قد يكون “حزب الله” محقًا في كل ما يقدّمه من توصيفات لإسرائيل ومخاطرها. ليس لنا أن نُجادل فيها.
ولكن، في المقابل، قد يكون البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي وعدد من القيادات في لبنان، محقين أيضًا في كل ما يقدمونه من معطيات عن عدم جدوى الحرب الحالية مع إسرائيل وما تلحقه بوتيرتها الراهنة ويمكن أن تلحقه، بوتيرتها التصاعديّة، من أضرار كارثيّة بالبلاد.
وبغض النظر عن الطرف الأدق في نظرته الى الأمور، فإنّ المؤكد أنّ حسم الجدل يحتاج الى مرجعية دستوريّة من شأنها أن تُضفي شرعيّة على أيّ نهج يمكن أن يعتمده لبنان، لأنّ قرار الحرب كما قرار السلم لا يُتّخذان في المكاتب المغلقة أو في غرف العمليات الإقليمية أو م ن على المنابر.
وبهذا المعنى، فإنّ الحرب التي فتحها “حزب الله” في الجنوب، سواء كانت لمساندة غزة المظلومة أو لتوفير “دفاع وقائي” عن لبنان، تفتقر الى الشرعية الوطنية، لأنّ مصدرها ليس لبنانيًّا، بالمعنى المؤسساتي، بل أتت نتيجة تصوّر لا ناقة للبنان به ولا جمل ، إسمه “وحدة الساحات” أو “تلاحم الجبهات”، واتخذته ما يسمّى ب”جبهة المقاومة”.
وهذا يعني أنّ ما يقوم به “حزب الله” في الجنوب ويُلحق الموت والدمار والتهجير بشرائح واسعة من اللبنانيّين، لا يحظى بغطاء وطني، لأنّه يفتقد الى حصانة المرجعيات الدستورية الكفيلة وحدها برسم الخط الفاصل بين ما هو وطني وما هو غير وطني.
إنّ المواقف التي يطلقها البطريرك الراعي بمواكبة مجموعة واسعة من القيادات السياسية والحزبيّة، ومهما كان رأي “حزب الله” بمضمونها، يستحيل اعتبارها تصب في خدمة إسرائيل، لأنّ لبنان الشرعي لم يقرر أن يواجهها بفتح جبهة الجنوب ضدّها، بل هي تصب في خدمة لبنان، لأنّها تهدف الى خدمة المصلحة العليا وركنُها الأساس ارتكاز سلوك أي طرف لبناني على شرعية المؤسسات الدستوريّة وليس على اجتهادات فئويّة.