"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث

شهر على "طوفان الأقصى".. خيبات وكوارث ومجازر وحشود ومخاطر إقليمية و"السيوف الحديديّة" كأنّها في يومها الأوّل

المحرّر السياسي
الاثنين، 6 نوفمبر 2023

شهر على "طوفان الأقصى".. خيبات وكوارث ومجازر  وحشود ومخاطر إقليمية و"السيوف الحديديّة" كأنّها في يومها الأوّل

في السادسة من صباح السبت الواقع فيه السابع من تشرين الأوّل 2023، تغيّر كل شيئ ليس في إسرائيل وغزة فحسب بل في منطقة الشرق الأوسط كلها. رحلة التطبيع التي كادت تصل الى أبرز محطاتها على الإطلاق، المملكة العربيّة السعوديّة، تعرّضت لقصف شديد، فعادت الدنيا الى الحرب ومعها عادت المنطقة الى إعادة النظر بالخرائط المرسومة.

قبل شهر من اليوم، شنّت “حركة حماس” التي كانت تظهر هادئة جدًّا في المواجهة مع إسرائيل، موحية بأنّها، في وضعيّة التركيز على الإقتصاد، هجومًا أقلّ ما وُصف به أنّه نوعي.هجوم استهدف غلاف غزة شارك فيه، وفق الإسرائيليين، ثلاثة آلاف مقاتل تحت وابل من القصف الصاروخي الذي تخطى الألفي صاروخ، وأدى الى قتل 1400 إسرائيلي وأسر 240 آخرين واحتلال “مؤقت” لعدد من البلدات والقرى في المنطقة الإسرائيلية المحاذية لقطاع غزة.

وعمّت الإحتفالات جميع المؤمنين بقدرة “محور المقاومة” على محو إسرائيل، فيما كانت إسرائيل تبكي وتندب وتحاول أن تستوعب ماذا حصل لها وفيها، وكيف ظهر تقدمها التكنولوجي وجيشها “الذي لا يقهر” بهذه “الركاكة”.

وما إن تلمّست إسرائيل خسائرها ووقائعها، حتى أطلقت كرد على العملية النوعية التي سمّتها “حماس” ب”طوفان الأقصى” حرب “السيوف الحديديّة” التي بدأت من “المعتاد” أي قصف الأهداف العسكريّة في قطاع غزّة، في وقت استدعت فيه الإحتياط الذي وزعته، بحسب أهمية المعارك والخطط المرسومة، على كامل حدود دولة إسرائيل.

وردت “حماس” على إعلان إسرائيل الحرب بدعوتها كل قوى محور المقاومة الى مؤازرتها ودعمها والإنضمام الى الحرب، فكان “حزب الله”، في الثامن من تشرين الأول، أوّل من لبى الدعوة، ولكن على أساس تذكّره “واجب تحرير مزارع شبعا”.

وفي مقابل بدء انضمام تنظيمات قوى محور المقاومة لدعم “حماس”، وجدت الولايات المتحدة الأميركية نفسها تقف الى جانب إسرائيل، فعجلت ببدء إرسال أهم قطعاتها الحربية البحرية الى الضفة الشرقية في البحر الأبيض المتوسط، من أجل ردع كل خطة تهدف الى توسيع الحرب من غزة الى كامل المنطقة.

وفي ظل القصف التصاعدي ضد غزة، لجأت “حركة حماس” فورًا الى استخدام ورقة الرهائن، على اعتبار أنّها نقطة ضعف تاريخية لدى إسرائيل.

وأعلن، في التاسع من تشرين الأوّل الناطق باسم كتائب القسام ابو عبيدة أن ” كل استهداف لشعبنا دون سابق إنذار سنقابله بإعدام رهينة من المدنيين”.

واضاف: “نؤمن بالأخلاق الدينية والعسكرية، ونؤمن بتعليمات ديننا في الحفاظ على الأسرى، لكن لأنّ العدو لا يفهم لغة الإنسانية سنخاطبه باللغة التي يفهمها”.

وارتد هذا التهديد سلبًا على “حماس” في العالم، إذ إنّه أضاف عبءًا فوق عبء، بحيث كان العالم يتابع بغضب شديد الأفلام والفيديوهات والتقارير الخاصة بعملية السابع من تشرين الأول، حيث كانت هناك استهدافات واضحة للمدنيين في سهراتهم وفي منازلهم.

وسط هذه الصورة التي حاول “أبو عبيدة” تصحيحها لاحقًا، رسم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو آفاق المعركة فقال:” إن رد إسرائيل على هجوم حماس سيغيّر الشرق الأوسط”.

وبقيت الأمور منضبطة عند مستويات الإستنفار والتحضير، إلى أن أعلنت إسرائيل عن نيّتها غزو قطاع غزو بريًّا.

هنا دخلت إيران بقوة على الخط وهددت إسرائيل بحرب إقليمية تنخرط فيها قوى المقاومة، وسارعت الدبلوماسية الأميركية والغربية لبذل جهود من أجل منع حصول حرب كبيرة كهذه، فرفعت الولايات المتحدة الأميركية من جهوزيّتها العسكريّة في المنطقة ودخلت بريطانيا على خط الدعم البحري.

وبقي هذا الوضع على حاله، إلى أن استهدف صاروخ مستشفى المعمداني في غزة وتسبّب بمجزرة كبيرة. هذه المجزرة أربكت الجميع، دولًا عربية وغربية، ورفعت مستوى التأهب لدى محور المقاومة، لكن إسرائيل التي اتهمت “الجهاد الإسلامي” بارتكابها من خلال صاروخ لم يصل الى هدفه الإسرائيلي، ثابرت، بدعم مخابراتي كبير دخلت إليه واشنطن وباريس وغيرهما، على تنفيذ مخططاتها الحربيّة.

هنا، رفع “محور المقاومة” مستوى تدخله “الصاروخي” فأعلنت الفصائل العراقية الموالية لإيران حربًا ضد الوجود الأميركي في العراق وانطلقت صواريخ من الجولان السوري وأدخل “حزب الله” الى معادلة استهداف إسرائيل من لبنان كلًّا من “حماس” و”الجهاد الإسلامي” وفصيل تابع للجماعة الإسلامية في لبنان يطلق عليه “قوات الفجر”.

وحاولت قوى “محور الممانعة” قلب الدنيا على الأميركيين فكان استهداف لسفاراتها في عدد من الدول بينها لبنان. ولكن السلوكية التي اتبعها “ممانعو لبنان” أدت الى نشب “حرب أهلية كلامية” لأنّ المتظاهرين “فشوا خلقهم” بممتلكات الناس الخاصة وممتلكات الدولة العامة والجامعة الأميركية في بيروت.

ودخل الجميع على خط تحذير “حزب الله” من توسيع الحرب التي فتحها في الجنوب، وكانت الكلمة الأقوى للأميركيّين بعدما وصل حضورهم العسكري في المنطقة الى مستويات تاريخيّة.

وغضبت مجموعات في “حماس” من مستوى تدخل “حزب الله” الذي كان ينعي شهيده الخمسين( وصل أمس العدد الى 63 شهيدًا) فوجه خالد مشعل انتقاداته من قطر، فيما كشف مسؤول كبير في حماس أن الحركة كانت تقوم بتنسيق نشط مع إيران قبل وأثناء وبعد الهجوم ضد إسرائيل. وأوضح أحمد عبد الهادي، ممثل حماس في لبنان، أن الحركة نسقت أيضاً مع حزب الله ومع فصائل أخرى في “محور المقاومة” قبل الهجوم، وذلك رداً على سؤال لمجلة “نيوزويك”.

وقال عبد الهادي: “نسقنا مع حزب الله ومع إيران والمحور قبل وأثناء وبعد هذه المعركة على أعلى المستويات”. وتابع أن هذا التنسيق “له أبعاد عديدة، سياسية وعسكرية وغيرها”.

غضب “حزب الله” غضبًا شديدًا وشنّ هجوم مركز ضد خالد مشعل، وسط تساؤلات كثيرة عن أسباب إلتزام الأمين العام ل”حزب الله” السيد حسن نصرالله الصمت.

ونشطت الدبلوماسيّة الإيرانيّة لتبرئة بلادها من عملية “طوفان الأقصى” فنفت علمها بها وأيّ دور لها في تنفيذها.( لاحقًا سيدعمها الأمين العام ل”حزب الله” السيّد حسن نصرالله في هذا النفي، شاملًا نفسه أيضًا).

حاول “حزب الله” أن يدافع عن صمت نصرالله، ولكن كل ذلك لم ينفع، فقرر نصرالله أن يخرج الى العلن، في خطاب حدده في الثالث من تشرين الثاني، وجرى الترويج له، كما لو كان يوم تغيير التاريخ والجغرافيا.

في هذا الوقت، بدأت إسرائيل المرحلة الثالثة من حرب “السيوف الحديدية” فوسعت توغلاتها البرية الى حدودها القصوى، حيث خاضت معارك مكلفة للغاية مع مقاتلي “حركة حماس” الذين يتحصنون بما سمي ب” مترو غزة”، أي شبكة أنفاق موصولة تكاد تكون غزة ثانية.

الخسائر البشرية في قطاع غزة التي وصلت، وفق إحصاءات وزارة الصحة التابعة ل”حركة حماس” إلى عشرة آلاف ضحية، ناهيك عن فقدان الكهرباء والمواد الغذائية والماء والوقود، أثارت غضب الرأي العام الدولي، فشهدت دول كثيرة بينها تلك الأكثر دعمًا لإسرائيل، تظاهرات ضخنة، تهدف الى وقف إطلاق النار.

لكنّ إسرائيل في مفاوضاتها الدبلوماسية وضعت خطوطًا حمراء، فهي لا توافق على هدنة إنسانية إلا إذا تمّ الإفراج عن جميع الرهائن، ولا توافق على وقف إطلاق النار إلّا إذا استسلمت “حماس” ولا توافق على إدخال مساعدات إنسانيّة إذا تضمنت الوقود، على اعتبار أنّ الوقود هو عصب “مترو غزة”.

وعجز مجلس الأمن الدولي في ظل تبادل الفيتوات بين روسيا والصين من جهة والولايات المتحدة الأميركية من جهة ثانية، عن اتخاذ أي قرار بخصوص غزة، ولكن واشنطن وحلفاءها عملوا على توفير ما أمكن من مساعدات “مسموحة” لسكان غزة الذين نزح منهم مئات الآلاف الى جنوب القطاع، وفق الطلب الإسرائيلي.

وعندما أطلّ نصرالله أصاب الفلسطينيين بإحباط، إذ أبقى مستوى مساهمة “حزب الله” بالحرب عند مستواها الحدودي، وإن كان ترك الإحتمالات الأخرى واردة.

ولكنّ إسرائيل لم تتفاعل مع كلمته التي طلب منها فيها تحييد المدنيين فارتكبت جريمة “قد تكون مقصودة” ضد جدة وثلاث حفيدات لها على طريق عيناتا- عيترون في الجنوب اللبناني.

وفي إطار رده على هذه الجريمة، ومن أجل إبقاء معادلة نصرالله ( مدني مقابل مدني) قائمة قتل “حزب الله” مدنيًّا في كريات شمونة وأتاح ل”حركة حماس” أن تقصف نهاريا والضواحي الشمالية لحيفا، في توسيع غير مسبوق للإستهدافات.

ولكن كل ذلك لم يغيّر قيد شعرة من الخطة الإسرائيليّة، فها هي بعد شهر على بدء حرب “السيوف الحديدية” تشن أعنف الغارات على غزة وتقصفها بأسلحة نوعية غير مسبوقة، وتستمر بعمليات التوغل البري التي نجحت حتى تاريخه في التمهيد للمرحلة الرابعة من الحرب، بحيث جرى تقسيم قطاع غزة الى جزأين، والسيطرة على الواجهة البحريّة.

إذن، بعد شهر من عملية “طوفان الأقصى” انتقل الحبور “الحماسي” الى بكاء عالمي، ولكنّ الحرب التي قيل إنها ستستغرق سنة بالكاد خطت خطوتها الأولى، في رحلة الألف ميل العسكرية والأمنية والسياسية والدبوماسيّة!

الواضح أنّ إسرائيل لن تتوقف وحربها سوف تستمر، ومن الواضح أكثر أنّ إيران وحلفاءها أمام معادلة صعبة للغاية: هل يوسعون حربهم ويدفعون ثمنًا غاليًا أو يكتفوا بحدود المساهمة الحالية ويدفعون ثمنًا ليس بسيطًا لدى جميع من آمنوا بأنّ “محور المقاومة” هو الحل وليس “محور التطبيع”؟

المقال السابق
وزير "القنبلة النووية": ابن حاخام وحفيد حاخام

المحرّر السياسي

مقالات ذات صلة

الخارجية الأميركية تعطي إسرائيل ضوءًا أخضر لشن "هجوم دفاعي" على لبنان

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية