إيال زيسر- معاريف
بالنسبة إلى سكان خط المواجهات على الحدود اللبنانية، الذين أخلوا منازلهم في 7 أكتوبر، وبالنسبة إلى جنود الجيش الإسرائيلي المنتشرين على خط الحدود، ما يجري في الشمال حرب حقيقية مع تنظيم “إرهابي” شيعي، هو حزب الله الذي يهاجم، يومياً، مواقع عسكرية ومستوطنات مدنية على طول الحدود. غير أن إسرائيل الرسمية تفضل التعامل مع أحداث الشمال كمواجهة محدودة، ولا تفرض عليها، حتى الآن، خلع قفازاتها كما فعلت مع حركة “حماس” في غزة. وتجدر الإشارة إلى أنه لو حدثت هذه الهجمات لحزب الله قبل أشهر، لكنّا الآن في خضم حرب شاملة مع الحزب، لكن قواعد اللعبة تغيرت، وعلى ما يبدو، يفضلون عندنا البقاء بعيداً عن الأنظار.
وفي الواقع، يفضل الطرفان، إسرائيل وحزب الله، إبقاء المواجهة في الشمال على نار هادئة. ويفضل الجيش تركيز جهوده على إنجاز المهمة الملقاة عليه، القضاء عسكرياً على “حماس”، وعلى قدرتها على السيطرة على القطاع، وربما يعتقد المستوى السياسي أنه قبل شن حرب في الشمال، عليه تجنيد تأييد دولي، أميركي في الأساس. من جهة أُخرى، لا يخفي زعماء حزب الله تخوّفهم، وحتى رعبهم من اندلاع حرب شاملة يمكن أن تحوّل فيها إسرائيل بيروت إلى غزة. لذلك، امتنعوا من مهاجمة عمق إسرائيل، وركزوا قتالهم على طول خط الحدود الذي يشكل منطقة مريحة للطرفين، حتى لو كان مَن يدفع الثمن هم سكان الشمال وجنود الجيش المنتشرين في المنطقة.
خوف حسن نصر الله من فقدان سيطرته على ألسنة النيران التي أشعلها في 7 أكتوبر، جرى التعبير عنه في الرد “الضعيف” على اغتيال نائب زعيم “حماس” صالح العاروري في منطقة الضاحية، معقل الحزب في قلب بيروت. لقد شعر نصر الله بأن عليه الرد، وإلّا فإنه سيفقد احترام مؤيديه من الطائفة الشيعية في لبنان، وفي نظر العالم العربي، وسيواجه انتقادات بأنه لم يساعد “حماس” في صراعها ضد إسرائيل في غزة.
يتخوف نصر الله أيضاً من أن تفسّر إسرائيل تجنُّبه الرد بأنه علامة ضُعف، وتزيد في هجماتها ضده. من هنا، كان الحل على طريقة نصر الله، إطلاق الصواريخ على جبل ميرون، والذي تسبب بأضرار محدودة، ومن دون وقوع قتلى في الجانب الإسرائيلي. من جهتها، إسرائيل رفعت درجة التوتر، واغتالت صباح الاثنين وسام الطويل، أحد كبار قادة قوة الرضوان، القوة الضاربة للحزب على طول الحدود مع إسرائيل. ويمكن أن نتوقع ردّ حزب الله على ذلك، لكنه سيكون “رداً ضعيفاً”، مثل الذي سبقه.
في نهاية هذا كله، لا يزال الواقع على حاله. حزب الله بدأ هجومه على إسرائيل، حتى لو لم يستخدم فيه كامل قوته، ويومياً، يطلق الصواريخ والمسيّرات، بهدف قتل جنود ومواطنين على خط المواجهات في الشمال. وإسرائيل من جهتها، تحافظ على ضبط النفس، وتردّ عليه بصورة مدروسة وحذرة، رغبةً منها بعدم التسبب بتصعيد على طول الحدود. إلى أين يأخذنا هذا كله؟ بالنسبة إلى الولايات المتحدة، الجواب واضح. واشنطن تريد منع تصعيد يمكن أن يتوسع إلى أجزاء أُخرى في الشرق الأوسط، ويهدد مصالح الولايات المتحدة وجنودها في شتى أنحاء المنطقة. لذلك، هي توظف جهداً دبلوماسياً، بهدف التوصل إلى اتفاق يسمح لحزب الله بالنزول عن الشجرة العالية التي صعد إليها، في مقابل تنازلات إسرائيلية في موضوع ترسيم الحدود البرية بين الدولتين. ضمن هذا الإطار، يأمل الأميركيون بموافقة حزب الله على انسحاب قواته إلى ما وراء نهر الليطاني، بحسب القرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن في صيف 2006، القرار الذي انتهكه حزب الله طوال الأعوام الماضية.
على ما يبدو، المشكلة أن الجهد الدبلوماسي لن يكون كافياً، ومن دون تهديد حقيقي وملموس، من الصعب الافتراض أن حزب الله سيقبل التنازل. ليس من المستغرب، والحال هذه، أن يكرر الناطقون الإسرائيليون، من رئيس الحكومة، وصولاً إلى الناطق بلسان الجيش، تحذيراتهم بأنه إذا لم يعد الهدوء إلى الشمال، وإذا لم ينشأ واقع أمني جديد، فلا مفرّ من عملية عسكرية. وفي مثل هذه الحالة، “سنقوم بنسخة حرفية” [copy–past] عمّا فعلناه في غزة، كما هدد وزير الدفاع يوآف غالانت. في هذه الأثناء، يتواصل تبادُل الضربات بين حزب الله وإسرائيل على طول الحدود، لكن ضمن الحدود والأنماط، أو الخطوط العامة عينها التي سادت في الأشهر الثلاثة الأخيرة. وسائل الإعلام تنقل تقارير بشأن التصعيد في الشمال، لكن ما يجري فعلياً، هو “الأمر نفسه”.
ومع ذلك، قريباً سيكون المقصود 100 يوم من “الأمر نفسه”، وسيكون للعدد أهمية، بالإضافة إلى أن الجيش سيزيد في وتيرة هجماته ضد حزب الله ونوعيتها، الأمر الذي يمكن أن يجرّ الحزب، رغماً عن إرادته، إلى زيادة حدة عملياته. والأهم من ذلك، يوشك صبر إسرائيل على النفاذ، وفي الحقيقة، آن الأوان لكي نكون غير صبورين، وأن نتوقف عن احتواء هجمات حزب الله، وأن نفهم أن ما يجري حرب، وأن نتصرف بما يتلاءم مع ذلك.
حتى الآن، لا جديد في الشمال. لكن العدّ العكسي الذي يسبق الانفجار الذي لا مفرّ منه، يبدو أنه بدأ، والسؤال الكبير هو: هل ما زال وقفه ممكنا؟