يكاد عدد شهداء “حزب الله” يصل إلى أربعين شابًا، حتى تاريخه، ومع ذلك لا تشعر غالبيّة اللبنانيّين بالفجيعة الواجبة!
غياب هذه المشاعر الجيّاشة لا يعود سببه إلى أنّ اللبنانيّين بلا قلب، بل لأنّ طريقة “حزب الله” في نعيهم، من جهة وسبب زجهم في “حرب الآخرين”، من جهة أخرى جعلهم بمنأى عنهم، حتى بدوا كأنّ هؤلاء الراحلين عنّا قد أتوا إلينا من كوكب آخر ولا يتشاركون معنا لا بالجنسيّة نفسها ولا بالإنتماء نفسه ولا بالقضيّة نفسها!
“حزب الله” لا يريدنا، نحن من نعتبر أنّ الحياة غالية ولا يمكن التضحية بها إلّا لسبب جلل ومن أجل قضية جامعة، أن نكون شركاء له حتى في الحزن، فهو، في طريقة نعيه لا يتحدّث عن فجيعة الوالدين ولا ع ن لوعة الأشقاء ولا عن حرقة الأهل والأحباء ولا عن مصائب يتامى وثكالى وأرامل، بل يزفّهم، كما لو كانوا في أكثر أيّامهم سعادة وبهجة وانشراحًا!
اللبنانيّون يخسرون شبابهم، ولكنّهم ممنوعون من السؤال: من أجل من وماذا نخسرهم؟
“حزب الله” لا يريد أن يكون للبنانيّين أيّ علاقة بهؤلاء، فهم له هو، وهو يقرّر مصيرهم، وهو يرسم طريقه، وهو يحدّد لهم المعارك!
و”حزب الله” في فعلته هذه شفّاف وواضح، فهؤلاء الشباب اللبنانيّون لا يستشهدون من أجل لبنان بل من أجل قضيته التي لا علاقة لها بالوطن كوطن، فهم لا يُحرّرون أرضًا محتلة ولا أسرى مظلومين، بل هو يضحّي بهم، من أجل أن تنتصر “الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران” وتكون لها الكلمة العليا في المنطقة وتفرض شروطها على الجميع!
وحال هؤلاء الشباب الذين يستشهدون تباعًا مثل حال الجنوب اللبناني، فهو، في عرف “حزب الله” إمارة قائمة بذاتها. المصيبة أنّه أقنع اللبنانيّين بذلك.
عندما يسأل كثيرون، والحالة على ما هي عليها في الجنوب الذي تهجّر من أبنائه حتى الساعة عشرون ألف نسمة، عمّا إذا كانت الحرب في غزّة سوف تتوسّع في اتجاه لبنان، يكونون قد سلّموا بأنّ الجنوب منطقة مستقلة عمليًا، لها دستورها وحاكمها وقواعدها!
نحن لا نري د أن نكون كما يريدنا “حزب الله” أن نكون، ولكنّه يدفعنا دفعًا إلى ذلك، في ظلّ غياب معيب ل”أشاوس” الوحدة الوطنيّة الذين يستسهلون أن يسلّموا ميليشيا مصير آلاف الشباب ومعهم واحدة من أعز أقضيتنا على قلوبنا!