يديعوت أحرونوت
دولة إسرائيل، ومؤسستها الأمنية، الجيش والشاباك ووزارة الدفاع وحاشية رئيس الحكومة، هم أشبه بفتاة بريئة من دون خبرة، دخلت إلى كازينو، أو كشخص شديد الثقة بنفسه، دخل إلى قاعة الألعاب، وبدأ بإدخال المال إلى الآلة، هكذا شبّه أحد أكثر الأشخاص خبرةً بالحرب الوضع الحالي. هو يعرف جيداً المعلومات الحساسة والخطط العملانية للقوات، ومعاقل جزء من اللاعبين، والرحلة في عمق غزة، على أمل أننا في النهاية، سنحصل على ما نريد: على الأقل، تحقيق أحد هدفَي العملية، رأس السنوار، أو المخطوفون يحتضنون أحباءهم الذين ينتظرونهم بفرح كبير.
لكن حتى الآن، لم يحدث أيٌّ من الأمرين. ولا تزال دولة إسرائيل، بقواتها العسكرية وأجهزتها، بحسب الاستعارة التي استخدمها الرجل، مثل الذي يقف أمام آلة القمار، وعلى الرغم من خسارته، المرة تلو المرة، وربحه القليل، لكن مع ذلك، يواصل القيام بالأمر عينه على أمل أن يتغير حظه ويربح الجائزة الكبرى. وإسرائيل من خلال إصرارها على الانتصار، تترك الحياة تمضي، ولا تنتبه إلى أنها تخسر المال، ولا تدرك أن الكازينو في النهاية دائماً هو الرابح.
100 يوم كاملة، نجحت خلالها إسرائيل في تحرير مخطوفة واحدة بواسطة الضغط العسكري مع كثير من الحظ، هي أوري مغيديش، أمّا الـ80 مخطوفاً إسرائيلياً، فقد جرى إطلاقهم من خلال صفقة، قال الوسطاء القطريون إنها كانت مطروحة قبل بدء الدخول البري. 100 يوم كاملة، وإسرائيل الرسمية، سواء الحكومة أو وزارة الدفاع، والجيش أيضاً، يدّعون أن الهدف الأول للحرب، تفكيك القدرات العسكرية لـ”حماس”، هو الأكثر إلحاحاً، وهو الذي سيسمح بتحقيق الهدف الثاني، إطلاق المخطوفين. هذه العبارة محفورة عميقاً في المنظومة كلها، ترددها المنظومة الأمنية وممثلوها في وسائل الإعلام، وتحولت إلى أمر بديهي، وإلى حجة وذريعة وطنية لمواصلة المناورة العسكرية، ولم يُسأل أي مندوب رسمي عن سبب أنه كلما ازداد الضغط العسكري وغرست الجرافات العسكرية مخالبها، كما شرح وزير الدفاع، كلما تشدد السنوار أكثر في شروطه.
مَن يؤمن بدقة هذه العبارة، سيصل إلى خلاصة مفادها بأن عدم النجاح في إطلاق المخطوفين سببه، ببساطة، أن إسرائيل لم تستخدم قوة كافية، وإذا ضغطت أكثر وقليلاً، فإن العدو “الوحشي” سينهار…
التفكير في مسار جديد
من المهم قول ما هو واضح، لا يغيّر شيئاً إذا لقيَ مخطوف موجود لدى “حماس” حتفه في اللحظة التي خُطف فيها، سواء برصاص “حماس”، أو بسبب مرض لم يُعالَج منه، أو جرّاء جروح بالغة ونزيف، أو بسبب انهيار مبنى جرّاء القصف الإسرائيلي، كان موجوداً فيه، فإن المسؤول عن موته “حماس”، وفقط “حماس”. وهي المسؤولة عن ذلك حصراً. لكن في نهاية الأمر، المخطوفون الذين قُتلوا، سواء بسقوط منزل عليهم، أو اختنقوا جرّاء تفجير نفق، أو قتلتهم “حماس” خلال عملية إنقاذهم، أو قتلهم الجنود الإسرائيليون عن طريق الخطأ، بعد أن اعتقدوا أنهم “مخربون”، على الرغم من أنهم كانوا يحملون الراية البيضاء، على الرغم من كل هذا، فإن الحديث بدأ همساً عن ضرورة التفكير مجدداً في المسألة كلها، وأنه لا توجد فرصة فعلاً في الحصول على الجائزة الكبرى من آلة القمار، وأن الاستمرار في حشر المال في الآلة هو أشبه بطَرق الرأس بالجدار، لكن المقصود هنا ليس المال، بل البشر الذين يدفعون الثمن من حياتهم…
مسألة المخطوفين ليست على رأس جدول أولويات المسؤولين. حقاً لا. وهي أيضاً لم تُطرح كهدف من أهداف الحرب. مسؤول كبير في الاستخبارات قال: “الضربة المخيفة التي تلقيناها في 7 أكتوبر، خلقت لدى كثيرين من القيادة شعوراً بأن ما جرى في “السبت الأسود” يشكل تهديداً مريعاً لدرجة أنه يحررهم من الحاجة إلى التخطيط للمستقبل”. في 16 تشرين الأول/أكتوبر، وبعد ضغط شعبي كبير، وتنظيم سريع لعائلات المخطوفين، أضاف كابينيت الحرب، سراً، قضية المخطوفين، كهدف ثانٍ للحرب، وبعد وقت قصير، بدأت نغمة الربط بين الأمرين. فقالوا ورددوا إن العملية البرية ستساعد في إطلاقهم. عملياً، ما حدث هو العكس، واستخدام هذه الذريعة هو الذي سمح بإطالة أمد المناورة… هدفان متناقضان
السنوار وافق على صفقة حققت جزءاً مما يرغب فيه، فجرى إطلاق 100 مخطوف. ولم تحصل إسرائيل على سائر المخطوفين، ولم يحصل السنوار على طلبه المركزي، وقف إطلاق نار شامل. وحاول تحويل الصفقة نحو إطلاق سراح أسرى آخرين، ثم فجّرها. ويبدو أنه فوجىء بعودة إسرائيل فوراً إلى القتال، لكن هذه المفاجأة جاءت ترجمتها بعكس ما كانت تتمناه المؤسسة العسكرية والحكومة في إسرائيل، لقد تشددت “حماس” في شروطها، وأعلنت أنها لن تُجري بعد اليوم مفاوضات جزئية، بل شاملة، تنسحب إسرائيل في نهايتها من غزة، مع ضمانات دولية بألّا تعاود الحرب، هذا إلى جانب تحرير عدد هائل من “الإرهابيين”.
وكما حذّرنا هنا سابقاً عدة مرات، فإن هدفَي الحرب غير قابلَين للتحقّق معاً، وهما متعارضان. ولا يوجد في المنظومة الأمنية مَن يوقف هذا السباق ويقول كفى، هذا لن ينفع. في عدة حالات، العملية البرية لم تحسّن وضع المخطوفين، بل تسببت بمقتلهم. هناك مَن يعتقد أن الجيش ليس صريحاً بما فيه الكفاية مع الجمهور، وخصوصاً مع عائلات المخطوفين، وهو يخفي أشياء، أو يكشف القليل فقط عندما يضطر إلى فعل ذلك، في مواجهة الفيديوهات المخيفة لـ”حماس” التي لا تتضمن غير الأكاذيب.
هناك مَن يدّعي أن الجيش يحتفظ بمعلومات استخباراتية من نوعية عالية، تتعلق بموت عدد غير قليل من المخطوفين، جزء منهم قُتل بنيران الجيش الإسرائيلي في اليوم الأول للحرب، في إطار بروتوكول هنيبعل غير معلن، كما كشفت أنّا ويوآف زيتون في يوم الجمعة الأخير، وبعضهم الآخر قُتل في ظروف أُخرى لها علاقة بالمناورة البرية. تقريباً، كل المخطوفين الذين عادوا، تحدثوا عن الخطر والتهديد، كل يوم وكل دقيقة، الذي يشكله القصف الإسرائيلي الذي لا يتوقف. الجيش يقول إنه لا يقصف مناطق يُعتقد أنه يوجد فيها مخطوفون، لكن المشكلة أنه فعلاً لا يعرف.
المشكلة هي أنه مع التصرفات المجنونة، بالإضافة إلى عدم التنسيق والانقسام والتشاجر المرهق، والجنون الكامل الذي لا يعتمد، أحياناً كثيرة، على اعتبار مركزي ووحيد، هو رفاهية وأمن دولة إسرائيل، ومعه مصلحة المخطوفين، تخسر إسرائيل بصورة مخيفة أوراق مقايضة كانت قادرة على استخدامها من أجل الضغط على السنوار… مثلاً، إعادة السكان إلى شمال القطاع، دخول كميات كبيرة من المساعدات الإنسانية، وقبل كل شيء، انسحاب فعلي لجزء كبير من القوات الإسرائيلية من القطاع، كانت ستشكل ثماراً من دواعي سرور السنوار الحصول عليها، باعتبارها أوراق مساومة قوية. لكن السلوك الكارثي للحكومة الإسرائيلية حيال العالم عموماً، وحيال الولايات المتحدة خصوصاً، دفعها إلى استخدام هذه الأوراق لإطفاء حرائق صغيرة في أماكن أُخرى. وصفقة الأدوية هذا الأسبوع هي أبرز دليل على أن إسرائيل تملك أوراق مقايضة، وهي قادرة على استخدامها…