كنّا ننتظر السفير الإيراني في لبنان مجتبي أماني في وزارة الخارجية، حيث كان عليه توضيح سبب تدخله في السجال اللبناني- اللبناني حول موضوع حصر السلاح بيد الدولة، مناصرًا “حزب الله” في اصراره على التمسك بترسانته التي باتت مرفوضة من السلطة اللبنانية، فإذا به يطل علينا، في مقابلة مع قناة “الجديد” محاضرًا في النصر والهزيمة، وفي الخسائر والأرباح، مبررًا وجود “بايجر” معه، على الرغم من أنه خاص بمقاتلي “حزب الله” ومسؤوليه، واعدًا بانتصار كبير ل”المقاومة” في كل المنطقة، معربا عن اعتقاده بأنه لولا “الثورة الإسلامية” لكان لبنان كله تحت الإحتلال الإسرائيلي، منددا بأن تتحوّل “دعوته” الى وزارة الخارجية الى مجال مباهاة في إسرائيل التي تسعى، يائسة، الى رسم صورة نصر على “حزب الله” بالكاد يلملم نفسه.
غاب أماني عن المكان السيادي الذي كان يفترض به أن يحضر إليه ليتلقى توجيهات بعدم التدخل مجددا في الشؤون اللبنانية الداخلية، ولكنه، مستقويًا، ذهب الى حيث يمكنه أن يُمعن تدخلًا في أمور تسببت وتتسبب بالخراب والتتفقير والتهجير والتدمير والتقتيل.
لم يكن لديه متسع من الوقت، ليلتزم باستدعاء وزارة الخارجية التي تحاول أن تلملم السيادة الدبلوماسية اللبنانية، لأنّ وقته مخصص لعكس ذلك، فهناك في لبنان أبنية لا تزال صامدة، وشعب لا يزال متمسكا بأرضه، ولا بد له من الترويج للتضحية بكل هذا من أجل مفهوم غريب للإنتصار، الذي لا يأخذ في عين الإعتبار الخسائر، بل المثابرة، مهما كلف الأمر.
المستقبل، بالنسبة لأماني واضح، فهو مجرد تذكير بالماضي. إنه صراع مفتوح على جولات لا تنتهي من القتال.
يقدم معادلة رياضية لمفهوم النصر والهزيمة، فطالما أنّ “حزب الله” وافق على اتفاق وقف إطلاق النار، فهذا يعني أنّه كان صاحب كلمة، وبما أنّه كان كذلك، فهذا يعني أنه ألحق هزيمة نسبية بإسرائيل. بدا كأنه لا يدرك أن الهزيمة حتى تكتمل تحتاج الى موافقة المهزوم. وهذا ما حصل، عندما قبل “حزب الله” باتفاق وقف إطلاق النار الذي أتاح لإسرائيل أن تأخذ، بلا أدنى مقاومة، ما كانت تسعى اليه ، بالقوة العسكرية، وهو تناس ى أنه منذ قال “حزب الله” كلمته حتى اليوم خسر نحو 150 قياديا ميدانيا ومقاتلا وبقيت قرى الحافة الأمامية من دون سكان، وخضعت أهم تلال لبنانية استراتيجية لسطوة الإحتلال.
بالنسبة إليه، الحل الذي يقترحه الغرب على “حزب الله” هو استسلام، وهذا ما لن تقبل به إيران أبدا، بل هي ستلعب في الهوامش، من أجل تغيير المعادلة.
من الطبيعي، ألا يضع السفير الإيراني في لبنان في حسابه ما تتعرض له “بلاد الأرز” من خسائر وما يصيبها من ويلات، فكل هذا بالنسبة إليه تضحيات ضرورية، ولكنه يتجاهل أنّ اللبنانيين، كما يقول رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، لم يعودوا يريدون أن يبذلوها لأنهم تعبوا من الحرب.
لا يقيم اعتبارا لكل ما ينطق به اللبنانيون والمسؤولون اللبنانيون. همه الوحيد أن يبقى السلاح بيد “حزب الله”.
في الوقت الذي كان يتحدث فيه السفير الإيراني فيه مستخفا بالتضحيات، كان الرئيس الفلسطينين محمود عباس يشن أكبر هجوم على “حركة حماس” بسبب تمكينها إسرائيل من إلحاق نكبة جديدة بالشعب الفلسطيني. معددًا الخسائر البشرية والمادية والمعنوية التي يستحيل أن تعوّض.
ولم ينتبه أماني الى أنّ كل أطياف الحكومة التي يزعم بناء علاقات مميزة معها، كانت في هذا الوقت، تتجمع حول المسؤولة الأميركية عن ملف لبنان، مورغان أورتاغوس، في السفارة اللبنانية في واشنطن. هو على شاشة التلفزيون، هاربا من الإستدعاء، يتحدث عن أمور خيالية وجلها مستقى من فلسفة استغلالية، فيما سائر اللبنانيين يتقدمهم وزير المال ياسين جابر يستمعون الى اورتاغوس ويتحدثون أمامها. الإثنان كانا مشغولين بمستقبل يستحيل بناؤه إذا كان السلاح الإيراني مستمرا بيد “حزب الله”.
كان المشهد الإيراني حزينا، فالهارب من الإستدعاء الدبلوماسي غارق في نسج حكايات من الماضي، فيما البلاد في مكان آخر حيث تحاول مع الجهة التي تغريها ايران باستثمارات تفوق التريليون دولار، أن تبني جسورا تنقل لبنان من الجحيم الى …الحداثة!