تبيّن المواكبة اللصيقة للتطوّرات على الجبهة اللبنانيّة- الإسرائيليّة أنّ إسرائيل فرغ صبرها من الحرب التي فتحها ضدّها “حزب الله”.
وتُظهر المعطيات الواردة من إسرائيل وجود رغبة جامحة بشن هجوم واسع على لبنان، من دون إعطاء أهمية واسعة للأضرار التي يمكن أن تصيبها من جرّاء ذلك، على اعتبار أنّ سكان شمالها “نازحون” واقتصاد البلاد “معطل” بسبب صواريخ “حركة حماس” وحياة الإسرائيليّين قائمة على “إيقاع الحرب”، وأنّ العودة الى السكن في مناطق متاخمة “للأعداء” أصبح مستحيلًا بعد تجربة الهجوم المفاجئ والصاعق ل”حركة حماس” على “غلاف غزة”.
والأهم، بالنسبة لكثير من صنّاع القرار أنّ طريقة عمل “حزب الله” على الجبه ة الشماليّة تُظهر أنّه يعتمد التكتيك التصعيدي، في حرب الإستنزاف التي قررها، وتاليًا فهو بات يضع يده على الساعة، ويتصرّف وفق ما يلائمه.
وكان القرار الإسرائيلي بشن هجوم واسع على “حزب الله” قد اتُخذ، في وقت سابق من الشهر الماضي، إلّا أنّ الرئيس الأميركي جو بايدن، تدخل لدى رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو طالبًا منه الوقوف ضد توسيع الحرب على الجبهة اللبنانيّة، ففعل عندما وضع الفيتو على خطة عرضها عليه وزير الدفاع في “حكومة الحرب” يوآف غالانت.
ويوم السبت الماضي، كان غالانت وقيادة المنطقة الشماليّة في الجيش الإسرائيلي قد انهوا وضع اللمسات الأخيرة على خطة لهجوم واسع ضد لبنان، فسارع وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن الى التدخل لدى نظيره الإسرائيلي، من أجل وضع الخطة في الأدراج حتى …إشعار آخر!
من الواضح أنّ الإدارة الأميركيّة تجهد لمنع توسيع الحرب في اتجاه لبنان وبالتالي منع نقل تكتيك الإلهاء الذي يمارسه “محور المقاومة” إلى استراتيجة حرب تعتمدها إسرائيل.
قد تكون هناك أسباب أميركية كثيرة وراء هذا الجهد الذي تُرفقه بدبلوماسيّة ناشطة على كل المستويات لإبقاء الحرب محصورة بقطاع غزّة، ولكن بنتيجتها، حتى تاريخه، ينجو لبنان من حرب لا يملك مقوّمات الصمود حيالها.
من المرجح أنّ منع إسرائيل هذه المرة سيكون الأخير، وسيتم إرفاقه بنشاط دبلوماسي أميركي كبير، من أجل عقلنة “حزب الله” والنزول عن شجرة التصعيد في الجنوب اللبناني.
حتى تاريخه، تعتبر إسرائيل أنّ “حزب الله” يراهن في تزخيم عملياته ضدها عبر الجنوب اللبناني، على الضغط الأميركي، وتاليًا بات لزامًا من وجهة نظرها أن ينجح الأميركيون في لجم “حزب الله” وإلّا فإنّها ستفعّل خطط حربها وتبدأ بتنفيذها.
ونحن في لبنان، وبعدما احتسبنا تداعيات حرب شاملة تستهدفنا، وفي ظل إدراكنا لعجز القوى الحاكم والسياسيّة عن التأثير على “حزب الله” لينجينا من مغامرة كارثية جديدة، لا يسعنا إلّا أن نقول، في حمأة التهجمات عليها بسبب موقفها الداعم لإسرائيل في حربها ضد غزّة، وبلهجة أعدائها: “شكرًا أمريكا!“.