"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث
تابعونافلاش نيوز

صديقي المثلي والوزير التافه!

رئيس التحرير: فارس خشّان
السبت، 19 أغسطس 2023

عندما تجاوزنا عمر المراهقة، إكتشفنا، نحن كمجموعة أصدقاء، أنّ أكثرنا دماثة وكرمًا وتضحية وتديّنًا، مثلي جنسيًّا!

الإكتشاف، وكنّا لم نزل في الثمانينات من القرن المنصرم، “صعقنا”، فلم نعرف كيف يجب أن نتصرّف مع هذا الصديق: هل نتركه وحيدًا ونعزله؟ هل نشترط عليه أن يتغيّر لتصبح ميوله مثل ميولنا؟ هل نطلب رأي المسؤول الديني في منطقتنا؟ هل نفرض عليه أن يذهب الى علاج طبي؟

وتبيّن لنا أنّ صديقنا حاول كل شيء، حين كان “أمره قيد السريّة”، ولكنّه فشل في تغيير ما هو عليه!

أكثر “الذكوريّين” في “مجموعتنا لم يقنعه الفشل، فقرّر أن يلعب هو دور الشافي، فأجبر صديقنا على الذهاب معه الى أحد “بيوت الهوى” حيث اختار له أجمل الفتيات المتوافرات، وزوّدها بالتعليمات اللازمة حتى تُحسن التعامل معه وتظهر له عظمة الأنوثة وجاذبيّتها!

ولكن “فحل مجموعتنا” خرج مطأطأ الرأس، فمحاولته باءت هي الأخرى بفشل ذريع، إذ إنّ “المومس” وضعته بصورة جلستها الحميمة مع صديقنا الذي حاول، من دون جدوى، أن يكون معها “طبيعيًّا”.

وبعد جلسات طويلة من الإستشارات لإيجاد حلّ لهذه “المصيبة” التي ألمّت بمجموعتنا، تغلّبت المحبة على الإختلاف، والأخلاق على الطبيعة المغايرة، خصوصًا وأنّ كل واحد منّا راح يروي للآخرين محاولات التحرّش التي تعرّضنا لها، سواء من رجال دين أو من أنسباء، أو من معارف، أو من “قبضايات”!

ورافقتني هذه التجربة طوال حياتي، وبسببها بات سهلًا عليّ تمييز “المثليّين جنسيًا” مهما حاولوا أن يتدثّروا، فإذا بهم في كل مكان، بكل ما لهذه الكلمة من معنى!

وقد عادت هذه التجربة بقوة الى ذاكرتي حين شاهدت الفيلم عن حياة العبقري البريطاني آلان تورينغ الذي بفضله تمكّن الحلفاء من فك الشيفرة النازية في الحرب العالمية الثانية.

باختصار، لقد جُرّد هذا العبقري، بحكم قضائي، بعد اكتشاف أنّه مثلي جنسيًا من كل وظائفه وأجبر على اتباع علاج أدّى بالنتيجة، ليس إلى “شفائه” بل إلى انتحاره.

وفي العام 2013، أي بعد واحد وستين عامًا على إدانة هذا العبقري بجرم المثلية الجنسية، أصدرت الملكة الراحلة اليزابيت الثانية، تخليدًا له، بعدما رُفعت السرّية عن الوثائق الدفاعية، عفوًا ملكيًا!

أين أصبح صديقي ؟

لن أكشف أين هو الآن، ولكنّه بالتأكيد لم ينتحر لأنّه، على الرغم من كل السخرية التي كان يتعرّض لها، وجد بيئة محبّة. كل ما يمكنني أن أقوله إنّه يُعتبر بشهادة الجميع الأقرب الى الله، إذ إنّه غارق في عبادته وخدمة الفقراء المعوزين، منذ أكثر من ثلاثين سنة!

حبّذا لو لا يتدخّل في الحكم على هؤلاء الناس من يستّر على رجال الدين ارتكاباتهم، وعلى العصابات جرائمها، وعلى المحظيين اغتصاباتهم، وعلى الواصلين تحرّشاتهم، وعلى زملاء وزير الثقافة رشواتهم!

إنّ النقاش في حقوق المثليين الجنسيين وواجباتهم، عندما يحين الوقت، مسألة ضرورية، ولكن أن تتوسّلها الأحزاب والقوى الدينية لتجعل منها أولى القضايا القمعية مستغلّة وجود وزير “تافه” و “شتّام” و “روبوتي” و”استعراضي”، على رأس وزارة الثقافة، فهذا انحراف وشذوذ وكارثة!

المقال السابق
عمرو دياب يشعل بيروت المأزومة... رقصًا وصخبًا!
رئيس التحرير: فارس خشّان

رئيس التحرير: فارس خشّان

مقالات ذات صلة

مستقبل لبنان بعهدة شيعته!

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية