الصحافي حسين أيوب، لطالما كان الأقرب إلى وجدان جمهور “الحزب”، لأول مرة يخرج بهذا التحليل
القوة الشيعية تعرضت لضربات قاسية، وتصاعدت هذه الخسارات، مع بدء الحرب أواخر أيلول الماضي، وشملت اغتيال السيد وآلاف الكوادر من الحزب، وتدمير كبير للمناطق الشيعية في الجنوب والضاحية والبقاع، وتوجت بالزلزال السوري وسقوط النظام وانهيار المحور، وانحسار الدور الإيراني في المنطقة ولبنان، والموقف الإيراني الهزيل والضعيف يثير سخط كثير من الشيعة، إذ تركتهم وحيدين في الميدان وكل الوعود بإزالة الكيان ذهبت أدراج الرياح، والتطورات التي أعقبت انتفاضة تشرين، وأزمة الدولة المالية وتهم الفساد والهدر، وانهيار سعر الصرف، وانحسار الصفقات والتنويعات ودور الوظيفة العامة أضعفت تأثير حركة أمل وأصابت جمهورها بانتكاسة وخيبة…
حرب الإسناد والشعارات الكبيرة للحزب وطريق القدس، كانت وتستمر محل سخرية من جمهور حركة أمل، وهناك لوم قاسي للحزب لتسببه بهذه الحرب وتحميل الشيعة هذا الكم الضخم من الخراب ، وزاد في عضد مناصري الحركة وجزء من الشيعة، أن أدوار وحكمة الرئيس بري وعلاقاته وتفويضه المطلق من الحزب، هو الذي سمح بالوصول إلى اتفاق وإنهاء لحرب…
وجاءت صدمة الإنتخابات الرئاسية والتكليف الحكومي، ومحاولة تحجيم الحضور الشيعي لتزيد الطين بلة، هذا في الوقت الذي تواصل إسرائيل احتلالها لأراضٍ في الجنوب وتجريف القرى الأمامية واستمرار الغارات على مناطق عدة في الجنوب والبقاع… آثار الحرب كانت جسيمة، وطالت كل البنى الشيعية، والناس في هذه البيئة محتارة في أمرها، آلاف الأسر فقدت بيوتها وتستأجر شققاً وتشتري أثاثاً وكلفة عالية، وتستنزفها هذه الدوامة التي طالت وستطول، وآلاف ينتظرون تعويضاً لإصلاح وترميم منازلهم، ومنهم من غير مناطق السكن ولم يستطع تسجيل أولاده في المدارس، وأهل القرى الأمامية المدمرة شبه دمار كلي، ولا بنى تحتية وتكاد تنعدم الحياة فيها…
هذا المشهد الشيعي مأساوي، ومضامين الإتفاق مع العدو غير واضحة وتتضمن بنوداً غير معلنة، خاصة ما يتعلق بالمطار والرقابة الإسرائيلية للرحلات القادمة والمغادرة وبيانات الركاب وتصوير الأمتعة وتزويد العدو بكل المعلومات عبر دولة ثالثة… والحرب أسقطت كل الأوهام والشعارات والأضاليل، والإدعاء الفارغ وفائض القوة والعناد والإستكبار، وأظهرت حجم الإخ تراقات والخيانة وسوء التقدير وتواضع الإمكانات…
الموضوعية واستيعاب الكارثة تقتضي أن يعمد حزب الله إلى مصارحة الناس والتسليم بما آلت إليه الأمور وتحديد أسبابها ومن يتحمل المسؤولية ومحاسبة من تسبب بكل هذا الخراب، وإعادة قراءة تجربته والإعتراف بخطاياه، ووضع خارطة طريق جديدة جدية، متوافقة مع التغييرات العميقة التي حدثت وتحدث في لبنان والمنطقة…
إن حراك الشارع الشيعي، في الوقت الراهن والذي يأخذ أشكالاً متطرفة، وإشهار صرخات شيعة شيعة، هو زفرة غضب ويأس وعدم شعور بالأمان وفقدان القيادة التاريخية التي كانت تشعرهم بالقوة والفخر، وما يختبرونه كل يوم من فراغ في القدرة على التأثير على الأحداث المتسارعة، وفيها انتكاسات جديدة، إن ما يحدث يعبر عن حالة إنكار للنكبة التي أصابتهم، والهروب الدفاعي إلى آليات بدائية غريزية، لاستعادة العصبية الشيعية القوية التي يرونها تذوي، والكل في الخارج والداخل يتهمهم ويحاول تهميشهم وتهشيمهم، وما يجري يسيء للشيعة ومظلوميتهم وللشهداء وللأثمان الكبيرة التي تكبدوها في هذه الحرب الشرسة، سيما أن العدو لا زال يحتل ويدمر ويقتل، وأن مسؤولية معالجة هذه الحالة من فلتان الشارع تعود وبالدرجة الأولى إلى الحزب، أن يضبط شارعه، ويصارحه بما سبق وتم ذكره، وأن يسمح للقوى الأمنية والجيش بأخذ دورها كاملاُ ويتعاون معها إلى أقصى الدرجات، وأن تنتشر هذه القوى في كل الضاحية وتقضي على الجزر الأمنية الخارجة على القانون، ومافيا الخطف والمخدرات والخوات والدعارة والكهرباء والماء والاتصالات والستالايت وكافة أشكال التشبيح والإستهانة بالناس وأرواحهم وأرزاقهم.