنوات أمضاها والدي في بناء حلمه”.
ومنذ الأيام الأولى لانخراط حزب الله في الحرب الدائرة في غزة، قرر والدا علي وشقيقه وشقيقته مغادرة البلدة والتوجه للعيش في منزله في الضاحية الجنوبية لبيروت.
وقال: “لم يجلبوا معهم سوى بعض الملابس معتقدين أن نيران القصف لن تطول، لكن الصدمة الكبرى حلّت علينا حين تلقينا اتصالاً من جارنا أطلعنا خلاله أن رياح الخراب هبّت على حيّنا، محوّلة إياه إلى أكوام من الدمار من دون أن تستثني الجدران التي ضمتنا منذ صغرنا وكل ما تحتويه داخلها”.
يحمل علي اليوم أثقال عائلته المادية، فوالده عاطل عن العمل منذ زمن، وبعد أن كان شقيقه يمتلك مقهى في عيترون، أصبح موظفاً في مقهى في العاصمة، وبالكاد يكفي راتبه لشراء حاجياته الأساسيات، أما شقيقته الطالبة، فتمكّنت من نقل حضورها من فرع جامعتها في الجنوب إلى فرع بيروت.
وأكد الشاب الثلاثيني رفضه القاطع للمعارك الدائرة، “فهذه مأساة لا تؤدي إلى مكاسب حقيقية”، معتبرا أن “المناوشات النارية يدفع ثمنها الأبرياء من أرواحهم وأرزاقهم”.
وأضاف: “حتى اللحظة لم نتلق أي دعم من السلطات اللبنانية ولو حتى اتصالاً من أي مسؤول، فلا أحد منهم يعلم بنا وبحالنا”.
دعم محدود
أوضح تقرير لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، نشر الخميس، بأن ما لا يقل عن 39 مدنياً قُتلوا في جنوب لبنان خلال الأشهر الأربعة الماضية، ونزح أكثر من 88 ألف شخص، بحسب المنظمة الدولية للهجرة.
وأوضح التقرير أن الأمم المتحدة وشركاءها يواصلون تقديم المساعدة الإنسانية لأولئك الذين فروا من منازلهم، استكمالاً للمبادرات التي تقودها الحكومة. ويشمل ذلك الغذاء والرعاية الصحية والمساعدات النقدية والدعم التعليمي وخدمات الحماية القانونية للأسر النازحة، فضلاً عن الدعم في صيانة أنظمة المياه ومعالجة مياه الصرف الصحي.
وفي الوقت نفسه، تشير تقديرات مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية إلى أن حوالي 60,000 شخص ما زالوا في القرى الحدودية المتضررة بشدة من تبادل إطلاق النار. ولا تزال قدرة المجتمع الإنساني على تقديم الدعم المنقذ للحياة للأشخاص في هذه المناطق محدودة، بسبب القيود الأمنية وصعوبة الوصول والتمويل.
وقبل أيام، أكد وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال، عبد الله بو حبيب، خلال استقباله رئيسة الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر (IFRC)، كيت فوربس، أنه “لدينا نحو مئة ألف نازح من الجنوب نتيجة الأحداث الأخيرة، وهم بأمسّ الحاجة للعناية والمساعدة، وكل مساعدة ممكنة من الصليب الأحمر الدولي مرحب بها”.
وبعد القصف الذي تعرض له جنوب لبنان، الأربعاء، طلب رئيس حكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي، من بو حبيب، تقديم شكوى جديدة عاجلة ضد اسرائيل إلى مجلس الأمن الدولي، كما طلب من وزير البيئة الدعوة إلى اجتماع عاجل لهيئة الطوارئ الوطنية لمواكبة الوضع.
“صمود قسري”
رغم توسّع رقعة المعارك، وأصوات الانفجارات في البلدات التي تحيط بمنزل منال وعائلتها وحالة الفزع والرعب التي يعيشونها، فإنهم يرفضون النزوح من بلدتهم الجنوبية “معركة”، وذلك لعدة أسباب، على رأسها عدم قدرتهم على تحمّل تكلفة النزوح.
وقالت منال لموقع “الحرة”: “لم يغادر البلدة حتى الآن سوى العائلات التي تملك منزلاً أو لديها أقارب في المناطق الآمنة، وذلك نتيجة ارتفاع بدلات الإيجار وتكاليف المعيشة، فوالدي مجرد عامل يومي توقّف عمله نتيجة المعارك، حيث أصبح من الصعب عليه تلبية احتياجات أشقائي الأربعة”.
كما أن رئيس بلدية عيتا الشعب، أشار إلى “الاستغلال الاقتصادي الذي يتعرض له النازحون من قبل تجار لا يعنيهم سوى تجميع الثروات، فرفعوا بدلات إيجار المنازل وأسعار مختلف الحاجيات، وإن كان ذلك يحصل في معظم البلدان التي تمر بذات الوضع”.
وتعيش منال حالة من القلق والتوتر، وقالت: “أرهقت المعارك أعصابنا وأصابتنا بالأرق، فالانفجارات تهزّ منزلنا، حتى أنه أحياناً نشعر أن القذائف تسقط فوق رؤوسنا، حينها أسارع للطلب من والدتي إغلا ق قارورة الغاز والابتعاد عن النوافذ، فسبق أن تحطّم بعضها نتيجة القصف”.
“وكأن الحلم محرّم على أبناء الجنوب”.. تقول الشابة العشرينية شارحة: “أنا في صدد التحضير لمشروع تجاري، استأجرت محلاً وبدأت بتجهيزه، لكن للأسف أخشى من توسّع رقعة الاشتباكات أكثر وتصاعدها، وبالتالي تجمد حلمي، وحتى الآن أعيش في حيرة نتيجة الحالة الضبابية التي يمر بها البلد، فنحن في زمن الحرب واللا حرب”.
ما يحصل في لبنان في الأيام الأخيرة، هو “تحول مثير للقلق” كما وصف المتحدث الرسمي باسم القوة المؤقتة للأمم المتحدة في جنوب لبنان “يونيفيل”، أندريا تيننتي، “بما في ذلك استهداف مناطق بعيدة عن الخط الأزرق”، الذي يفصل بين لبنان وإسرائيل، ووضعته الأمم المتحدة في 7 يوليو سنة 2000، لكن لا يعتبر حدوداً دولية.
وطالب تيننتي في تصريحات صحفية، الخميس، بضرورة “تكثيف الجهود الدبلوماسية لاستعادة الاستقرار والحفاظ على سلامة المدنيين المقيمين بالقرب من الخط الأزرق”.