يواصل الوزراء في حكومة تصريف الاعمال شأنهم شأن غالبية القوى السياسية اطلاق مواقف اقرب ما تكون الى الهراء من موضوع النازحين السوريين شأنهم في ذلك في اطلاق المواقف من المحافظة على ودائع المودعين فيما يتم العمل على استنفاد كل قرش منها لحساب رفد الدولة وسلطاتها بالحد الادنى من الاستمرارية . فثمة قوى تطالب الحكومة بخطة لاعادة اللاجئين واتخاذ اجراءات للحوار مع النظام السوري فيما ان هذه القوى تعتبر ان لا صلاحية لهذه الحكومة القيام بخطوات اقل اهمية من ذلك . وهناك وزراء يتناقضون في ما بينهم بين وزير يبشر انه اتفق مع النظام السوري على خطة اعادة عدد من السوريين شهريا واخر يعتبر ان الكرة هي في ملعب المجتمع الدولي وليست في سوريا التي في حاجة الى اعمار مدنها وقراها قبل اعادة اللاجئين . وهو منطق النظام السوري الذي روج لهذا المنطق مع اعادته الى الجامعة العربية ومطالبته ببدء اعداد خطة لاعادة اللاجئين . وهذه المواقف تنبع من فريق متحالف واحد فيما يسأل البعض اذا كانت هذه هي الخلاصة الديبلوماسية لما الت اليه المساعي والاتصالات فانما يسحب ذلك ورقة من يد احد المرشحين الاساسيين للرئاسة الاولى وهو رئيس تيار المردة سليمان فرنجيه الذي تشكل قدرته على التحاور مع النظام السوري حول اعادة اللاجئين السوريين احدى نقاط قوته .
في الاحاطة التي قدمها الموفد الدولي الى سوريا غير بيدرسون قبل يومين الى مجلس الامن حول الوضع السوري قال انه ” في الوقت الحاضر، ببساطة لا توجد ظروف لعودة اللاجئين الآمنة والكريمة والطوعية. وطالب بـ” حماية اللاجئين، بما في ذلك من الإعادة القسرية ” داعياً الحكومة السورية إلى ” بذل مزيد من الجهد لمعالجة مخاوف الحماية الحقيقية والمستمرة للغاية ” . هو الموقف الدولي نفسه الذي يستمر في الدوران في دائرة مقفلة لا سيما في ظل غياب حل سياسي في سوريا ومأزق عجزه عن التقدم . تستمر القوى السياسية في الكذب على اللبنانيين في هذا الموضوع وتثور غضبا على البرلمان الاوروبي فيما ان ادنى المقومات لهذا الملف غير متوافرة . وابرز هذه المقومات وجود سلطة قوامها رئيس للجمهورية وحكومة فاعلة تحظى بصدقية وثقة اللبنانيين من اجل بلورة خطة متكاملة قادرة على مناقشتها وطرحها على نحو عملي في اتجاهين : احدهما النظام السوري على رغم ضآلة الامال بامكان تجاوبه مع لبنان في اي مطلب في هذا الاطار ما دامت ورقة اللاجئين لديه هي لبيعها من الدول الغربية والدول الخليجية لكي يقبض ثمنها . ولكن لبنان لا يستطيع تجاهل هذا الجانب من التواصل مع النظام ، ولو انه لن يقيم وزنا للمطالب اللبنانية ، في الوقت الذي يرضي ذلك غرور النظام من جهة في تعاليه على جاره الصغير ومن جهة اخرى في امتلاكه اوراقا لابتزازه . والاتجاه الاخر في اتجاه الامم المتحدة على اختلاف منظماتها وتعددها المهتمة بالشأن السوري وبموضوع اللاجئين اضافة الى كل الدول المؤثرة الاعضاء الدائمين في مجلس الامن كما الدول الاوروبية . ففي جانب وجود سلطة قادرة على التحاور وصاحبة خطة ورؤية ومطالب حقة جانب اخر يتصل بديبلوماسية لبقة وصاحبة تجربة وعلاقات واسعة ومؤهلات في الاقناع يحتاج اليها اي رئيس جديد . فالثقل الذي يشكله اللاجئون يثقل كاهل لبنان ويهدد صيغته ويعرقل نهوضه ولكن ثمة غوغائية تنافسية ومتناقضة في غالب الاحيان في مقاربة الموضوع الى حد يبيح للدول الاوروبية ان تتجاهل الشكوى اللبنانية الممزوجة او المترافقة مع مواقف عرقلة سياسية لنهوض لبنان وتعمد انهياره وفقا لكل التقارير الدولية بما يتيح لهذه الدول الا تقبض مواقف هذه القوى جديا ، لا بل ان توجه اللوم الى لبنان حول خطابه ” من الكراهية ” في اتجاه النازحين السوريين ، لا سيما في اطار سعيها الى درء اي هروب جماعي لهؤلاء من لبنان الى القارة الاوروبية . فلا سلطة لبنانية مسؤولة تحاور ولا رغبة لدى النظام السوري في اعادة النازحين ولا رغبة لدى الدول الاوروبية والخارجية عموما في تحريك الموضوع راهنا في غياب حل سياسي للحرب السورية . فالقضية قضية حق للبنان يستحق مناقشته فيها تحت سقف المعايير الدولية لحماية اللاجئين . لكن ينبغي ان يفتح افق ما للبنان لئلا ينفجر باهله وضيوفه كما حصل مع الفلسطينيين في مراحل سابقة . وهذا ما يجب بحثه اي ايجاد مخارج للبنان كما حصل بالنسبة الى الفلسطينيين اما عبر اتاحة هجرتهم الى دول تحتاج الى مهاجرين وتشجع على الهجرة اليها او اي تنظيم اعادة البعض منهم الى سوريا من موالي النظام مع توفير مساعدات انسانية مغرية لهم .
فاذا كان اللبنانيون لا يشعرون بان هناك جدية فعلية ومقاربة موحدة لموضوع النازحين فكيف يمكن اقناع الاخرين بذلك . وليس ان هناك نقصا في الافكار وكثير منها مطروح في التداول ولكن من هي السلطة او اين هي السلطة صاحبة الصدقية والتي تتمتع بالاحترام لتضع الموضوع في صلب اهتماماتها وعلى قاعدة علمية مدروسة مع حلول مقترحة . فالحلول لا يجب انتظارها فحسب من الخارج فيما يفرض هذا الاخير مصلحته ، بل توظيف ما امكن من صداقات وعلاقات للحصول على جزء يسير من التقدم في كل مرة . ومع ان العهد السابق حرص على ابراز موقفه من اعادة اللاجئين في كل محطة او لقاء مع زوار ديبلوماسيين او خلال زياراته القليلة الى الخارج ، الا ان الحرب السورية لم تكن وضعت اوزارها كما هي الحال بعد بضع سنوات من انتهاء المعارك العسكرية فضلا عن ان العهد السابق كان يحتفظ بلغة عنصرية يؤديها فريقه السياسي ازاء اللاجئين على نحو يفقده اي صدقية او موضوعية في مقاربة هذا الملف . هذا عدا عن واقع ان العهد السابق لم يكن يتمتع باي ثقل معنوي او سياسي لا سيما بعد انتفاضة اللبنانيين ضده في 17 تشرين الاول 2019 . ويجب البحث في خضم عرقلة انجاز الاستحقاقات الدستورية عن المستفيدين من ابقاء الوضع على انهياره فيما يسهل اطلاق الكلام وبيع المواقف الشعبوية للبنانيين حفاظا على المواقع والمصالح السياسية.
النهار