ريم هاني
رداً على استخدام أوكرانيا للأسلحة الغربية بعيدة المدى لضرب الأراضي الروسية، اتخذت روسيا جملة من الإجراءات غير المسبوقة، انطلاقاً من مبدأ أنّ الحرب لم تعد مع أوكرانيا وحدها، بل اتخذت، منذ اليوم فصاعداً، طابعاً «عالمياً». وجنباً إلى جنب تحديثها عقيدتها النووية رداً على التصعيد الغربي، كشفت موسكو، أخيراً، عن صاروخ جديد عابر للقارات، قادر على اختراق «جميع الدفاعات الجوية، في أي مكان من العالم»، وذلك عبر عملية استهدفت مصنعاً عسكرياً في إحدى المدن الأوكرانية، ما دفع بعدد من المراقبين إلى التحذير بشكل متزايد من أنّ «الإذن» الذي منحته واشنطن ودول «الناتو» لكييف باستخدام أسلحتها بعيدة المدى، وبدلاً من أن يغير مسار المعركة التي تسير عكس مصلحة أوكرانيا، سيكبّد الأخيرة، والقارة الأوروبية بأكملها، المزيد من الخسائر، ويقوّض فرص التوصل إلى تسوية قريبة للحرب، حتى مع وصول الرئيس الجمهوري المنتخب، دونالد ترامب، إلى البيت الأبيض.
وتطرّق الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في خطاب أمام الأمة الخميس، إلى التصعيد الأخير بين بلاده وأوكرانيا، مؤكداً أنّه في الـ19 من الشهر الجاري، شنّت القوات الأوكرانية هجوماً باستخدام ستة صواريخ باليستية تكتيكية أميركية -الصنع، وهجوماً صاروخياً مشتركاً آخر، بعد يومين، باستخدام أنظمة «ستورم شادو» البريطانية، و»هيمارس» الأميركية، استهدف «منشآت عسكرية داخل الاتحاد الروسي في منطقتي بريانسك وكورسك». وأردف: «ومن هذه المحطة فصاعداً، وكما أكدنا مراراً في رسائلنا السابقة، فإن الصراع الإقليمي في أوكرانيا، والذي أثاره الغرب، قد أصبح ذا طابع عالمي».
وكشف بوتين عن بعض خصائص الصاروخ الروسي الجديد الذي أُطلق عليه اسم « أوريشنك»، لافتاً إلى أنّه ما من وسيلة لـ»مواجهة مثل ذلك النوع من الأسلحة اليوم»، ولا سيما أنّ سرعة الصواريخ المشار إليها تبلغ 10 ماخ، أي ما يعادل 2.5 إلى 3 كيلومترات في الثانية، ما يعني أنّ أنظمة الدفاع الجوي المتوافرة حالياً، وتلك التي يصنّعها الأميركيون في أوروبا، غير قادرة على اعتراضه. وبعدما استهدف الصاروخ الجديد، الذي لم يكن مزوداً، هذه المرة، برؤوس حربية نووية، أحد أكبر وأشهر المجمعات الصناعية التي تعود إلى حقبة الاتحاد السوفياتي، وهو مصنع «يوجماش»، الذي ينتج الصواريخ والأسلحة الأخرى، أكّدت موسكو أنّها في صدد تطوير صواريخ متوسطة وقصيرة المدى، كرد على خطط واشنطن لإنتاج ونشر صواريخ متوسطة وقصيرة المدى في أوروبا ومنطقتي آسيا والمحيط الهادئ.
وصعّد بوتين، في خطابه الأخير أيضاً، من حدّة تهديداته لسائر الدول الأوروبية، مؤكداً «(أننا) نعتبر أنفسنا مخولين باستخدام أسلحتنا ضد المنشآت العسكرية للبلدان التي تسمح باستخدام أسلحتها ضد منشآتنا، وفي حال تصعيد الأعمال العدوانية، سنرد بحزم وبالطريقة نفسها». وأردف: «أوصي بأن تنظر النخب الحاكمة في الدول التي تضع خططاً لاستخدام وحداتها العسكرية ضد روسيا، بجدية في قرارها». كما أعلن الرئيس الروسي أن بلاده ستُحذّر المدنيين ومواطني «البلدان الصديقة» المقيمة في المناطق الأوكرانية، والتي قد تقرّر روسيا استهدافها بأنظمة صواريخ من مثل «أوريشنك»، بإخلائها، لأسباب إنسانية، من دون أي خوف من ردّ فعل «العدو»، نظراً إلى عدم قدرته، أو أي دولة أخرى، على التصدي لتلك الأسلحة، مذكّراً بأنّ «روسيا ليست من دمّر نظام الأمن الدولي، بل الولايات المتحدة، وهي، بمواصلتها القتال والتشبث بهيمنتها، تدفع العالم كله نحو صراع عالمي».
«الانفجار»
وبالتزامن مع الموقف الروسي الحازم تجاه الخطوات الغربية الأخيرة، والذي قد يكون صنّاع السياسة في الولايات المتحدة وأوروبا قد أساؤوا «تقديره»، يرى عدد من المراقبين أنّ الخطوة الأميركية، وإلى جانب كونها لن تغيّر شيئاً في ساحة المعركة، تُخاطر بجرّ واشنطن إلى حرب عالمية جديدة، وقد «تنفجر»، بالتالي، في وجه المسؤولين الأميركيين. وفي هذا السياق، يعتبر دانيال ديفيز، الخبير العسكري في «مؤسسة أولويات الدفاع» والضابط السابق في الجيش الأميركي، في تقرير نشرته مجلة «ناشونال إنترست» أخيراً، أنّ عدد الصواريخ بعيدة المدى «التي نعطيها لأوكرانيا غير مهم»، نظراً إلى أنّ تلك الصواريخ وحدها «لن تُغير شيئاً» في ديناميكية ساحة المعركة، ولن تفعل أكثر مما فعلته الدبابات الغربية، وناقلات الجنود المدرعة وقطع المدفعية وأسلحة الدفاع الجوي، وأنظمة «هيمارس»، أو حتى طائرات الـ»أف- 16» التي نتفاخر بها. ويتابع: «كييف خسرت الحرب. ونقطة على السطر».
وحالياً، من المؤكد أن الاستمرار في تجاهل الواقع، والاستماع إلى بعض الجنرالات الأميركيين الذين «يهلّلون» لخطوة جو بايدن، سيزيد من التكلفة النهائية التي ستترتب على خسارة أوكرانيا للحرب. وما يفعله بايدن، طبقاً للتقرير، هو أسوأ من ذلك حتى، إذ إنه يخاطر بتوسيع الحرب، وجرّ الولايات المتحدة إلى صراع مباشر مع روسيا. ويلفت الكاتب إلى أنّه من غير الواضح لماذا اختار بايدن، على مشارف نهاية ولايته الرئاسية، اتخاذ إجراء ينطوي على خطر تصعيد كبير، مشيراً إلى أنّ القرار المتعلق بالأسلحة الأميركية يشكل خطراً كبيراً وغير ضروري على الولايات المتحدة، ولا سيما مع ارتفاع فرص الهزيمة الأوكرانية. ويذكّر الكاتب بأنّه كان قد حذّر، في تموز، من أن الهجوم المضاد الأوكراني سيحكم عليه بالفشل، لافتاً إلى أنّ عدداً من الجنرالات الأميركيين تجاهلوا الحقيقة التي كانت واضحة قبل الهجوم وأثناءه وبعده، ونصحوا الحكومات الغربية بمواصلة الحرب، متسائلاً: «تخيل عدد الرجال الأوكرانيين الذين كانوا سيكونون على قيد الحياة اليوم، إذا اعترف بايدن بالحقائق العسكرية الأساسية في صيف عام 2023 وسعى إلى تسوية عبر التفاوض». ويختم التقرير بأنّه من بين الأسباب التي دفعت بالشعب الأميركي إلى التصويت لترامب، هو تعهد الأخير بإنهاء الحرب في أوكرانيا، إلا أنّه عبر المخاطرة التي «لا فائدة منها قبل شهرين من نهاية ولايته، يمكن أن يقضي بايدن على أي فرصة تتيح للرئيس المنتخب تحقيق السلام».
وكان المتحدث باسم البنتاغون، تشارلي ديتز، أشار إلى أنّ صواريخ «أتاكمز» لا تطرح حلاً للتهديد الرئيسي الذي تواجهه أوكرانيا، وتحديداً من القنابل الانزلاقية التي تطلقها روسيا، من على بعد أكثر من 300 كيلومتر، أي بعيداً من مرمى الصواريخ المشار إليها. كما أنّ كمية تلك الصواريخ التي يمكن لواشنطن تزويد كييف بها «محدودة»، ما دفع بعدد من المسؤولين الأميركيين إلى التساؤل، في وقت سابق، عمّا إذا كان بإمكانهم منح أوكرانيا الكمية الكافية منها لإحداث فرق فعلي. وفي هذا الإطار، رأت المحللة العسكرية، جينيفر كافانا، في حديث إلى شبكة «إي بي سي» الإخبارية الأميركية، أن القرار الأميركي لن يغير مسار الحرب، ولا سيما أنّ كييف ستحتاج إلى مخزونات كبيرة من صواريخ «أتاكمز» التي لا تملكها «ولن تتلاقاها»، نظراً إلى محدودية الإمدادات الأميركية. وتردف أنّ «أكبر عقبة تواجهها أوكرانيا هي نقص الأفراد المدربين والجاهزين، وهو تحدّ لا يمكن للولايات المتحدة أو حلفائها الأوروبيين حله، ولن تتغلب عليه جميع الأسلحة في العالم».
الاخبار